يحمل السلوك الجنسي القهري مجموعة من الأسماء العلمية الأخرى، منها فرط الرغبة الجنسية وكذلك زيادة النشاط الجنسي، ويمكن أن يسميه البعض، أيضا، الإدمان الجنسي، وهو عبارة عن تعلق الشخص بالتخيلات وظهور سلوكيات جنسية لا يتم التحكم فيها، وهي أشكال من الضغوطات النفسية التي تتسبب في مجموعة من المشاكل، وأهمها مشاكل على الصحة والعلاقات، وهذا يؤثر سلبا على العمل.
من يعانون من السلوك الجنسي القهري هم عادة يمرون أو مروا بالتجارب الجنسية المعروفة، من قبيل العادة السرية، أو مشاهدة الجنس عبر الأنترنيت، أو القيام بعلاقات جنسية مع أشخاص متعددين، أو دفع المال من أجل الاستفادة من العلاقة الجنسية. وتدخل هذه السلوكات ضمن السلوك الجنسي القهري عندما تتحول إلى المحور الرئيسي الذي تدور حوله حياة هذا الشخص، وعندما تصبح ضارة له وللمحيطين به. وهنا تتحول إلى سلوك قهري على غرار باقي السلوكيات الأخرى وقد تتسبب في مشاكل وخيمة، على رأسها تدمير العلاقات الإنسانية وفقدان احترام الذات، لهذا يحتاج هذا السلوك للعلاج.
أهم أعراض المرض
من أهم الأعراض التي تظهر على المريض، والتي يمكن القول من خلالها إن هذا الشخص يعاني من مشكلة السلوك الجنسي القهري، أنه يعاني من تخيلات جنسية، أو من سلوكيات جنسية متكررة ومكثفة غير مقبولة. وعادة ما يشعر الشخص المعني بأنها أمور خارجة عن سيطرته ولا يستطيع التحكم فيها، ويشعر المريض، أيضا، بأنه يقوم بسلوكيات دون الرغبة في ذلك، وبعد القيام بها يتخلص من هذا الشعور إلا أنه سرعان ما يظهر شعور من نوع آخر، وهو الشعور بالذنب الذي يسيطر عليه. وعادة ما يلجأ المريض إلى هذه السلوكيات الجنسية من أجل الهروب من الواقع، ربما للهروب من شعور القلق والخوف والتوتر والاكتئاب الذي يسيطر عليه.
أسباب الإصابة بالسلوك القهري الجنسي
في العادة قد لا يكون سبب الإصابة بالسلوك القهري واضحا، لكنه ربما قد يكون نتيجة مجموعة من العوامل، منها الإصابة بخلل في المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ، والتي تعمل كنواقل عصبية. ومن أهم هذه المواد الكيميائية نجد «السيروتونين» و«الدوبامين»، بالإضافة إلى مادة «النورإبينفرين»، وهي مواد تؤثر بشكل مباشر على الحالة المزاجية للإنسان. وعادة، فإن المستويات العالية من هذه المواد الكيميائية تؤثر على السلوك الجنسي القهري.
هل السلوك الجنسي القهري نوع من أنواع الإدمان؟
هناك الكثير من الأشخاص الذين يعتبرون أن هذا السلوك الجنسي هو نوع من أنواع الإدمان، والذي قد يتسبب، مع مرور الوقت، في تغيرات على مستوى الدوائر العصبية الخاصة بالدماغ، وبالخصوص في مناطق التعزيز المتواجدة بالدماغ. ولأن هذا السلوك الجنسي يعتبر نوعا من أنواع الإدمان، فإن الشخص المعني يجد نفسه دائما في حاجة ماسة إلى الحصول على تحفيز جنسي من أجل الحصول على الراحة والرضا، وفي كل مرة تزداد رغبته وحاجته إلى القيام بتلك السلوكيات الجنسية.
في بعض الحالات قد تؤدي هذه الحالة إلى ظهور أمراض صحية أخرى، من قبيل مرض الصرع مثلا، أو الإصابة بالخرف أو بتلف على مستوى جزء من أجزاء الدماغ، وهي الأجزاء التي تؤثر بشكل مباشر على السلوك الجنسي، بالإضافة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مرض «الباركنسون» عادة ما يتناولون أدوية تحفز ظهور السلوك الجنسي القهري.
