عودة قوية للعلاقات المغربية الاسبانية
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
إسبانيا تؤكد موقفها الداعم لمخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية
قال الوزير الإسباني للشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون، خوسي مانويل ألباريس، إن موقف بلاده الداعم لمخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء «واضح للغاية» و«سيادي»، وأوضح ألباريس، في معرض حديثه خلال لقاء نظم بمجلس النواب الإسباني حول قمة حلف شمال الأطلسي، التي انعقدت يومي 29 و30 يونيو الماضي بمدريد، على أن «موقف الحكومة الإسبانية من الصحراء واضح للغاية، والذي أكده رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، للملك محمد السادس»، وأشار رئيس الدبلوماسية الإسبانية أن بلاده هي دولة «حرة وذات سيادة» لاتخاذ قراراتها الخاصة في مجال السياسة الخارجية، مشيرا إلى أن إسبانيا «تفكر بنفسها».
وفي هذا السياق، أعرب ألباريس عن رفضه لـ «تدخل بلدان أجنبية» في النقاشات الداخلية المتعلقة بالسياسة الخارجية للحكومة، مؤكدا أن إسبانيا تدعو إلى علاقات جيدة مع بلدان الجوار «على أساس نفس مبادئ الاحترام المتبادل، المساواة والسيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية»، حسب وزير الخارجية الإسباني الذي وصف الجدل حول موقف إسبانيا من الصحراء المغربية بـ «الزائف»، مؤكدا أن هذا النقاش تحركه «مصالح كاذبة».
شهد الموقف الإسباني حيال قضية الصحراء المغربية، تحولا مهما يبشر بدخول العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية مرحلة جديدة، ففي رسالة بعث بها إلى الملك محمد السادس، أكد رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز أنه «يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب»، وفي هذا الصدد، «تعتبر إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف، كما أشار إلى «الجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل تسوية ترضي جميع الأطراف»، وأبرز رئيس الحكومة الإسبانية في رسالته إلى الملك، أن «البلدين تجمعهما، بشكل وثيق، أواصر المحبة، والتاريخ، والجغرافيا، والمصالح، والصداقة المشتركة»، وأعرب سانشيز عن «يقينه بأن الشعبين يجمعهما نفس المصير أيضا»، وأن «ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح».
وأكد رئيس الحكومة الإسبانية في رسالته إلى الملك على أن «هدفنا يتمثل في بناء علاقة جديدة، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب، وفي مستوى أهمية جميع ما نتقاسمه»، وفي هذا السياق، فإن «إسبانيا ستعمل بكل الشفافية المطلقة الواجبة مع صديق كبير وحليف». وأضاف سانشيز «أود أن أؤكد لكم أن إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها»، مجددا في رسالته إلى الملك محمد السادس التأكيد على «عزمه العمل جميعا من أجل التصدي للتحديات المشتركة، ولاسيما التعاون من أجل تدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والعمل على الدوام في إطار روح من التعاون الكامل»، مبرزا أنه «سيتم اتخاذ هذه الخطوات من أجل ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين».
من جانبه، أكد وزير شؤون الرئاسة الإسباني، فيليكس بولانيوس، أن إسبانيا من خلال اعترافها بتفوق المبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها «الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية»، فإنها تريد الانخراط إلى جانب المغرب في علاقة «مستقرة وجيدة»، وأوضح بولانيوس، في تصريحات للصحافة، أن «العالم في حاجة للتعاون بين الدول والانكباب سويا على معالجة المشاكل المشتركة»، مشددا أن الموقف الجديد لبلاده حول الصحراء المغربية يندرج في سياق هذه الرؤية، مؤكدا على أهمية المغرب بالنسبة لإسبانيا، لاسيما في مجال التعاون حول تدبير تدفقات الهجرة ومحاربة شبكات الاتجار في البشر.
