المشروع جاء بتعليمات ملكية بعد «فاجعة طنجة» وخصص له أزيد من 400 مليون درهم
طنجة: محمد أبطاش
سيتعزز قطاع النسيج على مستوى مدينة طنجة بثلاث مناطق صناعية كبرى، موزعة على ثلاث نقاط استراتيجية للاستثمار، حيث جاء المشروع بناء على تعليمات ملكية مستعجلة، قصد إخراج هذا القطاع من دائرة العشوائية وعدم الهيكلة إلى التنظيم المحكم، الذي من شأنه أن يساهم في تطويره وتوفير فرص شغل قارة. وقد خصص لهذا المشروع الملكي الهام، أزيد من 400 مليون درهم بتمويل من عدة شركاء، كما يرتقب أن يخلق أزيد من 20 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر. وضمن هذا الخاص، زارت «الأخبار» مكان إقامة هذه المشاريع، التي تكشف الخريطة الكاملة لها كيف ستنتقل بالقطاع من العشوائية إلى التنظيم المحكم.
من العشوائية إلى الهيكلة
أجمع عدد من المهنيين على أن هذا المشروع الملكي الهام الذي تجري أشغاله بمقاطعة مغوغة، سينتقل بقطاع النسيج بالبوغاز من العشوائية إلى التنظيم، نظرا لكونه أكثر القطاعات غير المنظمة، نظرا لوجود المئات من المعامل والوحدات التي تشتغل سرا، وساهمت بشكل مباشر في فاجعة طنجة خلال فبراير الماضي، هذه الفاجعة التي أظهرت أن القطاع بحاجة إلى الخروج من العشوائية إلى العلن المنظم، وهي الفكرة التي التقطها الملك، موجها تعليماته لمصالح وزارة الداخلية للإشراف الكلي على إخراجها إلى الواقع.
ومنذ مارس المنصرم شرعت ولاية جهة طنجة في توجيه مراسلات إلى المجالس المنتخبة بالمدينة، وعلى رأسها مجلس جهة طنجة والجماعة، لمطالبتها بإدراج مشروع إحداث مناطق صناعية لإيواء الوحدات التي تنشط في القطاع غير المهيكل بمدينة طنجة، ضمن بنود ميزانياتها، إذ على مستوى الجهة رُصد بموجبها غلاف مالي قيمته 320 مليون درهم.
تحسين الظروف الاجتماعية
يهدف هذا المشروع الملكي إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لفاعلي القطاع غير المهيكل، خاصة الوحدات الإنتاجية، التي تنشط بالمناطق السكنية أو داخل محلات غير ملائمة لنشاطهم بعاصمة البوغاز، وإدماجها في القطاع المهيكل مع إعطاء دفعة لإنعاش الاستثمار وخلق فرص جديدة للشغل.
وتشير بعض المعطيات المرتبطة بهذا المشروع إلى أن ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، ووكالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم الشمال، هما الجهتان اللتان عهد إليهما تنفيذ المشروع، قبل تسليمه إلى الهيئات المختصة في قطاع النسيج. وتبلغ الكلفة الإجمالية للمشروع أزيد من 400 مليون درهم، وتساهم في تعبئته أيضا كل من وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة (180 مليون درهم)، وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي (60 مليون درهم)، والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية (30 مليون درهم). ثم شركاء آخرون، منهم مؤسسات منتخبة كغرفة التجارة والخدمات بطنجة. وسيُعهد بتنفيذ المشروع إلى وكالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم الشمال، فوق وعاءين عقاريين تبلغ مساحتهما على التوالي 12.1 هكتارا و14.5 هكتارا، بكل من الطريق الدائري البحرين، والطريق الدائري رقم 9 بمنطقة مغوغة.
