يبدو أن إدارة الجمارك المغربية لم تنتبه إلى أنها تضع العصا في العجلة، حين أعلنت أن مداخيلها بلغت 111,2 مليار درهم برسم سنة 2021، وهو أعلى رقم تحققه على الإطلاق، ومثلت الضريبة على القيمة المضافة 58 في المائة من إجمالي المداخيل الجمركية، ونعلم جميعاً أن هذه الزيادة في الأسعار سيدفعها المواطن المغلوب على أمره، ذلك المواطن الذي لم يتعاف بعد من جراح هذه السنوات العجاف.. فما معنى أن يتضاعف ثمن المواد المستوردة من الخارج، ومن الصين تحديدا؟!
حين تسأل الموزع، أو من يزودك بتلك السلع عن سبب هذا السعار، يرمي الكرة في مرمى (الديوانة). هذه الأمور عاشها التجار الصغار، بعد كورونا مباشرة، إذ بسبب ندرة بعض المواد ارتفع ثمنها بشكل خرافي، لا سيما وأن الصين بمثابة مصنع عالمي يزود كل دول العالم باحتياجاتها، والغريب في الأمر أن الزيادات في بعض السلع التافهة كانت تتناسل، كل شهر تقريباً، بسبب ندرة تلك المواد وغلاء أسعار المواد الأولية التي تصنع منها كالحديد مثلا، ولارتفاع الطلب. هذه أشياء كابدناها كتجار صغار، خلال ثلاث سنوات في صمت وبلا شكوى، وهو ما انعكس سلبا على تجارة الكثيرين؛ هناك من اضطر إلى إغلاق محله، كإشهار إفلاس غير معلن، ثم يأتي شخص آخر ويغير نشاط ذلك المحل، وبعد شهرين أو ثلاثة، يغلق بدوره المحل ويسلم المفاتيح لصاحبه، لأنه لا يمكن أن يزاول تجارته في شارع مخادع.. من أجل مصاريف الكراء!
هذه أشياء فاتت من يحتج على التاجر، ويفجر غضبه في وجهه، وكأنه المسؤول عن هذه الفضيحة العالمية، وهو لا يدري أن بائع المصابيح زهد في تجارة الصنابير صينية الصنع، لأن ثمنها صار يضاهي المنتوجات الإسبانية، رغم الفرق الشاسع بينهما في الجودة. ولن تعلق قميص هذا الغلاء على مشجب سعار أسعار المحروقات، علما أنها سلسلة من النيران المتناسلة التي تلتهم الأخضر واليابس.
هل يمكن أن نتحدث عن عدالة جبائية في وطن يلتهم أبناءه مثل قطة، وطن يكرم «الشيخات» وينبذ فنانيه ومبدعيه؟! لماذا لا تطال يد مديرية الضرائب تجار المتلاشيات والخردوات، الذين يزاول أغلبهم أنشطتهم، بلا رخصة، بل هناك من يخالف القانون ويزاول عملين في وقت واحد.. يبدو أن «القش» صار هواية المغاربة في زمن الخردوات البشرية!
كيف يمكن أن نحقق عدالة اجتماعية، وهناك سماسرة يربحون أموالا طائلة، مثل عاهرات يوتيوب، دون أن يدفعوا درهما واحدا للدولة، لأنهم يزاولون أنشطتهم من المقاهي…؟!
استبشرنا خيراً بتعافي الاقتصاد، بعد كورونا، رغم الجيوب والأيدي المثقوبة، لكننا وجدنا أنفسنا مرة أخرى مقذوفا بنا في دوامة صراع آخر بين قوى عظمى.. صراع يلوح في أفقه شبح العطش.
كنت مسكونا بهذا المواطن المغلوب على أمره، وكنوع من الاحتجاج كنت أرفض السلع مسعورة الثمن. وفي أسى، أرمق الفراغ الذي يتمدد فوق الأرفف.. كنت أمني النفس بأن معجزة ما ستحدث، متسلحا بالصبر والأمل. طالما اختصرت كل طموحاتي في هذه الحياة في الستر وراحة البال.
هل يمكن أن نطرح سؤال: «من أين لك هذا؟» على كل من يزاول أكثر من نشاط تجاري، أو من يستفيد من التقاعد النسبي ويتجه إلى العقار، الذي يمص دماء هذا الشعب الصبور؟
اليوم، أجدني أمام خيارين أحلاهما مر.. طريقان متوازيان نهايتهما معا: الألم.