محام مثل أبي.. مغاربة اختاروا مهنة الترافع بالوراثة
غالبا ما يمتد تأثير مهنة الأب إلى الأبناء، فتسكن وجدانهم وتبدو في عيونهم أقصر الطرق إلى الكسب. بل إن بعض الآباء يعبدون الطريق لأبنائهم أملا في خلافتهم، خاصة حين يتعلق الأمر بالأعمال الحرة. قد يخطئ كثير من الآباء في «توريث» مهنهم إلى أبنائهم، أو إعادة «سيناريو» وظائفهم مع فلذات أكبادهم، بل وهناك من تتجند الأسر بكاملها لدعم هذا الخيار لديهم استنادا إلى عامل الثقة، وانسجاما مع المثل القائل «حرفة بوك ليغلبوك»، حتى وإن كان للابن توجه آخر. في مجال التجارة، غالبا ما ينجح التوريث، فقد مورست قديما من قبل الأجداد ونجح فيها الآباء، إلا أن ذلك ليس شرطا في نجاحها بمهن أخرى.
صحيح أن التوجيه الإلزامي لابن نحو نفس المعبر الذي مر منه الأب، لا يؤدي بالضرورة إلى ما تبتغيه الأسرة، لأنه من غير المعقول الدفع بالابن عكس رغباته وميولاته. لكن في مهنة تتعلق بالدفاع عن المظلومين تفتح خيارات أخرى ربما قد ينجح الابن نجاحا مذهلا أكثر من أبيه.
للمحاماة جاذبيتها، فهي مهنة عرفتها المجتمعات منذ العصور القديمة في التاريخ وتسمى بـ«مهنة العظماء»، وهي من أشق المهن وأكثرها إرهاقا للعقل والجسد، لأن رسالتها هي تحقيق العدالة، من خلال الوقوف إلى جانب المظلوم والأخذ بنصرة الضعيف والتصدي للظلم، والدفاع عن الأفراد وحياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم. ولأن أصحاب هذه المهنة لديهم رسالة ضماناتها التمسك بالقيم ومبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة، فإن تشجيع الأبناء على احتراف فن الترافع يساهم في استمرارية المكاتب وفي زرع الثقة لدى الموكلين وتكريس مرجعية المكتب من خلال تاريخه النضالي من أجل تحقيق العدالة. لذا على الأبناء المحامين أن يبذلوا جهدا مضاعفا لترسيخ أقدامهم في مهنة الدفاع، والحفاظ على سمعة الآباء وتاريخهم وفق شرف المهنة.
يضيق المجال لسرد أسماء أبناء ساروا على درب أبنائهم، لأن تاريخ المحاماة في المغرب حافل بنماذج سجلت حضورها القوي في جلسات المحاكم وأكدت فعلا أنها خير خلف لخير سلف. سكن هذا الاختيار عائلة التعارجي والشرقاوي والرياحي ولكزولي وموافق إلى لشكر وبوزوبع وبوعبيد والسملالي وسيظل حاضرا في منظومة الدفاع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
نوال وحسن لشكر.. على خطى زعيم حزب «الوردة»
اختارت نوال ابنة إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مهنة والدها وارتدت بذلة الدفاع بل وتعقبت خطاه في درب السياسة. عاشت ابنة المحامي الذي قضى عمره كله رفقة الاتحاديين واحتك مع القيادات المرجعية لحزب «الوردة» منذ 1970، مع والدها كل المحطات، وتابعت وهي طالبة إصراره على الدفع بخيار خروج الاتحاد الاشتراكي من حكومة عباس الفاسي والعودة إلى المعارضة، قبل أن يفاجأ الجميع بتعيينه وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني في التعديل الحكومي للرابع من يناير 2010. عاينت أيضا جمع والدها بين الترافع القانوني والترافع السياسي والقدرة على الاستمرار في قيادة حزب عبد الرحيم بوعبيد.
ورغم أن نوال درست في جامعات فرنسية وظلت بعيدة عن الشأن الحزبي، إلا أنها اقتحمت السياسة والعدل بسرعة فائقة، فبعد فترة تمرين فرضت ابنة إدريس لشكر نفسها كمحامية ودخلت أجهزة الحزب من خلال لجنة القضايا الاجتماعية.