الهيكلة والتنمية
تقول بعض المصادر المطلعة على خبايا القطاع إنه لا يمكن الحديث عن قطاع النسيج، دونما العودة إلى بعض الإحصائيات، خصوصا وأن عملية التنظيم ستساهم لا محالة في إعادته إلى سكته الصحيحة، للمساهمة في تنمية البوغاز، سيما وأن إحصائيات نشرتها الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة تكشف أن الشق غير المهيكل من هذا القطاع يشغل أزيد من 185 ألف مستخدم، وبالتالي فهو يؤمن حوالي 27 في المائة من مناصب الشغل الصناعية، كما يساهم القطاع بنسبة 24 في المائة من صادرات السلع المغربية، وما يصل إلى 7 في المائة من القيمة المضافة الصناعية و5 في المائة من الإنتاج الصناعي، ثم 5 في المائة من حجم الرواج التجاري.
مزايا للمستثمرين
إذا كانت هذه المناطق الصناعية تروم تحسين ظروف العاملين بها من جهة، فإن المشروع أيضا يقدم مزايا للمستثمرين، من أجل تشجيع الاستثمار، إذ عملت الدولة على تقديم تحفيزات لفائدة المستثمرين والشركات العاملة في القطاع التي ستنتقل إلى هذه المناطق الصناعية، على مدى سنتين، حيث تكشف المعطيات المتوفرة، أنها ستساهم بنسبة مهمة موجهة لكراء المحلات تصل نسبة التمويل فيها إلى حدود 50 في المائة، بينما ستساهم بنسبة 30 في المائة كتمويل خاص مقدم للعاملين والمستثمرين، لشراء المعدات وغيرها بخصوص انطلاق وحداتهم في ظروف جيدة، خصوصا وأن عددا كبيرا منهم تأثروا بظروف الوباء.
أزمة والخروج إلى الضوء
في ظل جائحة «كورونا» تضاعفت معاناة قطاع النسيج المغربي بسبب الركود الاقتصادي العالمي، وكذا كساد السوق الداخلي، ولهذا السبب فإن الهيكلة الشاملة عبر مناطق صناعية خاصة، ستساهم لا محالة في التخفيف من حدة هذه الأزمة الحالية وغيرها، سيما وأن القطاع تأثر هو الآخر بإجراءات الإغلاق التي فرضتها الجائحة الوبائية. وهكذا تفيد بعض الأرقام الصادرة عن مكتب الصرف، بأن صادرات قطاع صناعة النسيج خسرت 20 في المائة من رقم معاملاتها التصديرية، ولم يتعد حجمها 29.8 مليار درهم بدل 37 مليار درهم في سنة 2019، ما يعني أن هذه الصناعة تكبدت خسارة فاقت 7 ملايير درهم. وعلى الرغم من أن القطاع استفاد أخيرا من نظام حوافز للولوج إلى الأسواق الخارجية، يتضمن مجموعة من التدابير لتشجيع الاستثمار ذات الطبيعة الضريبية والمالية والقانونية والاجتماعية، وشبكة كبيرة من اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي، مما يتيح الوصول إلى سوق يضم أكثر من مليار مستهلك، ومن تشجيعات استثمارية توفرها الدولة، إلا أن القطاع ما زال في حاجة إلى إعادة هيكلة شاملة عبر خطة وطنية واضحة، لتمكين الورشات الشبيهة بمعمل طنجة من الاشتغال وفق القواعد الرسمية في العلن، والخروج من كراجات الظل إلى منطقة الضوء.
وقف التهريب
تكشف المصادر المطلعة على جوانب المشروع أن من شأن هذه المناطق الصناعية أن توقف عمليات التهريب في القطاع، والتي تكبد ميزانية الدولة خسائر كبيرة، خصوصا وأن الجميع لا يزال يتذكر قيام مصالح الجمارك أخيرا بحملة ضد المستودعات السرية للنسيج بعاصمة البوغاز، مما مكن من حجز أزيد من 26 ألف وحدة من الملابس الجاهزة المهربة. كما مكنت العملية الجمركية أيضا من ضبط أزيد من 3,5 أطنان من الأثواب المهربة المعدة على شكل 199 لفافة، وحجز 1,2 طن من البلاستيك الخاص بالتلفيف، و1,3 طن من مخلفات الملابس الجاهزة، مشددة على أن قيمة البضائع المهربة المحجوزة تناهز 1,2 مليون درهم.
