خصوصيات العمل وظروف مزاولته من شأنها إما أن تقوي الصحة النفسية للإنسان، حيث يكون العمل عامل استقرار وأمان، وإما أن يشكل عامل خطورة له بالغ الأثر النفسي والجسدي على الشخص. عندما يتلاشى الشعور بالرضا ويحل محله الشعور بالاستنزاف، هنا، نتحدث عن «الاحتراق المهني». في عدد هذا الأسبوع من «دليل الصحة النفسية» ستتعرفون معنا على الاحتراق المهني أو الوظيفي، ما هي أعراضه وكيفية علاجه..
إعداد: أميمة سليم
+++++++++
الاحتراق المهني وأعراضه
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، الإرهاق المهني هو متلازمة ناتجة عن الإجهاد المزمن المرتبط بالعمل، مع أعراض تتميز بـ «الشعور باستنفاد الطاقة أو الإرهاق، زيادة المسافة الذهنية عن عمل الفرد، أو الشعور بالسلبية أو السخرية المتعلقة بوظيفة الشخص، وانخفاض الكفاءة المهنية». إن الإرهاق قد يؤثر على الصحة ويمكن أن يكون سببًا لزيارة أخصائي نفسي، إلا أنه لا يتم تصنيفه من قبل منظمة الصحة العالمية على أنه حالة طبية أو اضطراب عقلي. تنص منظمة الصحة العالمية على أن «الإرهاق يشير على وجه التحديد إلى ظواهر في السياق المهني ولا ينبغي تطبيقه لوصف التجارب في مجالات أخرى من الحياة».
الاحتراق المهني أو «البورن أوت»
ما هو؟
الاحتراق المهني هو حالة من الإرهاق الجسدي والعاطفي والعقلي المرتبط بتدهور علاقة الشخص بعمله.
لوحظ الاحتراق المهني أو الإرهاق المهني في البداية بين مقدمي الرعاية.
رغم أن هذه المجموعة المهنية تبقى ظروف عملها مكشوفة بشكل خاص، فإنه أصبح من المعلوم الآن أن الإرهاق يمكن أن يؤثر على جميع المهن التي تتطلب التزاما مهنيا مكثفًا.
إنه يصيب النساء بقدر ما يصيب الرجال ويحتل المرتبة الثانية في المشاعر ذات الأصل المهني.
يظهر الإرهاق المهني عندما يشعر العامل بوجود فجوة كبيرة بين توقعاته، والتمثيل الذي يحمله لمهنته وواقع عمله. بشكل ملموس، في مواجهة حالات الإجهاد المهني المزمن، لم يعد بإمكان الشخص المنهك التأقلم.
الإرهاق ليس مرضا عقليا. هي مجموعة من الأعراض (متلازمة) ناتجة عن تدهور العلاقة الذاتية بالعمل.
ويظهر ذلك من خلال:
-الإرهاق العاطفي والجسدي والعقلي، يشعر الشخص بأنه «أفرغ من موارده».
فترات الراحة المعتادة (النوم، عطلات نهاية الأسبوع، الإجازات، إلخ) لم تعد كافية لتخفيف هذا التعب.
-تطوير سلوك ساخر في سياق العمل.
لحماية النفس من خيبة الأمل العاطفية (حيث لم يعد بإمكان الشخص أداء وظيفته «بشكل جيد»)، ينسحب العامل من عمله ويجرد الأشخاص الذين يتعامل معهم من «إنسانيتهم» (العملاء، المرضى، الزملاء)، ينتج عن ذلك سلوك سلبي وقاسي.
-انخفاض قيمة الذات، وفقدان الشعور بالإنجاز في العمل، والانطباع بأنه لم يعد على مستوى المهمة.
ما هي الأسباب؟
تم تحديد عوامل الخطر: زيادة الأعباء في العمل، والتعرض للضغط من أجل العمل بشكل أسرع، وعدم التحكم في العمل، وقلة المكافأة أو الاعتراف، والمعاناة من عدم المساواة، وتلقي طلبات متناقضة، وفرض أهداف غير واضحة، وعدم كفاية الموارد أو الموارد التي لا تتماشى مع الأهداف المطلوبة، ومواجهة تضارب في القيم، والمعاناة من انعدام الأمن الوظيفي.