ليست نوال هي الوحيدة التي اختارت مهنة والدها، فقد اضطر شقيقها حسن لشكر إلى ركوب صهوة المحاماة، بالرغم من أن تكوينه كان في مجال المعلوميات، ولأنه استأنس وهو شاب بملفات والده حين كان يتردد على المكتب، فقد غير بسرعة فائقة توجهه من العالم الرقمي إلى منبر الدفاع، وذلك بعد نجاحه في الاختبار الكتابي لمزاولة مهنة المحاماة بالمغرب، وسط جدل أُثير داخل الشبيبة الاتحادية حول عدم وفاء والده بالوعد الذي قطعه على عدد من أعضاء المكتب الوطني للتنظيم الشبابي لتمكينهم من ولوج هذه المهنة. قبل أن يعبر نحو المحاماة، حصل حسن على شهادة في الإعلاميات من مؤسسة خاصة في كندا، وحين عاد إلى المغرب أسس شركة خاصة بالإعلاميات إلا أنها لم تحقق النجاح الذي كان منتظرا، فاختار له والده مهمة مستشار في ديوان وزير الوظيفة العمومية في مجال تخصصه الرقمي.
وقبل أن يغير وجهته صوب المحاماة، قضى نجل لشكر فترة دراسة في جامعة محمد الخامس بالرباط، قبل أن يحصل على شهادة إجازة في الحقوق أهلته لولوج مهنة المحاماة ليعوض والده، ويشرف على مكتبه الفاخر بمعية شقيقته نوال لشكر التي تدير المكتب في ظل غياب والدها بسبب مسؤولياته السياسية.
المعطي بوعبيد يتابع أول مرافعة لابنه سعد خارج المحكمة
عاش المعطي بوعبيد فترة هامة من شبابه في مدينة بوردو الفرنسية حيث درس القانون، وعاد إلى المغرب حاملا شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص مما مكنه من ولوج عالم القضاء كوكيل للملك في مدينة طنجة، لكنه تألق بشكل ملفت في مجال المحاماة الذي شغل فيه منصب نقيب لهيئة المحامين بالدار البيضاء، قبل أن يتأبط مجموعة من الحقائب الوزارية ويصل إلى قمة المناصب الحكومية حين جمع بين وزارتي العدل والوزارة الأولى، فضلا عن مناصبه السياسية كقيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم كأمين عام للاتحاد الدستوري.
بنى المعطي بوعبيد شخصيته وهو شاب يافع، فقد دخل وهو مراهق عالم الشغل وأصبح يتدبر أمره في استقلالية تامة، من خلال أعمال موسمية خاصة خلال العطل المدرسية، حيث ظل يشتغل في أرشيف المحكمة، ما جعله يتنفس مبكرا هواء النصوص القانونية.
حسب سعد بوعبيد، نجل المعطي، فإنه بفضل استقلالية شخصيته وخوضه في فترة متقدمة من العمر غمار السياسة والقانون، سواء مع حزب الاستقلال أولا والاتحاد الاشتراكي ثانيا ثم الاتحاد الدستوري، فقد تمكن المعطي من النجاح في مشواره الدراسي داخل المغرب وخارجه دون أن يعتمد على والده، حيث عاش فترة هامة من شبابه في مدينة بوردو الفرنسية، حيث برز بشكل كبير في مجال تخصصه.
في سنة 1952 أصبح المعطي بوعبيد محاميا بصفة رسمية بعد أن أدى قسم المحاماة، وعرفت عنه، وهو المحب للدار البيضاء وسكان المدينة القديمة، مرافعته في قضايا مظالم المغاربة ضد الإقامة العامة الفرنسية. وكان واحدا من المحامين المغاربة الذين تركوا بصمتهم في تاريخ المحاماة بالدار البيضاء، التي كانت واحدة من أكبر معاقل تجمعات المحامين في إفريقيا. وقد كان يحب أن يقدم نفسه محاميا قبل أن يكون سياسيا.
