شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

حرب القفطان التي لن تقع

يسرا طارق

مقالات ذات صلة

 

وَلّدت العولمة الكاسحة، لدى كثير من الشعوب، مشاعر الخوف من ذوبان خصوصياتها وتقاليدها وأعرافها، بل انقراضها أمام أنماط من العيش والاستهلاك تمجد السلعة والمال والمظهر، وتعيش في عالم الافتراض أكثر مما تعيش في عالم الواقع. وهكذا بدأ الحديث، منذ سنوات، عن حماية الخصوصية الثقافية واستثناء الثقافة في اتفاقيات التبادل التجاري الحر، وصار كثير من المثقفين ينتبهون إلى أن الثقافة، بما هي حمالة تجليات الوجود البشري وما حققه من منجزات وتراكمات عبر الزمن، هي الحصن الأخير الذي بإمكانه أن يحفظ للإنسان حقه في الاختلاف والخصوصية والأصالة.

في هذا الإطار، سرت في أوصال منظمة «اليونسكو» حيوية رغبات الدول في تسجيل تراثها للحفاظ عليه أولا، ولتثمينه ثانيا ولصيانته كملكية خاصة، ثالثا، تحفظه من محاولات الاستيلاء والتبني. فالتراث لم يعد شيئًا ميتًا نلقي عليه، من حين إلى حين، نظرة في المتاحف والكتب المصورة والبرامج المتلفزة، بل صار رأس مال رمزيا يمكن خلق آليات ترويجية وتسويقية من حوله، وجعله إحدى رافعات التنمية، خصوصًا في المناطق الوعرة والمعزولة التي لا تملك ما تقدمه للغير سوى عراقتها.

قد يتفهم المرء، في هذا السياق، رغبة بعض الدول، التي لها أعطاب مزمنة في علاقتها بهويتها، أن تعمل جاهدة على اصطناع تاريخ ثقافي وحضاري متميز لها، والسطو على ما يملكه الغير والقيام بالتحايل والتدليس لضم مكونات تراثية أصيلة لتراثها اللقيط الذي اشترك فيه آباء متعددون وأخرجته إلى الوجود عدة قابلات.

لن تقع حرب القفطان التي يحاول البعض إيقاظ نارها، لأن القفطان مغربي منذ قرون، يشهد على ذلك الرحالة والقناصلة والسفراء، وتشهد على ذلك الكثير من قصائد شعر الملحون، كما تشهد على ذلك أوصاف المدن، خصوصًا مدينة فاس التي كانت، في مرحلة تاريخية معينة، من أهم المدن الصناعية في العالم في مجال النسيج بالأساس، ومن فاس تحديدًا خرج القفطان بأشكاله الباذخة إلى العالم، وانتشر في تراب الإمبراطورية الشريفة، بما فيها مدينة تلمسان، وصارت كل منطقة تمنح بعض خصوصيتها لتطريز القفطان أو لشكله.

لن يحارب المغرب أحدًا لتملك قفطانه، فبالاضافة إلى سلطة التاريخ وتراكم قرون من الصنعة والحذق والرهافة في إعداده، هناك سلطة الإجماع العالمي على نسبه القفطان للمغرب، يكفي أن تُري أحدًا، ومن أي مكان في العالم، بمن فيهم الجزائريون، قفطانا ليقول لك: هذا مغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى