تأملات قرآنية :سورة الأنعام (2)
13- قال الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ))[سورة الأنعام:74]، ذكر اسم آزر بعد اسم الأبوة لبيان أن آزر ليس والد إبراهيم (عليه السلام) وإنما هو عمه، واسم الأب يطلق أيضا على العم، ومما يدل على ذلك دعاء إبراهيم ربه في قوله تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)))[سورة إبراهيم:41]، فهنا قال: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ))، مما يفيد أن والدي إبراهيم (عليه السلام) كانا مؤمنين حيث عطف بكلمة المؤمنين، في حين لم يقبل الله من إبراهيم استغفاره لأبيه آزر في آية أخرى إذ قال تعالى: ((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ))[سورة التوبة:114].
14- قال الله تعالى: ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85)وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)))[سورة الأنعام:84-90]، بيان لمعنى قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)))[سورة الأنعام:33-34]، اصطفاهم للنبوة والرسالة.
15- قال الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)))[سورة الأنعام:95-96]، قوله تعالى: ((((إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ))، وقوله تعالى: ((فَالِقُ الْإِصْبَاحِ)) تفسير لقوله تعالى: ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ))[سورة الفلق:1].
والحَب والنوى ميتة تنفلق فيخرج منها الحي وهو الزرع والشجر والثمار.
16- قال الله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ))[سورة الأنعام:98]، قوله تعالى: ((مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)) كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً))[سورة النساء:1]، وقوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا))[سورة الأعراف:189]، فالنفس كيان مستقل، هي منبع جميع الأنفس، خلق منها آدم وحواء كما خلقا من طين، وهي مصدر الحياة، والنفس غير الروح بخلاف من جعلهما شيئا واحدا.
17- قال الله تعالى: ((لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))[سورة الأنعام:103]، الأبصار هنا معناها أبصار القلوب والعقول، أو مدارك القلوب والعقول، بالمعنى الأعم، وهي مشتملة أيضا على أبصار الأعين، وهذه أيضا مستحيل إدراكها في حقه تعالى كما قال سبحانه لموسى عندما طلب رؤيته: ((قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي))[سورة الأعراف:143]، ومما يبين أن معنى الأبصار هو الإدراك القلبي والعقلي؛ وأنه أعم من أبصار الأعين هو سياق الآية، فقد جاء بعدها قوله تعالى: ((قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ))[سورة الأنعام:104]، والبصائر جمع بصيرة وهي رؤية القلب والعقل، كما قال تعالى: ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))[سورة الحج:46]، فالإبصار إبصار القلب والعقل، والعمى عمى القلب والعقل.
وفي نفس سياق الآية أيضا، يقول تعالى: ((وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ))[سورة الأنعام:110]، فقد منع الإيمان عن أفئدتهم وأبصارهم والإيمان مسألة قلبية لا عينية فتبين أن المقصود بالأبصار هو رؤية الأفئدة وهي القلوب، وأبصار الأعين تابعة لها، مما يفسر لنا معنى قوله تعالى: ((لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)).
وفي نفس سياق الآية أيضا، يقول تعالى: ((وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ))[سورة الأنعام:110]، فقد منع الإيمان عن أفئدتهم وأبصارهم والإيمان مسألة قلبية لا عينية فتبين أن المقصود بالأبصار هو رؤية الفؤاد وهو القلب، مما يفسر لنا معنى قوله تعالى: ((لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)) أي مدارك القلوب والعقول.
18- قال الله تعالى: ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا))[سورة الأنعام:112]، يوحي بعضهم إلى بعض قولا جميلا في ظاهره سقيما في باطنه، جميل المبنى، سقيم المعنى، بلا دليل ولا برهان، غير مستفاد من علم ولا شرع بل من وحي الخواطر النفسية، فيغتر بعضهم بأقوال بعض.
زخرف القول هو أغلب الكلام الرائج اليوم في الكتب والخطب ومنابر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والحديث اليومي بين الناس، والغرض منه هو التضليل والغواية، وتحريف الدعوة، وثني المؤمنين عن اتباع الصراط المستقيم.
19- قال الله تعالى: ((وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ))[سورة الأنعام:113]، يصغون إلى وحي شياطين الإنس والجن ويغتروا به، بينما هم يعرضون عن وحي الله، ويقولون كما أخبر الله تعالى عنهم: ((وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ))[سورة فصلت:5]، فكم من حواجز وضعوا بينهم وبين وحي الله، بينما يصغون بقلوبهم إلى وحي شياطين الإنس والجن ويرضونه.