يؤثر الاحتراق في المقام الأول على الأشخاص الملتزمين بشدة بعملهم: الشيء الحاسم بالنسبة لهم هو المهنة التي اختاروها والمعنى لما يحققونه.
من ناحية أخرى، فإن الأشخاص المعرضين لعدم الاستقرار العاطفي (الأكثر ميلا إلى إدراك وبناء والشعور بالواقع والأحداث على أنها مهددة ومؤلمة وإشكالية) أو ذات طابع ضميري (كونهم منهجيون ومنظمون وأنيقون ودقيقون ومثابرون، وما إلى ذلك) هم أكثر عرضة للاحتراق المهني.
ومع ذلك، لا ينبغي اعتبار متلازمة الاحتراق المهني «مرض المقاتل»، وهي نتيجة حتمية لالتزام الفرد الشديد بالعمل.
تأتي متلازمة الاحتراق من المواجهة بين الفرد وحالة العمل المتدهورة.
عندما يصبح الانخراط المهني.. أكثر من اللازم
يمكن أن يؤثر الاحتراق المهني أو الوظيفي، الذي تم تحديده في البداية بين مقدمي الرعاية والأطباء، على جميع المهن التي تتطلب التزاما شخصيًا مكثفا. يجب أن تمنع التدابير الوقائية تدهور صحة الأشخاص المهددين بالاحتراق، وفي الوقت نفسه تمنع ظهور حالات أخرى.
متلازمة الاحتراق المهني، أو «البورن أوت»، هي مجموعة من ردود الفعل المتتالية لحالات الإجهاد المهني المزمن التي يسود فيها بُعد الالتزام. يتميز بثلاثة أبعاد:
-الإرهاق العاطفي: الشعور باستنزاف الموارد العاطفية.
-تبدد الشخصية أو السخرية: عدم الإحساس بالعالم المحيط، نزع الصفة الإنسانية عن العلاقة مع الآخرين (يصبح المستخدمون، العملاء أو المرضى كائنات)، النظرة السلبية للآخرين والعمل.
-الشعور بعدم الإنجاز الشخصي في العمل: الشعور بعدم القدرة على الاستجابة بشكل صحيح لتوقعات من حولك، أو انخفاض قيمة نتائجك، أو الشعور بالضياع، إلخ.
تتطلب العديد من المهن استثمارا شخصيا وعاطفيا كبيرا. يمكن أن يشعر الموظفون الذين يمارسون هذه المهن بالقلق من خطر الإرهاق عندما يشعرون بوجود فجوة كبيرة بين توقعاتهم، والتمثيل الذي لديهم لمهنتهم (التي تحملها القيم والقواعد) وواقع العمل. هذا الوضع، الذي يرهقهم ويفرغهم «عاطفياً»، يدفعهم إلى التساؤل عن استثماراتهم الأولية.
-عوامل الخطر
نظرا لأن الإرهاق هو نتيجة الإجهاد في العمل، فهناك عوامل إجهاد من بين أسباب الإرهاق. أبرزت دراسات مختلفة دور العوامل التالية على وجه التحديد:
-العمل الزائد، ضغط الوقت.
-عدم السيطرة على العمل.
-مكافآت منخفضة.
-عدم الإنصاف
-تضارب القيم، المطالب المتضاربة.
-عدم وضوح الأهداف والوسائل.
يمكن الجمع بين تأثير عوامل الخطر هذه، بالنسبة لبعض المهن المساعدة (الممرضات والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين والمدرسين، إلخ)، مع العبء العاطفي المتأصل في هذه المهن.
الحوادث والآثار الصحية
يمكن أن تكون مظاهر الإرهاق المهني، الحادة إلى حد ما، على النحو التالي:
-عاطفي (الشعور بالفراغ، والعجز، وفقدان الثقة بالنفس، والتهيج، والتشاؤم، والموقف «البيروقراطي»، وما إلى ذلك).
-الإدراك (صعوبة التركيز، التردد، صعوبة إجراء العمليات البسيطة، ضعف جودة العمل، إلخ).
-جسديًا (التعب العام، والصداع، وآلام الظهر، وتوتر العضلات، واضطرابات النوم، وما إلى ذلك)
-العلاقات الشخصية والسلوكية (الانسحاب، العزلة، العدوانية، الاندفاع، انخفاض التعاطف، السلوك الإدماني، إلخ)
-تحفيزية وسلوكية (موقف سلبي تجاه العمل والآخرين، فك الارتباط، إلخ).
إن أعراض الإرهاق في الواقع معقدة للغاية وليست محددة جدًا ويمكن أن تتطور إلى الاكتئاب أو القلق.
الوقاية
لمنع حدوث ظاهرة الاحتراق المهني، يوصى بالتأكد من أن تنظيم العمل والقيود التي يولدها لا تثقل كاهل الموظفين ولا تضعهم في مخالفة لقواعد وقيم مهنتهم. من الضروري أيضًا السماح بالعمل الجماعي أو تعزيز الدعم الاجتماعي.
علامات تدل على أنك ضحية الاحتراق المهني
«الاحتراق الوظيفي» هو حالة من الإنهاك الفكري والعاطفي والجسماني نتيجة الاستغراق في العمل.
أظهرت دراسة علمية حديثة، أجرتها «الرابطة الأمريكية لعلم النفس»، و«مركز بحوث الرأي الوطني» بجامعة شيكاغو، أن 48% من الأمريكيين عانوا زيادة في معدلات التوتر على مدى السنوات الـ5 الماضية، وأفاد 31% من المبحوثين بأنهم يجدون صعوبات في إدارة مسؤوليات العمل والأسرة معًا، فيما أكد أكثر من نصف المبحوثين (53%) أن العمل يسبب لهم حالة كبيرة من الإنهاك والتعب.
ووجد استطلاع للرأي أجرته «جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية»، أن «الإرهاق والاحتراق الوظيفي» هو أحد أهم أسباب استقالة الكثير من الموظفين.
ويقول موقع «بينزنس إنسايدر» الأمريكي، إن السبب الرئيسي وراء الوصول لمرحلة «الاحتراق الوظيفي»، هو الاختلال بين المدخلات والمخرجات، أي أن الفرد يعطي لعمله أكثر مما يأخذه منه، ويهمل حياته الشخصية.
-المشاكل الصحية:
إذا كنت تعاني من آلام الظهر، أو من الاكتئاب، أو أمراض القلب، أو السمنة، أو كنت تمرض كثيرًا بشكل عام، فعليك أن تسأل نفسك عن الدور الذي يلعبه عملك في ذلك.. وعليك أن تعرف كيف يؤثر الإرهاق على صحتك، وما إذا كان نهجك في إنجاز العمل يستحق تلك العواقب.
-صعوبات الإدراك:
إذا لاحظت أنك ترتكب أخطاءً ساذجة، وتنسى الأشياء المهمة، وتبدي انفعالات متطرفة، أو تتخذ قرارات تندم عليها لاحقا، فمن المرجح أنك تعاني «احتراقًا وظيفيًا».
-صعوبات في العمل والعلاقات الشخصية:
الإجهاد والتوتر يتركان آثارهما على كل ما تفعله، لا سيما كيفية التفاعل مع الناس. فحتى إن كان الفرد قادرا على ضبط انفعالاته أثناء ساعات العمل، فإنه يكشف عن الوجه القبيح في المنزل، ما قد يؤثر سلبًا على علاقاته الأسرية.
فالإجهاد يدفعنا إلى اعتماد سلوكيات غير مرغوبة، مثل التصرف بتهور، والتورط في مشكلات سخيفة ولا داعي لها، فيما يفضل البعض الآخر الانطواء والهروب من المسؤوليات.
