الوردي في كتابه «وعاظ السلاطين»
خالص جلبي
علي الوردي، كاتب عراقي ولم يكتب الكثير، ولكنه مدرسة وتقرأ كتبه كما تؤكل الفاكهة المغربية. سوف أحاول نقل بعض أفكاره في مقالات، والآن بين يدي كتابه بعنوان «وعاظ السلاطين». والرجل بعض أفكاره صادمة، وعلى من يريد قراءة أفكاره أن يقرأها بهدوء وتحمل. فهو حين يتحدث عن أهل العراق، يقول إن شخصية الإنسان العراقي فيها ثلاثة أمراض من النشاز والصراع والتضارب بين البداوة والحضارة، فالعراق بلد حضارة، ولكنه متصل بالصحراء فتأتيه جيوش الفاتحين من البدو دوما. لنقرأ بعضا من أفكاره رحمه الله.
ـ يتحدث عن العراق فيقول (ص 61): إنه طريق الفاتحين ولم يبق في هذا البلد على مرور الأجيال إلا من كان منافقا أو مزدوجا يحترم ولا يحب ويحب من لا يحترم (ولكن هل العراق وحيد في هذا؟).
ـ يتحدث عن الرشيد ويحيى بن عبد الله العلوي، كيف كتب له كتاب أمان ثم نقضه (ص 49)، ولكن هل الرشيد الوحيد في هذا، أم هي سنة الحكام؟ راجع كتاب «الأمير» لمكيافيلي أو «القوة» لروبرت غرين.
ـ يتكلم عن منطق التناقض أن كل أمر يحمل في صميمه نقيضه، فلا ينمو إلا وينمو معه نقيضه (يحطم أحد قوانين المنطق).
ـ يتحدث عن الصحابة الذين سكنوا العراق كانوا 148 والتابعين 850، وهذا سوف يحمل إلى العراق مشكلة الضمير والسياسة.
ـ يتحدث عن عقلية العربي والغزو والظلم ويستشهد بشعر القطامي، وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا. (والإسلام جاء ليبني عقلية الأمة الواحدة ومحو القبيلة).
ـ يرى أن أهل الشام في نظره هم الوحيدون بين أهل الأمصار الإسلامية في خلو نفوسهم من الصراع النفسي (قد يكون خلف هذا وحدة الجيش الأموي، وتفرق أتباع علي بين شيعة وخوارج الخ..).
ـ يتساءل هل أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق، كما وصفهم الحجاج، وسوء الأخلاق، أم خلفه تشظي نفسي؟
ـ تعليل الجاحظ لصفة أهل العراق بأنهم أهل شقاق لبعد النظر، وأهل الشام أهل بلادة وتقليد، ولكنه زاد المشكلة تعقيدا ولم يأت بحل.
ـ في نظر الوردي أنهم أهل فطنة وأهل شقاق في الوقت نفسه.
ـ إن جمع الدين والدولة مستحيل بسبب اختلاف الطبيعة إن حصل فمؤقت ولابد أن ينهار؛ فالدولة تقوم على الإكراه والاستغلال والقهر والتسلط، والدين على العدل والرحمة والمساواة. والدين والدولة في جهاز واحد مثل جمع الماء والنار.
ـ الخليفة الأموي قانونه الصحراء فالحلال ما حل باليد، والخليفة العباسي إذا وعظ الواعظ بكى وإذا جاءت السياسة طغى.
ـ ينقل لنا قصة الواعظ والذئب، فلما أكثر وأطال الوعظ قال له: خفف واختصر فإن هناك قطيعا من الأغنام أخشى أن يفوتني.
ـ وعظ الفضيل بن عياض الرشيد وقبض ألف دينار، ووعظه ابن السماك فأغمي عليه ثلاث مرات.
ـ طرب الرشيد في ليلة فأنفق 6 ملايين درهم، وأطربه مطرب فعينه واليا على مصر وكانوا محظوظين بلطفه.
ـ أمير المؤمنين وأمير الكافرين لم يختلفا بشيء، فإن الخليفة يعبد الله وينهب عباد الله، أي وهاب نهاب (حسب وجهة النظر حتى تعدلت بالملكيات الدستورية وتغير القرن، ولكن عندنا نشأت الجملوكيات).
ـ وصف أبو يوسف للحياة في كتابه «الخراج» (التعديل المالي)، وهو كتاب أنهى الفصام بين الفقيه والخليفة.
ـ أهدى الأمين ـ وكان يتغزل بالغلمان ـ أحد المغنين عشرين مليون درهم، ثم كرر العطاء (العقد الفريد) وهي سجل فضائح كما نرى.
ـ مقارنة بين ما كانت عليه حال المؤمنين، وحال أمير المؤمنين من بذخ وشهوة خبيثة (العقد الفريد).
ـ وصف ابن جبير لأهل بغداد أنهم من ألعن الناس مع وجود الوعاظ، ويشهد فيهم أنهم في مجالس الوعظ يشهقون ويغمى عليهم وفي السوق يغشون (ص 44).
ـ فك الصراع النفسي فأصبح للناس قلبان، واحد للموعظة والثاني لرنين النهود والنقود (ص 45).
قصة نظام الملك مع الملك السلجوقي، ملك شاه، جيش للعربدة وجيش للطاعة. وكلما كان الظلم الاجتماعي أشد زادت حركة بناء المساجد والتكايا والزوايا وتشجيع الوعظ (ص 48).
ـ سؤال محرج أيهما أخير المسلم الظالم أم الكافر العادل (ص 48).
ـ وصف الشعراء للخلفاء الراشدين بالرسل، والمعز الفاطمي بالواحد القهار والمتوكل بظل الله الممدود (ص 51).
ـ دعاء الرشيد لطبيب مسيحي في الحج جبريل بن بختيشوع، قياسا على المنطق الصوري صلاح بدن الخليفة بيد الطبيب المسيحي، وصلاح المسلمين بصلاح الخليفة تعطينا صلاحهم، إذن متوقف على طول عمر الطبيب المسيحي (ص 52).
ـ الرشيد يشتري جارية بمائة ألف دينار ويسفك دما بدون سبب وينقض عهدا كتبه بنفسه (ص 53).
ـ قتل الهادي رجلا ثم صلبه، لأنه قال إن المسلمين يشبهون في الحج بقرا تدوس في بيدر، وكان بصدد وضع خطة جهنمية لإنهاء الزنادقة (ص 54).
ـ نحن على عقيدة اليزيديين فهم قالوا: الله كريم متسامح، والشيطان خبيث، فعبدوه دفعا لضره (64).
ـ المجتمع المزدوج يقل فيه ظهور الزعامات (ص 58).
ـ دراسة حياة الصحابة دراسة موضوعية، تظهر أنهم بشر ممن خلق يتحاسدون ويطلبون الشهرة كما يطلبها كاتب هذه السطور ـ الوردي (ص 59).
ـ لقد خلقوا الصحابة بدون عيوب، مثل التمثال الذي يخلقه الفنان فوضعونا أمام غاية لا تنال (ص 60).
ـ يظهر الزعماء الأقوياء في البلاد التي فيها نزعة التقدير قوية، وعندنا لا يظهرون إلا بعد الموت فإن ذكروا فليس فيهم عيوب (ص 60).
ـ قانون المهابة والمحبة عند مكيافيلي، ويقول الوردي ومن يقرأ هذا المكيافيلي فكأنه يقرأ أخلاق أهل العراق (ص 60).
ـ نحن في أعماقنا بدو نحتقر الضعيف ونحترم القوي.