صار واحدا من أقدم محامي الدار البيضاء، بل ومن أوائل الذين هندسوا تسلم المغاربة لدواليب وزارة العدل في نسختها المغربية بعد سنة 1956. وإلى جانب المحاماة، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون عن شخصية المعطي بوعبيد، فقد تقلد مناصب في وزارة العدل منذ سنة 1956، حيث عينه الملك الراحل محمد الخامس وكيلا للملك في محكمة طنجة الجهوية، وهي التجربة التي لم تدم طويلا. فمع نهاية الخمسينيات سوف تأخذ السياسة المعطي بوعبيد من تلابيب بذلة المحاماة التي لم يتخل عنها طيلة مساره ليهتم أكثر بنقابة المحامين بالدار البيضاء، حيث انتخب نقيبا أكثر من مرة في فترات زمنية متفرقة.
كان معروفا عن المعطي بوعبيد أنه صاحب نكتة في أوساط المحامين بالدار البيضاء، ولا يزال القدماء إلى اليوم يحفظون له ذكريات كثيرة، خصوصا في فض الخصومات بين المحامين في نقابة الدار البيضاء وحل مشاكلهم مع الإدارة أو الوزارة، حيث كان بوعبيد يأخذ المعني من يده ويصحبه إلى باب الوزارة لحل المشكل، بدل إجراء الاتصالات البيروقراطية.
دخل نجله سعد عالم المحاماة وشكل الاستمرارية لمكتب النقيب السابق، وتولى الأمر بتفويض من الوالد، كما ورث عنه عشقه للرجاء وغيرته على المهنة. ويروي سعد أن والده المعطي لم يكن متساهلا معه، ومن إحدى الحكايات التي يسردها أنه «ذات يوم ركبت السيارة وخرجت للتنزه في مدينة الرباط، فإذا بي أسمع صوتا مدويا من سيارة أبي التي كانت تقف في الجهة الأخرى من إشارة المرور وهو ينادي الشرطي ليخبره أني لا أتوفر على رخصة القيادة، ويطالبه بالقبض علي، إلى درجة أن الشرطي ارتبك لعلمه أن والدي هو من يأمره باعتقالي. ومن المواقف التي لا يمكنني نسيانها أنه حين إقبالي على أول مرافعة لم يستطع الحضور ليراني في المحكمة أدافع عن موكلي بسبب تأثره وخوفه، خاصة أنني أصررت على الترافع في المحكمة دون أوراق، وبعدما أشاد بي أصدقاؤه فرح كثيرا، وظل خارج قاعة المحكمة ينتظر إنهاء المرافعة».
عبد اللطيف السملالي ونجله زكرياء.. على نفس السكة السياسية والقانونية والرياضية
بدأ عبد اللطيف السملالي مساره كمحام قبل أن يدخل عالم السياسة عبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومنه إلى الاتحاد الدستوري باقتراح من المعطي بوعبيد، الذي دفع به ليصبح وزيرا للشباب والرياضة لسنوات طويلة.
سافر عبد اللطيف إلى مصر لاستكمال دراسته بدعم من الحكومة، قبل أن يسافر إلى ليبيا، حيث نال شهادة الباكلوريا، ثم عاد إلى القاهرة لاستكمال مساره الدراسي الجامعي سنة 1956. كان السملالي، وعدد من الوجوه السياسية المغربية، يتابع دراسته في مصر في التخصص القانوني لكنه كان أديبا وفصيحا. يقول عنه الكاتب رمزي صوفيا: «كشف لي عبد اللطيف عن هوسه بالكتابة، وقال لي لقد عشت حلما كبيرا بأن أكون في يوم من الأيام أديبا وكاتبا، حيث كنت خلال طفولتي وشبابي أكتب القصص القصيرة، وكان أساتذتي يذهلون عندما يقرؤونها».
على خطى والده، اختار زكرياء السملالي مهنة المحاماة، ودخل السياسة على غرار والده كما شق نفس الطريق في عالم الكرة حين التحق بالمكتب المسير للرجاء الرياضي. ولأن عبد اللطيف انتقل بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري، فإن ابنه زكريا سار على نفس الخطى، لينتهي به المطاف في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رئيسا لبلدية أزمور وبرلمانيا عن المدينة التي تعد مسقط رأس جده.
