تتنافس الدول عالميا، في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الاقتصادية والإدارية، بهدف زيادة كفاءتها وإنتاجيتها. ويبدو أن العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر تسعى إلى التنافس في هذا المجال.
على الرغم من أن تطبيق «شات جي. بي. تي.» حاز على اهتمام الرأي العام في الشهور الأخيرة، إلا أن هذا التطبيق ليس سوى خطوة، في مجرى التقدم المتواصل الذي حققته تقنيات الذكاء الاصطناعي، في جميع المجالات العلمية والاقتصادية خلال السنوات الأخيرة.
يهدف مفهوم الذكاء الاصطناعي إلى إعطاء الآلات والبرامج، القدرة على محاكاة بعض المهارات العقلية البشرية، مثل التعلم والتحليل والاستدلال والاستنتاج، اعتمادا على قواعد البيانات الكبيرة. وفقا للتوقعات، مع استمرار التقدم في هذا المجال تشير الدراسات إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستساهم في النهوض بعدد من القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الطب وصناعة الأدوية والتعليم والصناعات الأخرى. وتتوقع مراكز الأبحاث أن يكون العام المقبل عاما مفصليا في توسع شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور والفيديوهات والنصوص، وتوجيهها إلى المستخدمين بشكل أكثر دقة.
بشكل عام، يتوقع أن يغير الذكاء الاصطناعي بشكل جذري شكل وإنتاجية القطاعات الاقتصادية في المستقبل، وما زالت الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم تستثمر بشكل كبير في هذا المجال. في الوقت نفسه، يتزايد الاهتمام من قبل بعض الحكومات العربية.
تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي اهتماما في الشرق الأوسط، حيث تستثمر الحكومات الخليجية بكثافة في هذه التكنولوجيا، لدفع التنمية الاقتصادية وتحديث القطاع العام.
في السعودية، أطلقت الحكومة مبادرة رؤية 2030، والتي تهدف إلى تحويل البلاد إلى قوة استثمارية عالمية، ومحور يربط بين ثلاث قارات. تتمثل إحدى الركائز الأساسية لهذه الرؤية، في تطوير اقتصاد رقمي نابض بالحياة. لتحقيق ذلك، استثمرت الحكومة بكثافة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف إنشاء نظام بيئي رقمي مزدهر، يجذب المستثمرين المحليين والأجانب.
وبالمثل، خطت دولة الإمارات خطوات كبيرة في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في اقتصادها. في عام 2017، أطلقت الحكومة استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى جعل دولة الإمارات رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031. وتتضمن الاستراتيجية مبادرات، مثل إنشاء مختبر للذكاء الاصطناعي، وإنشاء مجلس للذكاء الاصطناعي، وإدخال منهج الذكاء الاصطناعي في المدارس والجامعات.
كما كان لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، تأثير عميق على الإدارة العامة في كل من السعودية والإمارات. في السعودية، نفذت الحكومة عدة مبادرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تهدف إلى تحسين الخدمات العامة. على سبيل المثال، قدمت وزارة الصحة روبوت محادثة يقدم المشورة والدعم في مجال الرعاية الصحية للمستخدمين. وبالمثل، أطلقت وزارة العدل منصة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعمل على أتمتة بعض الإجراءات القانونية، مما يقلل من الوقت والتكلفة المرتبطة بالإجراءات القانونية.
في الإمارات العربية المتحدة، تبنت الحكومة أيضا الخدمات العامة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، قامت هيئة كهرباء ومياه دبي بتطبيق روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي يوفر دعما للعملاء على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع. بالإضافة إلى ذلك، أدخلت شرطة دبي نظاما للتنبؤ بالجرائم يستخدم الذكاء الاصطناعي، لتحديد النشاط الإجرامي المحتمل، قبل حدوثه.
ومع ذلك، في حين أن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي يقدم العديد من الفوائد، فإنه يثير أيضا مخاوف بشأن استبدال الوظائف والاعتبارات الأخلاقية. نظرا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر اندماجا في مختلف القطاعات الاقتصادية، فهناك خطر من أن بعض الوظائف قد تصبح زائدة عن الحاجة أو عفا عليها الزمن. بالإضافة إلى ذلك، يثير استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في صنع القرار، أسئلة حول التحيز والتمييز.
لمعالجة هذه المخاوف، وضعت كل من السعودية والإمارات أطرا تنظيمية تحكم تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي. في السعودية، وضع مركز المعلومات الوطني مجموعة من المبادئ التوجيهية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى ضمان استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لصالح المجتمع وبطريقة مسؤولة. وبالمثل، أنشأت دولة الإمارات لجنة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الإماراتية، وهي مكلفة بوضع المبادئ التوجيهية الأخلاقية، لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مؤسسات الدولة.
أحد أكبر العوائق التي تحول دون تبني الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، هو الافتقار إلى مهارات الذكاء الاصطناعي المحلية. لذلك يفكرون في الاستثمار في الرأسمال البشري وفي التدريب المهني لتلبية احتياجات السوق. كما أنهم يواجهون مخاوف كبيرة بشأن خصوصية البيانات، حيث ما زالت قوانين حماية البيانات الشخصية جديدة نسبيا على عادات المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مسألة التقبل الاجتماعي لمثل هذا النوع من الصناعات الرقمية المعقدة. غالبا ما يخشى الشباب في دول الخليج من أن يؤدي تبني الذكاء الاصطناعي إلى زيادة البطالة عن طريق استبدال الوظائف التقليدية. لذلك يتبين أن الحكومات تعمل بجدية لزيادة الوعي بفوائد الذكاء الاصطناعي، وتخفيف المخاوف المتعلقة باعتماده.
جمال أكاديري