ليست التقديرات العسكرية وحدها هي التي تقنع الجنرال مارك ميلي، رئيس أركان الجيش الأمريكي، بأن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي هذا العام.
مطلوب لهذه الحرب أن تطول، وتطول.. مطلوب لها أن تنتهي بالسلاح الذي تمت تجربته مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.. وهو ما يعني أن العامل الحاسم لإنهاء الحرب في أوكرانيا ليس موجودا في أوكرانيا.
صحيح تماما أن هناك حاجة إلى تدريب أعداد متزايدة من القوات الأوكرانية على استخدام الأسلحة الغربية، ولكن صحيح أيضا أن الجيوش الغربية الحليفة لم تُفِق هذا الصباح على الحاجة إلى أعمال التدريب تلك.. فالحرب مضى عليها نحو عام كامل، ولو أن التدريبات بدأت في وقت مبكر لتوفرت الفرصة للقوات الأوكرانية لإدارة المعركة على نحو أفضل مما تفعل.
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لم يكف عن المطالبة بمزيد من الأسلحة، ولكن بلاده لم تحصل عليها إلا مع مرور الوقت.. لتكتشف أن «الوقت» هو كتيبة الصواريخ والدبابات الأهم بالنسبة لحلفاء أوكرانيا في مواجهة روسيا.
هذا الأمر يطرح إشكالية حقيقية حيال ما إذا كان التحالف الغربي يشتغل وفقا لحسابات موازية لا تتوافق بالضرورة مع الحسابات الأوكرانية ذات الدوافع المتحمسة.
لا شيء يبرر الاعتقاد بأن حلفاء أوكرانيا يسعون إلى خذلانها.. فهذا الاعتقاد لا يتوافق مع واقع أن كل أشكال المساعدات الأخرى يجري تقديمها بالفعل، وهي تُنهك الاقتصادات الأوروبية كلما طالت الحاجة إليها أكثر.
إطالة أمد الحرب قد تعني مزيدا من الاستنزاف للطرف الآخر.. ولكنها تمرين لهذا الطرف على امتصاص الخسائر والتعايش معها بالتدريج.
الضربات الصاروخية الروسية العنيفة خلال الأسابيع الماضية ضد البنية التحتية في أوكرانيا، قدّمت إشارات إلى أن موسكو تسعى إلى حسم الحرب لصالحها بسرعة.. ولكن هذه الإشارات تكفي لإقناع وزراء دفاع الأطلسي بفضائل التباطؤ.
روسيا ترسل أيضا الإشارات على رغبتها في التفاوض، انطلاقا من أنها في موقع المنتصر.. وهذه الإشارات توفر، بدورها، سببا آخر للتباطؤ.. بل إن السماح بسقوط بلدة سوليدار وربما باخموت من بعدها، سوف يبدو وكأنه ذو معنى مختلف في هذا السياق.
والمعنى يكاد يقول إن بوسع روسيا أن تحقق المزيد من الانتصارات الموضعية، ولكن في حرب ستدوم طويلا.
هذه الانتصارات مفيدة من وجهة نظر الناتو.. فهي تمنح موسكو الشعور الذي تحتاج إليه لكي تستمر في تقديم التضحيات، ولكن تمنحها شعورا أهم، هو أنها ليست بحاجة إلى انفعالات قد تدفعها إلى استخدام أسلحة دمار شامل. السؤال سيكون: من أجل ماذا تفعل، إذا كنت منتصرا ومنتشيا بما تكسبه؟
المسألة، بالنسبة لرؤساء أركان التحالف الغربي، هي أنهم أنفسهم لا يريدون حسما سريعا للحرب، بل لا يريدون إنهاءها عن طريق الدبابات الثقيلة.. إنهم يريدون إنهاءها عن طريق الإنهاك واستنزاف الموارد. حرب تدوم لأربع أو خمس سنوات، هي الهدف.
الاقتصاد الروسي شهد العام الماضي انكماشا بمقدار 2.5 بالمئة، حسب تأكيدات الرئيس فلاديمير بوتين.. وحرب تمتد لخمس سنوات أو أكثر سوف تدفع إلى انكماش تراكمي قد يصل إلى 15 بالمئة.. ومع المزيد من القيود والعقوبات، فإن الأضرار يمكن أن تتضاعف.
هذا يعني أن هناك ساحة أخرى للحرب.. ومن المرجح أن تستعر أكثر بتضييق الموارد الروسية، وتقليم أغصان علاقاتها التجارية الخارجية. والصين نفسها ليست بعيدة عن التعرض لضغوط في هذا الاتجاه.. فهذا البلد يراهن في ازدهاره الاقتصادي على التجارة مع الغرب.. وعوائده الأهم تأتي من الولايات المتحدة أصلا.
الفائض التجاري في عام 2021 لصالح الصين بلغ أكثر من 238 مليار دولار.. وفي وقت من الأوقات قد توضع الصين أمام حقيقة تعرفها، إذا ما قيل لها: «إما معنا أو ضدنا».
والمعركة كلما طالت، أظهرت ثمار تقليم الأغصان في «الحرب الموازية» لهذه الحرب.
إنها حرب وُجدت لتكون حربا بلا نصر ولا هزيمة.. حرب بلا مفاوضات ولا حلول سياسية.. حرب غايتها الوحيدة هي أن تكسب المزيد فالمزيد من قذائف الوقت.
الحروب تنتهي على طاولة المفاوضات.. هذه هي القناعة السائدة.. وعلى طاولة المفاوضات يتقرر مَن هو المنتصر ومَن هو المهزوم.. لكن هذه الحرب لن تكون لها مفاوضات مبكرة.. فلا توجد طاولة أصلا.
الإنهاك هو الذي ينهي المعركة.. و«الوقت» هو السلاح.
لسان حال الناتو يكاد يقول: في الطريق إلى مقابلة «جنرال الوقت»، خذْ من الانتصارات ما تشاء.
علي الصراف