وثمن المغرب عاليا «المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية، والتي تضمنتها الرسالة التي وجهها إلى الملك محمد السادس، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز»، واعتبرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، أن «العبارات الواردة في هذه الرسالة تتيح وضع تصور لخارطة طريق واضحة وطموحة بهدف الانخراط، بشكل مستدام، في شراكة ثنائية في إطار الأسس والمحددات الجديدة التي تمت الإشارة إليها في الخطاب الملكي في 20 غشت الماضي»، حسب بلاغ لوزارة الخارجية، موضحة أن «الملك قد دعا في هذا الخطاب إلى تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات».
وفي هذا السياق، أكد الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي، عتيق السعيد، أن اعتبار إسبانيا لمبادرة الحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف المتعلق بالصحراء المغربية، يعد «اعترافا تاريخيا غير مسبوق في العلاقات الثنائية»، كما يشكل «قاعدة أساس لبناء علاقات مغربية-إسبانية جديدة أكثر وضوحا وطموحا»، مضيفا أن هذه العلاقات «ستقوم على الشفافية والتواصل الدائم والاحترام المتبادل، تحقيقا للتعاون الثنائي المستدام في إطار شراكة ثنائية تحفز، من جهة، على وضع تصور لخارطة طريق واضحة المعالم، ومن جهة ثانية، تسد الطريق على كل الذين حاولوا التشويش على هذه العلاقة الرفيعة المستوى»، وأن اعتراف مدريد بالحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام، وكذا استيعاب أهمية القضية الوطنية بالنسبة للمغاربة ، يعتبر «تأكيدا صريحا من إسبانيا لباقي دول الاتحاد الأوروبي على أن هذه القضية هي قوية بالشرعية التاريخية والحجج القانونية».
تعاون أمني بين المغرب وإسبانيا لمحاربة الهجرة والإرهاب
أكد خوسي مانويل ألباريس، وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، أنه من «دون تعاون» المغرب، سيكون من «المستحيل» التحكم في تدفقات الهجرة غير الشرعية.
وشدد ألباريس، في حديث خص به القناة التلفزيونية «أنتينا 3»، على أنه «بدون تعاون قوات الأمن المغربية والعمل الممتاز الذي تقوم به قوات الأمن الإسبانية، سيكون من المستحيل السيطرة على ظاهرة الهجرة غير الشرعية».
وحسب رئيس الدبلوماسية الإسبانية «لا يمكن لأي دولة في العالم، مهما كانت قوتها، أن تواجه هذه الظاهرة بمفردها»، مبرزا «تعقيد» تدبير هذه الآفة ومواجهة اقتحامات أشخاص «يسعون إلى حياة أفضل، من خلال تعريض حياتهم للخطر». وأضاف ألباريس: «ما علينا القيام به هو تحسين وتعزيز تعاوننا مع المغرب ومع دول المصدر والعبور. يتعين أيضا انخراط أوروبا والمفوضية الأوروبية». وشدد على أنه «يجب تعزيز التعاون بين أوروبا ودول المصدر والعبور، وينبغي توفير الوسائل التكنولوجية الكفيلة بمنع تكرار مثل هذه الاقتحامات».
وكان مهاجرون غير شرعيين يتحدرون من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء قد قاموا، صباح الجمعة قبل الماضي، بمحاولة اقتحام جماعية للسياج الحديدي على مستوى إقليم الناظور، حيث قاموا بتوظيف أساليب جد عنيفة، متسببين في تدافع كبير وحالات سقوط مميتة من أعلى السياج. وأشارت آخر حصيلة إلى تسجيل 23 حالة وفاة من بين المهاجرين غير الشرعيين، بينما لا يزال عنصر من القوات العمومية و18 من المقتحمين تحت المراقبة الطبية.
وتميزت هذه المحاولة للعبور بواسطة القوة، التي أصيب خلالها 140 من أفراد القوات العمومية بجروح متفاوتة، باستخدام عنف غير مسبوق من قبل مرشحي الهجرة غير الشرعية في وجه عناصر قوات الأمن، التي تدخلت بمهنية وفي ظل احترام القوانين الجاري بها العمل.
وأبدى هؤلاء المرشحون للهجرة غير الشرعية، الذين كانوا مسلحين بالحجارة والهراوات والأدوات الحادة، مقاومة عنيفة لقوات الأمن التي تعبأت لمنعهم من عبور السياج، كما تظهر ذلك الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على الإنترنت والشبكات الاجتماعية، منذ يوم الجمعة قبل الماضي.
وبعد عودة العلاقات بين البلدين، قام عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، بزيارة إلى إسبانيا، حيث عقد لقاء مع نظيره الإسباني، فيرناندو غراندي مارلاسكا، اجتماع عمل أجريا خلاله محادثات معمقة حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفق ما أوضح بلاغ مشترك، مبرزا أن الوزيرين ذكرا خلال هذا اللقاء بالأهمية الاستراتيجية للعلاقات القائمة بين المملكتين، والتي تنهل من روابط الصداقة والأخوة التي تجمع بين الملك محمد السادس والعاهل الإسباني، الملك فيليبي السادس.
وأشاد الوزيران، في هذا السياق، بالتعاون النموذجي بين مصالح وزارتي الداخلية بالبلدين، والذي يأتي تكريسا للدينامة الجديدة وغير المسبوقة للعلاقات بين المغرب وإسبانيا، القائمة على الشفافية والاحترام والثقة المتبادلة، والتعاون الصريح والوثيق والتشاور الدائم. كما نوه لفتيت ومارلاسكا بالمناسبة، بالجهود المبذولة من أجل التنزيل التدريجي لمختلف النقاط المتضمنة في خريطة الطريق المعتمدة في أعقاب المحادثات التي أجراها الملك محمد السادس مع بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، خلال زيارته الرسمية إلى المملكة المغربية في شهر أبريل الماضي.
وسلط الطرفان الضوء على التعاون المغربي الإسباني النموذجي في مجالات الهجرة والأمن، سيما في مجال مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، حيث شددا على ضرورة تعزيز أكبر لتعاونهما في هذا المجال. كما أبرزا أهمية الحفاظ على مناخ للأمن والاستقرار الإقليمي، الذي يبقى هدفا رئيسيا ومسؤولية مشتركة، تتطلب تعاونا فعالا في مختلف المجالات من أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد أمن البلدين. ورحب الوزيران باستئناف عملية «مرحبا»، واتفقا على تعزيز التنسيق بين قطاعاتهما المعنية، وذلك بهدف ضمان أكبر قدر من النجاح لهذه العملية، وأشادا في هذا السياق بدور مؤسسة محمد الخامس للتضامن في قيادة هذه العملية.
تحسن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وإسبانيا
قال السفير الإسباني في المغرب، ريكاردو دييز هوشلايتنر رودريغيز، يوم الأربعاء الماضي بالدار البيضاء، إن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وإسبانيا عميقة وهيكلية ولا تخضع للظرفية.
وأضاف السفير الإسباني، في مداخلة بمناسبة افتتاح النسخة الأولى من سنة إسبانيا للمعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال، إن هذه العلاقات تغطي عدة مجالات، منها ما يتعلق بالصناعة، حيث تعمل إسبانيا والمغرب جنبا إلى جنب على إنتاج مواد ومنتجات وخدمات موجهة للتصدير على المستوى الدولي.
وبعدما ذكر بأن السنة الماضية كانت مطبوعة بتداعيات كوفيد – 19 والأزمة بين البلدين، قال السفير إن المغرب وإسبانيا سجلا على مستوى المبادلات التجارية، مع ذلك، نحو 16,8 مليار أورو، مشيرا إلى أنه برسم السنة نفسها سجلت الصادرات الإسبانية نحو المغرب زيادة تجاوزت 20 في المائة، بينما ارتفعت الصادرات من المغرب صوب إسبانيا بنسبة 10 في المائة.
وأشاد رودريغيز بتنظيم سنة إسبانيا لمعهد ISCAE، مشيرا إلى أن هذه السنة تعد سنة استئناف العلاقات الثنائية بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب في أبريل الماضي، والتي دشنت لمرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين المملكتين. فبالنسبة له، يجب أن يرتكز جوهر العلاقات الثنائية على المعرفة المتبادلة، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة يجب أن تتم من خلال «تكوين الشباب المغاربة والإسبان، حتى نتمكن من الاستفادة بشكل كبير من التكامل والتآزر بين البلدين».
وقال إن المملكتين، اللتين تقيمان علاقة (رابح – رابح) في المجالين الاقتصادي والتجاري، لم تغتنما بعد كل الإمكانيات المتوفرة بالبلدين، مشيرا إلى وجود الكثير الذي يتعين القيام به، وأنه من الضروري البدء بتكوين أطر المستقبل من البلدين عبر التعاون الأكاديمي، مثل المذكرة الموقعة بين ISCAE وESADE Business School المصنفة ضمن أفضل 20 مدرسة إدارة أعمال في العالم.
وتابع أنه «من أجل تفاهم أفضل، فإنه من الضروري الرهان على المستقبل وأطر المستقبل حتى يتمكنوا من التعرف على بعضهم البعض بشكل أحسن من أجل الاستفادة من هذه العلاقات الرائعة القائمة بين بلدينا».
«مرحبا 2022».. عودة الدفء إلى رحلات مضيق جبل طارق
أعلنت مؤسسة محمد الخامس للتضامن الانطلاقة الفعلية لنسخة 2022 من عملية «مرحبا» لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج، وذلك بعد عامين من التوقف بسبب أزمة كورونا الصحية، وقد أوضح بلاغ لمؤسسة محمد الخامس للتضامن أن نسخة هذه السنة تتميز فضلا عن فتح مراكز للاستقبال بكل من المغرب وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، بافتتاح مواقع استقبال جديدة في المغرب لمواكبة عودة أفراد الجالية الذين من المتوقع أن يكون حضورهم مهما هذه السنة، موضحة أن مؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي تساهم في تنفيذ وتنسيق هذه العملية مع باقي المتدخلين، قامت بتشغيل 23 فضاء للاستقبال منها 17 فضاء داخل المغرب في موانئ طنجة المتوسط، طنجة المدينة، الحسيمة والناظور، في معابر باب سبتة وباب مليلية، وفي مطارات الدار البيضاء محمد الخامس، وجدة أنجاد، أكادير المسيرة، فاس سايس، مراكش المنارة وطنجة ابن بطوطة، وكذلك في باحات الاستراحة البحر الأبيض المتوسط والجبهة وتزاغين. و تم خلال هذه السنة افتتاح فضاءين جديدين في الرباط بمطار الرباط-سلا والمضيق بفتح باحة للاستراحة بسمير.
أما خارج التراب الوطني، فأشارت المؤسسة إلى أن مراكز الاستقبال «مرحبا» الستة، توجد على مستوى الموانئ الأوروبية بألميريا، والجزيرة الخضراء، موتريل، سيت، مرسيليا وجنوة، مشددة على أن خدمات المساعدة الاجتماعية والطبية المعتادة على مستوى مراكز الاستقبال التابعة لعملية «مرحبا» داخل وخارج التراب الوطني، معززة بوجود المساعدات الاجتماعيات على متن سفن خلال المسافات الطويلة مثلما تم خلال نسخة 2021 من العملية، مبرزة أنه قد تم تخصيص أكثر من 1000 شخص من أطر المؤسسة والمساعدات الاجتماعيات والأطباء والأطر شبه الطبية والمتطوعين للاستماع لمتطلبات المغاربة المقيمين بالخارج ومساعدتهم وتقديم الدعم والعون اللازمين لهم.
وحسب أرقام رسمية، فقد تسبب إلغاء عملية «مرحبا» في عامي 2020 و 2021، في خسارة ميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا، 10 ملايين مسافر ومليوني مركبة، وفقًا لبيانات هيئة ميناء خليج الجزيرة الخضراء، بعد استئناف حركة المسافرين البحرية بين المغرب وإسبانيا في 12 أبريل الماضي، أعطت السلطات الإسبانية الضوء الأخضر لبدء الاستعدادات لعملية «مرحبا 2022»، وبحسب المصادر الإسبانية، فقد لقي هذا الخبر ترحيبا حارا من موانئ الجزيرة الخضراء وطريفة اللتين استأنفت بالفعل اتصالات الركاب البحرية مع مينائي طنجة المتوسط ومدينة طنجة، حيث تستغرق عملية العبور بين ضفتي المتوسط للجالية المغربية في الخارج ثلاث أشهر تنخرط فيها حوالي 13 وكالة أسفار في ميناء الجزيرة الخضراء، وهي التي تشكل اتحاد وكالات السفر في ميناء الجزيرة الخضراء، تدر عليها عملية «مرحبا» حوالي 30 مليون يورو من الأرباح خلال الموسم الواحد.
عودة تنظيم عملية «مرحبا» الخاصة بالمغاربة القاطنين بالخارج، سبقتها اجتماعات تنسيقية للجنة المشتركة المغربية الإسبانية، حيث تم وضع الخطوط العريضة للعملية التي أعادت الحياة لموانئ الجنوب الاسباني، والتي كانت لسنوات بوابة عبور المهاجرين المغاربة، تشير المصادر، مبينة أن ميناء الجزيرة الخضراء، وهو أحد الموانئ الأكثر استخدامًا من قبل المغاربة من أوروبا للوصول إلى المغرب في الصيف، باشر الاستعداد أيضًا من أجل حسن سير هذه العملية بعدما ظل مغلقا لعامين متواصلين.
وخلال الأيام العشرة الأولى بعد استئناف حركة المرور في أبريل الماضي، عبر حوالي 26698 شخصًا و3927 مركبة من ميناء الجزيرة الخضراء وطريفة متجهين إلى طنجة، كما عبر 18.380 مسافرًا و1754 مركبة، في الاتجاه المعاكس، قادمة من طنجة، حسب أرقام اتحاد وكالات الأسفار الاسباني، وعلى الرغم من أن هذه الأرقام لا تزال متواضعة مقارنة بحجم المسافرين الذي سجله الميناءان قبل الوباء، لكن حركة العبور شهدت ارتفاعا بعد نهاية شهر رمضان، وعلى مشارف العطلة المدرسية، لتصل ذروتها مع إطلاق عملية «مرحبا 2022».
وكان رئيس الحكومة الاسبانية، بيدرو سانشيز، أكد في ندوة صحفية، بعد الزيارة الرسمية التي قام بها للمغرب، وحضي باستقبال ملكي خلالها، إنه سيتم استئناف حركة النقل البحري بين المغرب واسبانيا، مؤكدا أن البلدين بصدد الاستعداد لإطلاق عملية «مرحبا»، وفي هذا الصدد، لفت إلى أن العديد من النقاط الحيوية سيتم تداولها قريبا في اجتماع رفيع المستوى بين الحكومة الإسبانية والمغربية.
الشروع في ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا
بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، شرعت مجموعة عمل مشتركة بين البلدين في المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، وذلك بعد مصادقة البرلمان المغربي على القانون رقم 37.17 المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية الوطنية، والقانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية.
وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في حوار خص به إذاعة «فرانس أنتير»، إن «مرحلة جديدة» تبدأ في العلاقات المغربية-الإسبانية، مؤكدا أن المغرب يأمل في أن يلهم هذا النموذج علاقات المملكة مع بلدان أوروبية ومتوسطية أخرى.
وكشف بوريطة عن «عقد الكثير من الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، أولا قصد متابعة خريطة الطريق التي جرى اعتمادها، حيث وجدنا أنه تم تنفيذ عدد كبير من الإجراءات المعلنة: استئناف الربط البحري؛ اجتماع المجموعة المشتركة الدائمة حول الهجرة، والتي اتخذت قرارات؛ الاستعدادات لعملية عبور المغاربة تسير على قدم وساق؛ مجموعات العمل حول ترسيم الحدود البحرية، وحول تدبير المجال الجوي ستعقد خلال الأشهر المقبلة في إسبانيا».
وكان المغرب قد أعلن عن إكمال ترسيم مجالاته البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي، مؤكدا على الالتزام بالحوار مع إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيدا عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد.