وجاء التحاق زكرياء بحزب «الوردة» بعد أن ساءت علاقته بمحمد ساجد الأمين السابق لحزب «الحصان»، والذي يعد والد زكرياء أحد مؤسسيه، كما قضى فترة في حزب الاستقلال. ومن المصادفات الغريبة أن مجلس بلدية أزمور يضم تشكيلة من الأحزاب التي انتسب إليها زكرياء.
ويعرف نجل السملالي بمرافعاته القوية في الجموع العامة للرجاء والتي يحولها إلى ما يشبه جلسات محاكمة، حيث يستند في تدخلاته على ترسانة قانونية تجعل الجمع بمثابة برلمان للفريق.
حين خطب واصف المستشارة الباتول في مكتب شقيقها المحامي
كانت النصوص القانونية ترفرف فوق بيت عائلة النقيب محمد الناصري، وهو من مواليد سنة 1939 بمدينة الدار البيضاء وحاصل على الإجازة في الحقوق، ودبلوم المعهد العالي للدراسات القضائية. زاول مهنة المحاماة منذ سنة 1964. تقلد منصب الكاتب الأول ثم نقيب المحامين بهيأة الدار البيضاء، وشغل عدة مرات منصب عضوا بمجلس هيأة المحامين. عين سنة 1993 عضوا بالغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى، ثم عضوا بالمجلس الدستوري إلى غاية 1999. حصل على وسام العرش من درجة فارس، كما ترأس تحرير مجلة المحاكم بالمغرب على امتداد 6 سنوات، وقام بنشر دراسات عملية حول المسطرة المدنية، عين وزيرا للعدل من طرف صاحب الجلالة في 4 يناير 2010.
ارتبطت الباتول بواصف منصور الكاتب الفلسطيني الذي قال عن هذا الارتباط: «حين شعرت بأن شيئا أساسيا لا بد لي من استكماله، اتخذت قرارا مصيريا سيكون له الدور الأهم في حياتي القادمة، قررت أن أتمم زواجي من الباتول الناصري، تلك الفتاة التي كنت قد تعرفت عليها في مرحلة الدراسة الجامعية وأحببتها واتفقنا على الزواج. وكنت قبل سفري إلى ليبيا ذهبت إلى مكتب شقيقها محمد المحامي بالدار البيضاء، الذي دبرت أمر لقائي به أول مرة».
طرق باب المحامي الناصري، الذي سيصبح وزيرا للعدل، وكشف عن نواياه، ملتمسا منه دعم قضيته المصيرية، سيما وأن الباتول كانت في صفه معلنة استعدادها الزواج من منصور، بالرغم من «فيتو» العائلة. حين تخرجت الباتول من كلية الحقوق التحقت بالمعهد العالي للدراسات القضائية، وهو في بداية نشأته، واشتغلت قاضية في المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، براتب خصصت جزءا منه لدعم ميزانية واصف.
الشهبي وأسية الوديع وابنهما.. ثالوث في رحاب المحاماة
فتحت أسية الوديع عينيها في بيت يعيش رعب المداهمات البوليسية، فوالدها محمد الوديع الآسفي كان يشكل قلقا حقيقيا للسلطة، والطريق الذي يؤدي إلى بيت الأسرة كان مراقبا عن قرب من المخبرين، لذا كان من الطبيعي أن تنتفض ضد الاختناق الذي وضعها، وهي طفلة، تحت الحصار.
خرجت أسية، على غرار أشقائها، إلى الوجود في ظل محنة الاعتقال، لذا تطبعت كأشقائها أسماء ووفاء، صلاح وخالد، وعزيز والعربي وجمال ثم توفيق، بالنضال، دون أن تخلف الوعد مع الدراسة حيث دخلت جامعة فاس وتخصصت في القانون تحقيقا لرغبة والدها، في الوقت الذي كانت تمني فيه النفس بالتبحر في عالم الشعر والشعراء.
في رحاب الكلية، عاشت احتقانا طلابيا زاد من ارتباطها بهذا الفضاء الذي لبى جزءا من عشقها للنضال، وأصبحت في ظرف وجيز من مناضلات الاتحاد المغربي لطلبة المغرب وهو ما مكنها من التعرف على شريك حياتها محمد الشهبي الذي كان من قيادات هذا التنظيم، حيث تقاسما سويا غارات البوليس الذي وضعهما على رأس قائمة الطلبة المزعجين، وخلال توقفها في النقابة الطلابية تبين أنها تملك حسا تفاوضيا من موقع القوة مع الإدارة.
طلب محمد الشهبي يدها من والديها فوافقا على الفور، لتوفر شرط أساسي وهو الحس النضالي الذي يسكن الرجل، وقدرته على السير في نفس سكة أسية، فالمشترك بينهما يتجاوز حدود الانتماء لفصيل طلابي، إلى الوعي بقضية الوطن في زمن كانت فيه البلاد تئن تحت سياط القهر والاستبداد.
قال الشهبي عن زوجته التي التقاها لأول مرة في رحاب كلية الحقوق: «كانت ربة بيت، ربة بيتي أنا، كانت أما وأم أطفالي أنا، كانت قاضية فكنت محاميا أمامها، كانت محامية وكنت نقيبها». هكذا اختزل محمد مساره مع أسية الوديع، الذي عرف ككل العلاقات الإنسانية مدا وجزرا.
في الفترة ما بين 1971 و1980 تقلدت أسية منصب نائبة وكيل الملك في محاكم سطات، وخلال هذه الفترة عاشت قاعات المحكمة وقائع سجال قانوني بين الوديع، ممثلة النيابة العامة، وزوجها المحامي محمد الشهبي، قبل أن تقرر بعد عشر سنوات الانتقال إلى فرنسا لاستكمال تكوينها في المدرسة العليا للقضاء بباريس، وتعود إلى الوطن سنة 1984 بشهية مفتوحة لممارسة المحاماة. شجعها زوجها على الانتقال من «الهجوم إلى الدفاع»، وبفضله عبرت الجسر بدون صعوبات فنذرت حياتها لمؤازرة المستضعفين وغالبا ما كان اسمها على رأس المدعوين لتقديم المساعدة القضائية لمتهمين لا تسعفهم ظروفهم لانتداب محامين. في هذه الفترة كان الشهبي نقيبها بعد أن انتخب نقيبا للمحامين بهيئة الدار البيضاء. في فضاء القانون وحقوق الإنسان أنجبا ابنا شرب المهنة من ثدي والدته، فأصر على أن يصبح محاميا وهو ما تأتى ليوسف، الذي وصف والدته بالسيدة التي «تناضل دفاعا عن ضحايا والمرأة التي وهبت حياتها لقضايا السجناء والمقهورين فالخطأ لا يعني بالنسبة لها التساهل في ضرب كرامة المتهم».
البشير التعارجي.. محامي الفقراء ونجل موسوعة الإفتاء عباس التعارجي
كان عباس التعارجي محامي الفقراء في مراكش، قبل أن يختاره الملك لمناصب حكومية، بتزكية من حزب الاستقلال، بعد أن خاضت عائلة التعارجي حربا مع الكلاوي، لإعلانه «الفيتو» على زواج المحامي البشير التعارجي بمبرر «الظهور في الشارع العام رفقة زوجته بـ»لوك» أوروبي.
كان الوالد عباس ابن ابراهيم السملالي المراكشي، سليل أسرة أنجبت العلماء والقضاة. تقلد عدة وظائف منها التدريس والإفتاء والتوثيق والقضاء، ففي عهد الحماية تقلد وهو في سن الخامسة والعشرين من عمره منصب التدريس، ومنح له كرسي بمسجد رياض العروس لمباشرة التعليم، وعين كاتبا بديوان الوزير الأول في حكم الأمير عبد الحفيظ بن الحسن، ثم بعدها رقي إلى المرتبة الأولى في الهيأة العلمية المراكشية، كما عين قاضيا بمجلس الاستئناف الشرعي بالرباط، ثم قاضيا في سطات والجديدة ومراكش.
عين الحسن الثاني المراكشي البشير التعارجي سفيرا، بعد أن عين من طرف والده محمد الخامس، وذلك لمعرفة الملك بأفراد عائلة التعارجي ودورها في عالم الفكر والإفتاء، أما البشير فكان محاميا في عهد الحماية بمراكش ونفي إلى أكادير فقط لأنه تحدى سلطات الكلاوي. ومن المفارقات الغريبة أن يتقلد البشير مهمة نائب المدير العام للأمن الوطني امحمد لغزاوي، كما عين عاملا على مراكش وانتهى به مركب الوظائف السامية في كرسي وزير العدل.
شارل لوغران.. محامي الفقراء الذي تزوج محامية وأنجبا محاميا
ولد جان إيمانويل ماري، وهذا هو اسمه المدون في سجلات الحالة المدنية، بمدينة لانيو الفرنسية في 23 دجنبر 1900، تابع دراسته في العلوم السياسية وحين تخرج اشتغل متعاونا في مكتب محام فرنسي يدعى ألكسندر ميليران، قبل أن يفتح مكتبا للمحاماة ويلفت الأنظار بتبنيه قضايا البسطاء في إطار ما بات يعرف بالمساعدة القضائية. لكن مرافعاته كانت تغضب النظام فتقرر التشطيب عليه من سجلات هيئة المحاماة في فرنسا.
حل جان بالمغرب رفقة زوجته المحامية جان روسبارس، واستقر في الدار البيضاء حيث تقدم، في عام 1948، إلى الإقامة العامة بطلب تسجيله في هيئة المحامين بالدار البيضاء، فتمت الاستجابة لطلبه وأصبح يرافع في ملفات تهم المغاربة والفرنسيين والطائفة اليهودية، كما شرع في كتابة مقالات رأي في صحيفة «التحدي».
كان الرجل من المتطرفين الفرنسيين، حيث كان يقود المظاهرات ويحتج ضد الفساد، فأعفي من مهامه كمحام في هيئة باريس. وحين جاء إلى المغرب من أجل فتح مكتب في بلد يحتله الفرنسيون، واجه العديد من الصعوبات، سيما وأنه اقتنع بأفكار الحركة الوطنية ونسج علاقات مع النخب السياسية المغربية والفكرية.
في مدينة الدار البيضاء، وتحديدا في الزقاق المفضي للقنصلية الفرنسية، وضعت لوحة تذكارية لهذا المحامي؛ هنا كان مكتبه الذي لطالما حاصرته مخابرات السلطة الفرنسية، أما السلطات المغربية فصرفت النظر عن تخليد اسمه في زقاق، رغم أن الرجل رافع بشهامة في قضية المقاوم المغربي أحمد الراشيدي.
ترافع في الكثير من القضايا التي كان فيها المغاربة في قفص الاتهام، وعرف بمواقفه المساندة للمغرب، لكنه عاد إلى فرنسا سنة 1965، وهو غاضب من المغاربة، لأنه بالرغم من النضال الذي ميز مسيرته كمحام مدافع عن قضايا الشعب المغربي، فإنه عانى من تنكر بعض الأشخاص له. في فرنسا سيتسلم نجله جان مهمة تدبير مكتب المحاماة، ويعمل بوصية والده الذي كان مصرا على إرسال حوالة مالية شهرية إلى خادمة مغربية تدعى هنية، كانت تشتغل في بيته طيلة مقامه في المغرب، وظل وفيا لهذه العادة لأنه كان يجعل سلوكه اليومي انعكاسا وترجمة لأفكاره الداعية إلى ضمان وصون الكرامة. وتوفي شارل عام 1982 في فرنسا.
كاتريان.. محامية مدرب الرجاء وابنة محام
حين جلس أنيس محفوظ، رئيس الرجاء البيضاوي السابق، للتفاوض مع المدرب البلجيكي مارك فيلموتس قصد استقطابه نحو القلعة الخضراء، كان يعتقد أن السيدة المرافقة للمدرب مجرد زوجة تتقاسم معهما جلسة التفاوض لتبدي رأيها على سبيل الاستئناس، قبل أن يكتشف أنيس أن كاتريان لامبيتس ليست مجرد زوجة بل محامية ووكيلة أعمال مدرب.
