بعد استنطاقات تفصيلية ماراطونية وجلسات محاكمة مثيرة، رافقها الكثير من الحذر والاحتياطات الأمنية، أنهى القاضي بوعمامة، رئيس غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، في وقت متأخر من ليلة أول أمس الخميس، محاكمة البارون الفرنسي ذي الأصول الجزائرية يوسف الحنبلي، حيث أدانته هيئة الحكم بعد ساعات من المداولة بـ20 سنة سجنا.
يوسف الحنبلي، البارون الجزائري الفرنسي المثير للجدل، بدت على وجهه علامات الدهشة والاستغراب وهو يستمع إلى منطوق الحكم مرددا كلمة «pourquoi… pourquoi»، قبل أن يتم اقتياده إلى سجن سلا تحت حراسة أمنية جد مشددة.
محاكمة البارون الحنبلي التي تابعت «الأخبار» تفاصيلها الدقيقة، منذ اعتقاله في أكتوبر من السنة الماضية، شهدت تطورات مثيرة، حيث خضع لتحقيقات تفصيلية ماراطونية استمع خلالها قاضي التحقيق إلى بارونات ومتهمين آخرين، بينهم موظفون وأطر أمنية متابعون ومدانون في قضايا مخدرات بمحكمة جرائم الأموال بالرباط، بعد أن كشفت التحريات بعض الارتباطات بين الملفين، ليحيله قاضي التحقيق على غرفة الجنايات الابتدائية، التي باشرت محاكمته من خلال خمس جلسات، تخللتها ثلاثة تأجيلات تقريبا، بسبب تشبثه بحضور المترجم والدفاع، قبل أن تحسم الهيئة القضائية الملف في وقت متأخر، ليلة أول أمس الخميس، بإدانته
بـ20 سنة سجنا، بعد جلسة محاكمة استغرقت ساعات من المناقشة، وتخللتها مرافعات قوية لهيئة دفاع المتهم وممثل الحق العام.
وكانت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء أحالت الظنين، في نونبر من سنة 2021، على أنظار النيابة العامة المختصة بمحكمة الاستئناف بالرباط، على خلفية تورطه في تكوين عصابة إجرامية من أجل التخطيط وتنفيذ جرائم وصفت بالخطيرة وطنيا ودوليا، جعلته المبحوث عنه رقم 1 لدى الإنتربول، وتحديدا من طرف السلطات الفرنسية والمغربية، وقد توبع بتهم تكوين عصابة إجرامية متخصصة في الاختطاف والاحتجاز وطلب فدية والاتجار والتهريب الدولي للمخدرات.
وكانت السلطات الأمنية المغربية قد أعلنت في 23 أكتوبر سنة 2021 عن ضبط مواطن فرنسي من أصول جزائرية، مزداد سنة 1975، وذلك للاشتباه في تورطه في قضايا التهريب الدولي للمخدرات في إطار شبكة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية، والتزوير واستعماله في سندات الهوية.
ووفق معطيات مؤكدة وردت في بلاغ رسمي للمديرية العامة للأمن الوطني، فقد كانت مصالح الأمن بطنجة قد فتحت بحثا قضائيا، على خلفية ولوج المشتبه فيه لإحدى المصحات الخاصة باستعمال وثائق هوية مزورة، تحمل الجنسية الألمانية، بعد إصابته بجروح جد خطيرة بواسطة السلاح الأبيض، عقب نزال قوي بينه وبين بارونات كبار بالمنطقة، حيث أسفرت الأبحاث المنجزة وعمليات التنقيط عن تشخيص هويته الحقيقية، والكشف عن مذكرات البحث المسجلة في حقه على الصعيدين الوطني والدولي.
وكشفت التحريات نفسها أن المتهم يشكل موضوع مذكرات بحث وطنية صادرة عن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، والمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة تطوان، في قضايا التهريب الدولي للمخدرات، كما تبين أنه كان موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية الفرنسية في يونيو 2021، من أجل الاتجار الدولي في المخدرات، وتبييض الأموال، واقتراف اعتداءات جسدية خطيرة باستعمال أسلحة.
وحسب المصدر ذاته، كان الظنين قد أصيب في مواجهات مسلحة مع بارونات بالشمال، حيث خضع للعلاجات الضرورية بالمستشفى تحت إجراءات الحراسة الأمنية، قبل اعتقاله وإخضاعه للبحث القضائي تحت إشراف النيابة العامة المختصة، للكشف عن جميع أنشطته الإجرامية المرتبطة بالتهريب الدولي للمخدرات وغسيل الأموال، بالإضافة إلى إيقاف جميع المتورطين في تعريضه للاعتداء الجسدي، ورصد خلفيات ودوافع الاعتداء الدي تعرض له.
وكان المتهم الجزائري الحامل للجنسية الفرنسية قد دوخ الأجهزة الأمنية الفرنسية، قبل اعتقاله من طرف السلطات الأمنية المغربية، وقد كشفت التحقيقات التفصيلية التي خضع لها من طرف قاضي التحقيق خلال الأسابيع القليلة الماضية، عن تطورات مثيرة مرتبطة بعلاقته بملفات مشبوهة وحروب خطيرة بين بارونات مخدرات فرنسيين من أصول مغربية، وآخرين من أصول جزائرية، كانوا يسعون إلى السيطرة على سوق الحشيش بأوروبا، وهو الملف الدي تورط فيه سنة 2014 حوالي 21 متهما، بينهم أربعة عناصر أمنية من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تابعتهم المحكمة بتهم المشاركة في الرشوة واستغلال النفوذ والتهديد بالنصب، والاتجار الدولي في المخدرات، وتزوير وثائق إدارية، وعدم التبليغ عن جناية، وهو الملف الذي راج بمحكمة الاستئناف بالرباط، وحسمه القضاء ابتدائيا واستئنافيا بإدانة كل المتهمين بأحكام قضائية ناهزت في مجموعها 90 سنة سجنا، منها 34 سنة للأمنيين الأربعة.