وفي وقت وجيز كذلك، سبق أن تم ضبط 28 طنا من الأثواب على شكل لفافات، و4670 وحدة من الملابس الجاهزة المهربة، الخاصة بالنساء والرجال والأطفال، بقيمة إجمالية تصل إلى 2,5 مليون درهم. وستساهم المناطق الصناعية في محاصرة المهربين، مما سيجعل المناطق الصناعية تخضع لضوابط خاصة، على غرار بقية المناطق الصناعية، والتي تشرف عليها جمعيات للمستثمرين، وفق قوانين صارمة بخصوص أي شبهات من هذا القبيل، وهو ما يمكن الدولة من ضرائب مهمة.
+++++
رشيد الورديغي+: «توطين الشركات المهنية سيخلق استقرارا اجتماعيا وتطويرا لسلسلة الإنتاج»
ما رأيكم في هذه البادرة الملكية المتعلقة بخلق ثلاث مناطق صناعية للنسيج بطنجة؟
نسجل في الهيئة المغربية للمقاولات بارتياح كبير، تقدم الخطوات التنفيذية لإتمام مشروع المنطقة الصناعية النموذجية لشركات النسيج والخياطة بمدينة طنجة، والتي من شأنها امتصاص الوحدات التي تشتغل في ظروف تفتقر إلى السلامة المهنية، فضلا عن كونها توجد وسط الأحياء السكنية وفي الكراجات، خلافا لما يجب أن يكون عليه التنظيم الحضري للمدينة.
كما نثمن سرعة تجاوب السلطات الإقليمية بعد التعليمات الملكية السامية، وكذا الجدية اللازمة التي أبان عنها كافة المتدخلين من المصالح الخارجية، الذين ساهموا في إخراج هذا المشروع الاقتصادي إلى حيز الوجود، وذلك بعد فترة قصيرة على وقوع فاجعة المعمل المنكوب شهر فبراير الماضي، إذ نحن الآن في شهر دجنبر، أي بعد 10 أشهر، نسجل تقدم أشغال الإنجاز بنسبة 70 في المائة، حسب المعطيات المتوفرة لدينا.
- ماهي انتظاراتكم من المشروع، وإلى أي حد سيساهم في تطوير قطاع النسيج بعاصمة البوغاز؟
يعلم الجميع أهمية قطاع النسيج في خلق فرص الشغل وامتصاص البطالة في صفوف الفئات النشيطة، ولا شك أن وحدات النسيج المنتشرة في الأحياء والدروب السكنية تعيق تطور قطاع الألبسة، وتتسبب في حالة من الاستغلال عبر المناولة المتعددة، ولا تحقق تكافؤ الفرص بين المتنافسين.
وبالتالي فإن توطين الشركات المهنية، كما جرى الاتفاق في اللقاءات بين السلطات وغرفة التجارة والصناعة والخدمات وباقي الإدارات المتدخلة، سيخلق حالة من الاستقرار الاجتماعي وتطوير سلسلة إنتاج الملابس الجاهزة.
ومن هذا المنطلق، فإن انتظارات المهنيين منذ سنوات هي هيكلة القطاع بما يدفع في اتجاه؛ أولا تجميع المتدخلين في صناعة النسيج بمناطق صناعية متجاورة، لتشكيل سلسلة إنتاج مندمجة (إيكوسيستيم).
ثانيا: ننتظر من مشروع المناطق الصناعية الثلاث لشركات النسيج والألبسة، النهوض بمستوى هذا القطاع وإخراجه من حالة الهشاشة والمنافسة غير الشريفة.
ثالثا: ننتظر إعمال المقاربة التشاركية بين السلطات والجمعيات المهنية، من أجل ضمان مبادئ الحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة، لأن هذه المبادئ الثلاثة تعد مرتكزات أساسية في النماذج الاقتصادية الناجحة عبر العالم. وفي الوقت ذاته ستكون المقاربة التشاركية آلية عملية، لقطع الطريق على المضاربين العقاريين والدخلاء المتطفلين على هذا المجال الصناعي الهام في المنظومة الاقتصادية في بلادنا.
+رئيس الهيئة المغربية للمقاولات وعضو غرفة التجارة والصناعة والخدمات بطنجة