تبين أن المحامي أنيس أصبح في مواجهة محامية ومديرة أعمال زوجها، ويا ليت الرئيس اطلع على حوار أجراه فيلموتس مع صحيفة بلجيكية، قال فيه: «زوجتي هي الرأس وأنا مجرد قدمين»، ليعرف أن كاتريان ليست مجرد رفيقة عمر مدرب. كاتريان ليست محامية زوجها فقط، بل هي أيضا موكلة عن ابنها مارتن حين وقع عقد انضمام لنادي ستاندار دو لييج البلجيكي، ومنذ زواجها من فيلموتس سنة 1996 أقسمت على أن تكون الذراع القانوني للأسرة.
لم تساعد كاتريان زوجها على التألق في ملاعب الكرة، بل كانت مديرة حملته الانتخابية التي خاضها سنة 2000، حين قرر خوض مباريات سياسية، حيث ترشح مع الحزب الليبيرالي وفاز بمقعد «سيناتور»، لكن الكرة الملعونة وجاذبيتها دفعته للاستقالة والعودة للميادين مساعدا لمدرب «الشياطين الحمر» جورج ليكينس، قبل أن يتم تعيينه مدربا للمنتخب البلجيكي، حيث كان وراء اكتشاف نجوم عالميين مثل لوكاكو، كيفين دو بروين، ويسطيلس وغيرهم من النجوم، منهم من تبنت زوجته عقودهم.
كان والد كاتيران محاميا يدعى كاي لامبيتسوكان رئيس فريق سانت ترون، وشقيقها الأكبر ورث المكتب عن والده ونصب نفسه محامي العائلة.
زينب الرميد.. محامية من صلب وزير حقوق الإنسان
حين حصلت زينب الرميد، كريمة الوزير السابق للدولة المكلف بحقوق الإنسان المصطفى الرميد، على دكتوراه في القانون، في منتصف دجنبر 2017، من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في الدار البيضاء، كانت هذه الفتاة تعد العدة للاشتغال في مكتب والدها وتأمين الاستمرارية، على غرار كثير من أبناء وبنات المحامين.
كان والدها الرميد أول من زف الخبر على حسابه بموقع الفايسبوك، وقال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، شكرا لله تعالى بأن أنعم على ابنتنا زينب الرميد بالحصول على الدكتوراه في القانون بدرجة مشرف جدا مع التهنئة والتوصية بالطبع».
وأضاف وزير الدولة بأن موضوع الأطروحة كان «حول تقنيات المعاملات البنكية التشاركية (الإسلامية)، وبأن ابنته اعتمدت فيها على أكثر من 300 مرجع بالعربية والفرنسية والإنجليزية».
وكتب الرميد: «شكرا للأستاذ المشرف الدكتور بن الصغير، وأيضا الشكر موصول لكافة الأساتذة الذين ناقشوا الأطروحة باقتدار لأكثر من أربع ساعات. شكرا لجميع الأصدقاء وصديقات العائلة الذين أمتعونا بدفء الحضور، شكرا لكل الأصدقاء الذين لم يتمكنوا من الحضور، لكنهم تفضلوا بالاتصال لمشاركتنا فرحتنا من بعيد».
دخلت زينب في سجال مع كثير من خصوم والدها، ووجدت نفسها في وسط معارك رغم أنها اشتغلت في مكتب محاماة هشام الناصري محامي القصر.
رفضت زينب الرميد، المحامية المتخصصة في قضايا الشركات، بمكتب محاماة هشام الناصري، محامي القصر الملكي، في اتصال لـ «شوف تيفي»، الإدلاء بأية كلمة سواء بخصوص وثائق بنما، أو بخصوص تعيينها بمكتب المحاماة المقرب للقصر الملكي، الذي تزامن مع تعيين أبيها على رأس وزارة العدل والحريات، ورصدت مجموعة من المنابر الصحافية خبرا مفاده أن كريمة وزير العدل، زينب الرميد، تشتغل بمكتب محامي القصر، ما وضعها تحت المجهر.
اختارت زينب التخصص في قانون الشركات مع التركيز على المعاملات البنكية الإسلامية، سيما أمام تنامي هذا النوع من البنوك. واضطر الأب في أكثر من مناسبة إلى الدفاع عن ابنته كلما داهمتها الغارات، خاصة وأن مكانتها الاعتبارية باعتبار والدها وزيرا وقياديا سياسيا وضعتها في فوهة المدفع.
حسن البصري