أين تكمن خطورة المرض؟
عادة لا يظهر السلوك الجنسي القهري على فئة معينة أو جنس معين، بل يظهر عند النساء والرجال على حد سواء، رغم أنه يظهر بشكل أكبر عند الرجال، ويمكن أن يظهر لدى أي شخص كيفما كان نوع ميولاته الجنسية. ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى تحول هذا السلوك القهري إلى سلوك خطر، أنه يمكن للإنسان، كيفما كان ومهما كانت بيئته أو عمره أو جنسه، أن يصل إلى المحتويات الجنسية بسهولة وبنقرة زر فحسب، بحيث إن وسائل التواصل والأنترنيت سهلت على ملايين من الناس رؤية ما يريدونه والوصول إليه بسهولة، من صور وفيديوهات ومعلومات جنسية. فضلا عن أن تساهل هذه المواقع مع مرتاديها مع منحهم الخصوصية والحرية في التنقل من فيديو لآخر وموقع لآخر، زاد من تعقيد الوضع، ناهيك عن أن هناك عوامل تزيد من الإصابة بهذا السلوك القهري، ومن أهمها أن يكون الشخص متعاطيا للمخدرات، أو مصابا بما يسمى اضطرابات المزاج، والتي تضم الإصابة بالاكتئاب أو القلق، وأيضا الإصابة بالقمار القهري، أو الصراعات العائلية التي قد تجعل الإنسان بعيدا ومنطويا على نفسه، وقد يكون السبب هو الإصابة باعتداء جنسي أو جسدي في وقت من الأوقات.
مضاعفات السلوك القهري الجنسي
ثمة مجموعة من المضاعفات والعواقب للسلوك القهري الجنسي، التي قد لا تؤثر على المريض فحسب بل تؤثر على باقي محيطه من الأصدقاء وأفراد العائلة، بحيث إن المريض عادة ما يصاب بصراع داخلي بين الإحساس بالذنب والخجل، والذي يحدث نتيجة لقيام الشخص بالسلوكيات القهرية التي يعاني منها وفجأة، بعد الانتهاء، يحدث ذلك الشعور بالذنب وعدم الرضا عن نفسه، مع طغيان الشعور بعدم احترام الذات واحتقارها، مع الإصابة ببعض أنواع الأمراض العقلية، من قبيل الرغبة في الانتحار والاكتئاب، والقلق، والشعور بالضيق الشديد، وتبني سلوك جديد مثل الكذب على من حوله، سواء الشريك أو أفراد العائلة، وهو ما ينعكس بشكل جد سلبي على العلاقات الأسرية والعائلية بصفة عامة. ويمكن لهذا الشخص أن يفقد، كذلك، القدرة على التركيز في كل شؤون حياته، ويفقد بالتالي الرغبة في مواصلة الأنشطة التي كان يشارك فيها في السابق، لينصب كل تفكيره حول الأنشطة الجنسية والبحث عن مواضيع جنسية جديدة وفيديوهات جنسية جديدة، والبحث عنها حتى بداخل العمل. علما أنه من الممكن أن ترافق القيام بعلاقات جنسية غير محمية مجموعة من الأمراض، منها التهاب الكبد، أو الإصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة السيدا، وقد يصاب الشخص، أيضا، بمجموعة من الأمراض الجنسية التي تنتقل عن طريق العدوى، وقد يعمل كذلك على أخذ بعض العقاقير أو المواد غير الموصى بها، على غرار العقاقير المنشطة جنسيا، أو إدمان الكحول أو المخدرات من أجل الشعور بالنشوة والنشاط.
تشخيص مرض السلوك الجنسي القهري
عند ظهور كل تلك الأعراض التي تم طرحها سابقا، من الضروري زيارة الطبيب المختص، وهو عادة طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية. ويقوم الطبيب عادة بعمل تقييم نفسي أولي يقوم من خلاله بطرح مجموعة من الأسئلة على المريض، وهي، على العموم، أسئلة تتعلق بالصحة الجسدية والعقلية، بالإضافة إلى بعض الأسئلة المتعلقة بالصحة العاطفية للمريض. ويتم، أيضا، طرح مجموعة من الأسئلة المتعلقة بأفكار وسلوكيات الشخص المريض، بالإضافة إلى طرح عدد من الأسئلة المتعلقة بالرغبات الجنسية التي تنتاب المريض والتي تصعب السيطرة عليها.
وعادة، فإن علاج هذا النوع من الأمراض يتعلق بشكل خاص بالعلاج النفسي، وكذلك بأخذ الأدوية، بالإضافة إلى تقديم المساعدة للمريض. ويهدف العلاج، بدرجة كبيرة، إلى تقديم المساعدة إلى الشخص المريض، ومساعدته بشكل خاص على التخلص من تلك الإلحاحات التي تنتابه وتدفع إلى مشاهدة تلك الأفلام أو القيام بتلك السلوكات. ويمكن أن يتعلق العلاج أيضا بعلاج الأمراض النفسية الأخرى التي تظهر، مثل أمراض الاكتئاب والقلق وغيرها. ولهذا من المهم جدا الاستعانة بطبيب نفسي يقوم بتقييم الحالة، ومن خلال الأعراض التي يعاني منها المريض سيصف العلاج المناسب الذي يختلف من شخص لآخر.