شوف تشوف

شوف تشوف

The revenant

دخول ترامب المستشفى والطريقة التي غادره بها، مشيته الواثقة وهو يصعد المروحية الرئاسية، حديثه عن العلاج الذي تناوله والذي أحدث معجزة لديه، دخوله البيت الأبيض ونزعه للكمامة ومطالبته الجميع بعدم الخوف من الفيروس، كلها أشياء تدخل في إطار تحويل عارض صحي للرئيس إلى انتصار إعجازي على خصم يحصد أرواح الناس في العالم منذ سبعة أشهر.
صورة المنتصر، المخلص، المنقذ من الفيروس، الرجل الذي قبل أن تجرب فيه تركيبة دواء لم تمنح سوى لعشرة أشخاص في كل أمريكا، هي الصورة التي يحتاجها ترامب لإنقاذ حملته الانتخابية المتعثرة.
الأمريكيون يحبون المنتصرين، لذلك صوتوا على ممثل كان يقتل الهنود الحمر في أفلام الويستيرن اسمه رونالد ريغان لكي يكون رئيسًا عليهم، وصوتوا على ممثل مفتول العضلات جسد شخصية كونان المتوحش اسمه شوارزينيغير لكي يكون حاكما على ولاية كاليفورنيا.
ذلك أن المستقبل السياسي الأمريكي يصنع في هوليود، وهوليود اليوم منقسمة بين بايدن وترامب، فالجناح الاشتراكي يميل نحو بايدن فيما الجناح الرأسمالي يميل نحو ترامب، والسبق في الأخير سيكون لمن استطاع أن يهب الجمهور صورة البطل المغوار على شاكلة the revenant الذي أبدع فيه دي كابريو دور المستكشف الذي تركه أصحابه شبه ميت بعدما هاجمه دب، فاستطاع أن يجتاز مفازات مريعة قبل أن يصل إلى السلام الداخلي.
صورة ترامب وهو يدخل المستشفى لثلاثة أيام بعد إصابته بفيروس لا يتساهل مع من هم في مثل سنه ويغادره سائرًا على قدميه تحاكي صورة دي كابريو وهو يسير فوق الثلج بعدما أفلت من براثن الدب القطبي.
ولذلك خاطب الأمريكيين ونصحهم بعدم الخوف من الفيروس وأن يستعيدوا حياتهم العادية، كأنما يعدهم ويعد العالم معهم بتلقي خبر إطلاق اللقاح المنتظر الذي سيخلص العالم من الخوف الذي زرعه الفيروس في النفوس.
وإذا كان كثير من المغاربة من مؤيدي حمار الحزب الديمقراطي، لأسباب عاطفية تتعلق بوهم كون بعض رموز هذا الحزب أصدقاء للمغرب لمجرد أن هيلاري وابنتها لبستا القفطان المغربي ذات وقت أو لأن زوجها بيل مدين لطبيبه الجراح المغربي بحياته لكونه هو من أجرى له العملية على القلب، فقليل من المغاربة يتذكرون أن ترامب صديق قديم للراحل الحسن الثاني حيث كان يستقبله بفندقه بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن المغرب تعرض للعديد من التحرشات من طرف الديمقراطيين، وعلى رأسهم كينيدي وأوباما وهيلاري نفسها التي استبقت الانتخابات التشريعية بالمغرب وعبرت في شبه تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب عن أملها في فوز بنكيران وحزبه العدالة والتنمية.
والمغرب يجب أن يتعلم الدرس وأن يترك نفسه بعيدا عن الصراعات السياسية الداخلية للدول التي تربطه بها علاقة.
فالدعم العاطفي لهيلاري والمراهنة عليها اتضح أنه لم يكن في محله، مثلما اتضح أن دعمنا لساركوزي انقلب علينا “بومزوي” عندما نجح هولاند، والشيء نفسه وقع لنا عندما دعمنا جيسكار ديستان على عهد البصري، ففاز فرانسوا ميتران و”دوز” على نظام الحسن الثاني عشر سنوات من العذاب الأليم.
لقد كان الحزب الديمقراطي الأمريكي دوما ميالا إلى الضغط على المغرب بالورقة الحقوقية لدعم مواليه بالمغرب، سواء كأحزاب سياسية أو جمعيات للمجتمع المدني ومراكز بحث عبارة عن شركات يقودها تجار تقارير يلهثون خلف التمويلات الأمريكية. أشهرهم المعطي منجب الذي ظل يحظى بدعم إدارة أوباما وظل يتوصل بتمويلات للبرامج التي تنظمها شركته والتي كانت تخطط عبر برنامج “سطوري مايكر”، أو “صناعة القصص”، لجيش من النشطاء مدربين على صناعة القصص وترويجها على منصات التواصل الاجتماعي بهدف واحد هو خلق الأجواء المناسبة للقوى الخارجية لكي تضغط على الدولة المغربية بهذه القصص..
الفرق بين ترامب ومنافسيه أنه لا يدعي الطهرانية، فجده راكم ثروة من بيوت الدعارة التي فتحها في مناطق البحث عن الذهب بداية القرن الماضي، فيما راكم والده هو ثروة من كازينوهات القمار.
وبما أن الانتخابات في أمريكا هي قضية مال فقد استطاع ترامب أن يمول حملته الانتخابية الأولى من جيبه دون حاجة إلى ممولين. عكس هيلاري التي اعتمدت على اللوبيات من كل نوع وصنف لتمويل حملتها.
وبالنهاية فأمريكا العميقة، والسمينة، الجالسة في البارات الشعبية ومطاعم الفاست فود تمردت على أمريكا الإستبليشمنت والإنتلجنسيا وذوي الياقات البيضاء القابعين في مكاتب البورصات وبلاطوهات البرامج التلفزيونية النخبوية.
هيلاري وبايدن كان في صفهما جميع أطياف الصحافة التي تعرضت لشماتة ترامب بدون استثناء والذي ظل منسجما مع نفسه ولم يذكر طيلة حملته كلمة ديمقراطية، وظل بالمقابل يردد كلمتي القوة والسيادة.
مما يعني أن دونالد ترامب سيستمر في تطبيق شعار الرئيس الأسبق بيل كلينتون “إنه الاقتصاد يا غبي”، بحيث سيستمر في دعم الصناعات الملوثة لمنافسة الصين والرفع من النمو، وليذهب المناخ واتفاقياته إلى الجحيم، فمشروع ترامب هو تحقيق النمو وذلك لن يتأتى سوى بتشجيع الصناعة وفتح أسواق جديدة في وجه السلع الأمريكية، سواء “بالخاطر أو بزز”.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى