بعد أن حسمت، قبل أيام، ملف رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بولاية مراكش- آسفي بإدانته بست سنوات سجنا، أنهت غرفة جرائم الأموال الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، مساء أول أمس الأربعاء، محاكمة أهم مسؤول أطاح به الرقم الأخضر الذي وضعته رئاسة النيابة العامة رهن إشارة المغاربة الذين يتعرضون للابتزاز منذ انطلق العمل به، ويتعلق الأمر بمدير الوكالة الحضرية بمراكش، حيث قضت بإدانته رفقة زوجته ومهندس بعشرين سنة نافذة وغرامات مالية تقدر بمئات الملايين.
وضمن تفاصيل الأحكام التي نطقت بها الهيئة القضائية، في وقت متأخر من ليلة أول أمس الأربعاء، أدانت المسؤول النافذ الذي ترأس العديد من الوكالات الحضرية بالمغرب وكان مرشحا لشغل منصب ترابي رفيع، بعشر سنوات سجنا وغرامة مالية تقدر بمليون درهم، كما وزعت المحكمة عشر سنوات سجنا نافذا وغرامات مالية تقدر بمليوني درهم على زوجته ومهندس، بمعدل خمس سنوات سجنا ومليون درهم لكل واحد منهما، كما قضت الهيئة القضائية بتعويض لفائدة المطالب بالحق المدني قدره 300000 درهم وبدرهم رمزي لفائدة «ترانسبارنسي المغرب».
واستعرض ممثل الحق العام، خلال مرافعته قبل النطق بالحكم، مختلف التهم المنسوبة للمتهمين الثلاثة، وعلى رأسهم مدير الوكالة الحضرية الذي تورط في فضيحة رشوة وابتزاز واغتناء واستغلال للنفوذ، قبل أن يلتمس تشديد العقوبة في حقه وفق ما ينص على ذلك القانون، وهو ما دعمته الهيئة القضائية بعد اختلائها للمداولة، حيث صعقت الرجل النافذ بمنظومة الوكالات الحضرية بالمغرب وأشهر مسؤوليها على الإطلاق بعشر سنوات سجنا نافذا، ومثلها مناصفة بين زوجته ومهندس كان مقربا منه ويترأس تشكيلا مهنيا خاصا بالمهندسين على مستوى إحدى جهات المملكة.
وبدا لافتا، حسب مصادر عليمة، أن معالجة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والسلطات القضائية بقسم جرائم الأموال باستئنافية مراكش لفضيحة الرشوة التي تورط فيها مدير الوكالة الحضرية (خ و)، لم تتوقف عند جانب الارتشاء والابتزاز، بل تحولت إلى مطاردة ثروة الرجل الخيالية الظاهرة والخفية، خاصة بعد العثور على مبلغ مالي ضخم في بيته مباشرة بعد اعتقاله وممتلكات نفيسة من المجوهرات والحلي وضعته إلى جانب زوجته موضع شبهة بالاغتناء الفاحش وغير المشروع، كما امتدت التحقيقات إلى إسهامات المتهم في اختلالات خطيرة متعلقة بتجاوزات التعمير والتراخيص المشبوهة بمراكش، قبل أن تطيح هذه التحريات بزوجته التي كانت تملك مكتب دراسات تم توظيفه بطريقة غير قانونية في بعض العمليات التعميرية المشبوهة وعلى رأسها ملف المشتكي. كما أسفرت التحريات الدقيقة والمكثفة التي أنجزتها عناصر الفرقة الوطنية، تحت إشراف النيابة العامة، عن تورط مهندس دولة من الدرجة الممتازة كان مقربا من مدير الوكالة، وكشفت هذه التحقيقات المستور في علاقة مدير الوكالة الحضرية الموقوف بكبير مهندسي العاصمة، في ما يرتبط تحديدا بمختلف العمليات التعميرية والتراخيص التي أشرفا عليها سواء بالرباط عندما كان مدير الوكالة الحضرية مسؤولا بجهة الرباط، أو عندما تحمل المسؤولية نفسها بمراكش، في إطار عمليات سمسرة ووساطة كان يتعهد بها أتباعه سمحت لمدير الوكالة بالاستمرار في بسط يده على أهم ملفات التعمير والعقار بالعاصمة التي خلد بها لمدة خمس سنوات.
وتعود وقائع هذه الفضيحة إلى شهر يوليوز من السنة الماضية، حيث ضبطت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بناء على تنسيق مع رئاسة النيابة العامة والوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف بمراكش، مدير الوكالة الحضرية بمراكش متلبسا بتسلم رشوة من صاحب فندق شهير بعاصمة النخيل بلغت 12 مليون سنتيم، بعد تعريضه للابتزاز من طرف مدير الوكالة من أجل تيسير عملية متعلقة بتوسيع مشروعه السياحي بأهم منطقة سياحية بمراكش، قبل أن يسقط المسؤول النافذ الذي كان ينتظر ترقية مهمة تتراوح بين منصبي عامل ووال حسب تخمينات كل متتبعي مساره الإداري المثير للجدل، وحسب تنسيق محكم التفاصيل بين السلطات القضائية والأمنية والمشتكي في الرقم الأخضر، سلم المشتكي المبلغ المطلوب منه لمدير الوكالة الحضرية في سيارة أمام منزل هذا الأخير، قبل أن تتدخل عناصر الأمن لتلقي عليه القبض في وضعية تلبس بتسلم مبلغ 120 ألف درهم من صاحب الفندق، الذي سلم سلفا السلطات القضائية والأمنية نسخا مطابقة للأوراق المالية المسلمة لمدير الوكالة الحضرية.