-مواصلة العمل في المنزل:
البعض يواصل إنجاز مهام العمل في المنزل أو على الأقل يظل يفكر في المهام المطلوبة منه وكيفية أداءها على أكمل وجه دون الوقوع في أي أخطاء.. وإذا كنت من بين هؤلاء، خذ حذرك، لأنها علامة قوية على «الاحتراق الوظيفي».
-التعب:
يمكنك التأكد من وصولك لهذه المرحلة إذا كنت تشعر بالإرهاق والتعب عند الاستيقاظ رغم نومك لساعات كافية، أو كنت تشرب كميات كبيرة من الكافيين لتحصل على النشاط المرغوب، أو كانت لديك مشكلة في البقاء متيقظًا في العمل.
-السلبية:
«الاحتراق الوظيفي» يحولك إلى شخص سلبي للغاية، حتى لو كنت إيجابيا في العادة. فإذا لاحظت أنك دائم التركيز على الجوانب السلبية لأي موقف، أو تطلق الأحكام على الآخرين وتسخر منهم، اعرف أن السلبية قد تمكنت منك ولا بد لها من علاج فوري.
-انخفاض معدل الرضا:
غالبا ما يؤدي الإرهاق والتشبع من العمل إلى الشعور بعدم الرضا، وهو ما ينعكس سلبًا بدوره على أداء المهام، إذ يشعر الفرد بصعوبة إنجاز العمل، وعدم الرضا الدائم عن أدائه أو العائد من العمل.
-فقدان الدافع لمواصلة الإنتاج:
غالبا ما يشعر الفرد بسعادة ورضا عندما يلتحق بوظيفة جديدة، ويكون لديه دافع قوي لإثبات نفسه، لكن هذا الدافع يتلاشى مع الدخول في مرحلة «الاحتراق الوظيفي»، حتى وإن كان الفرد قادرا على إنجاز المهام المطلوبة منه. وأحيانا تتحول الدوافع إلى الجهة السلبية، مثل الخوف من الرؤساء أو التعرض للفصل أو الإخلال بالمواعيد المحددة.
-مشكلات في الأداء:
المتفوقون هم أكثر الناس عرضة للوصول إلى «الاحتراق الوظيفي» لحرصهم على إنجاز أعمالهم على أكمل وجه، لكن الإجهاد المستمر يقلل معدل الأداء، فعليك أن تراقب الأمر، وتنظر للخلف وتقيم أداءك منذ أسبوع، أو شهر، أو سنة، وإذا لاحظت تراجعًا في الأداء، فمن المرجح أن يكون السبب هو التشبع من العمل.
-إهمال الذات:
الإجهاد يسلبك القدرة على الاهتمام بالذات وضبط النفس، كما يهدد قدرتك على اتخاذ القرارات السليمة في حياتك، ويرجع الأمر جزئيا إلى انخفاض مستويات الثقة والتحفيز.
العلاج والوقاية
لتجنب الوصول لهذه المرحلة من الإرهاق، ينبغي الانفصال عن العمل ومشاكله في أوقات محددة يوميا للمساهمة في استعادة النشاط وتجديد الدافع للعمل، وأيضا تحديد أوقات معينة لمتابعة وسائل التواصل الإلكترونية، مثل البريد الإلكتروني.
ويوصي الخبراء أيضا بالانتباه لأية أعراض مرضية جسدية أو نفسية جديدة، مثل الصداع الدائم أو ألم القولون، ومدى ارتباط الأمر بالإجهاد وكثرة العمل.
ومن الممكن مقاومة «الاحتراق الوظيفي» أيضا من خلال إجراءات مثل:
-تحديد أوقات للاسترخاء وممارسة أنشطة محببة، والتخلي عن الأقراص المنومة، وتنظيم الوقت لتحقيق أقصى استفادة منه دون معاناة من الإجهاد، وأخذ أوقات للراحة وسط يوم العمل، ولو لدقائق بسيطة، والابتعاد عن الأشخاص السلبيين أو المحبطين.