ودخل القانون رقم 37.17 المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية الوطنية، والقانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، حيّز التنفيذ منذ شهر مارس 2020، وذلك بعد مصادقة مجلسي البرلمان عليهما بالإجماع، بهدف إدراج المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء المغربية بشكل صريح في المنظومة القانونية الوطنية، وتثبيت الولاية القانونية للمملكة عليها، وسد الباب أمام كل الادعاءات المشككة في أنها لا تدخل في نطاق السيادة المغربية، وتحيين وتتميم الإحداثيات الجغرافية المتعلقة بخطوط الأساس وخطوط انسداد الخلجان على الشواطئ المغربية، على أساس المعطيات العلمية الجديدة، بما يمكن المغرب من تحديد مجالاته البحرية بشكل أكثر دقة وملاءمة مع مقتضيات القانون الدولي للبحار، في أفق تقديم الملف النهائي لتمديد الجرف القاري، وكذلك ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في عرض سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة، وإدراجها صراحة ضمن المنظومة القانونية الوطنية، وكذا حذف الإحالة إلى الخط الأوسط كمنهج وحيد لترسيم الحدود البحرية، والتنصيص على مبدأ الإنصاف الذي يعتبر أكثر تجاوبا مع مصالح المملكة وأكثر مسايرة للممارسة والقانونين الدوليين.
ويهدف القانون المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية إلى إدماج ملاءمة أحكام هذا النص مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار الموقعة بمونتيغوباي في 10 دجنبر 1982، وهو ما سيمكن الدولة المغربية، من خلال الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة، من إنجاز العمليات التقنية الخاصة بوضع خطوط الأساس الضرورية عرض البحر الإقليمي للمملكة وعرض المنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري، والتي تعتبر مرجعا لها. ويعد القانون ذا بعد سيادي باعتبار أنه يدمج المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء المغربية بشكل صريح في المنظومة القانونية الوطنية، وذلك لتثبيت الولاية القانونية للمملكة على هذه المجالات البحرية.
ويتعلق النص الثاني بالقانون المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، ويهدف إلى ملاءمة أحكام القانون رقم 1.18 مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار الموقعة بمونتيغوباي، وكذا مع الممارسات الدولية في مجال رسم حدود المجالات البحرية، من خلال مراجعة الفصلين الأول والحادي عشر وذلك للسماح بتوسيع الامكانيات المتاحة للتوصل إلى رسم الحدود عن طريق المزج بين كل الإمكانيات التي توفرها هذه الاتفاقية. ومن شأن هذا القانون، في صيغته الجديدة، أن يكون أساسا شاملا لأي تفاوض حول أي اتفاق، كما ينص هذا القانون، أيضا، على تغيير عنوان القانون رقم 1.18 ليصبح على النحو التالي: قانون رقم 1.18 يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري للمملكة المغربية.
وأشار وزير الخارجية، ناصر بوريطة، أثناء عرضه للقانونين أمام البرلمان، إلى المحددات التي كانت وراء إعداد وعرض هذه المشاريع في هذه الظرفية بالذات، وهي محددات يتداخل ويتقاطع فيها السياسي والقانوني والاقتصادي، وحتى الإجرائي التقني، حسب قوله، والتي تدخل في إطار حرص المغرب على الحفاظ على مصالحه العليا سواء على مستوى ترابه الوطني، وأيضا على المستوى الجيوسياسي بالمنطقة، وتأتي لملء الفراغ التشريعي الذي تتسم به المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية. وتطرق بوريطة إلى تنبيهات مجموعة من المصالح المغربية، من منطلق ممارستها الميدانية، إلى وجود ثغرات بالمنظومة القانونية المؤطرة للمياه الإقليمية المغربية، وأضحت، بالتالي، منطوية على العديد من المخاطر، مشيرا إلى أن بعض الشركات الأجنبية حاولت استغلال هذه الثغرات، من أجل البدء في عمليات التنقيب عن النفط في المناطق بين جزر الكناري والسواحل المغربية، في انتهاك صريح للمجالات البحرية المغربية قبالة طرفاية، وقال، في هذا الصدد، «لذا، فأول خطوة نبتغيها، من خلال التحيين القانوني، هي استكمال بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية، وذلك في أفق خطوات أخرى، منها استكمال بسط الولاية القانونية على المجال الجوي جنوب المملكة، حيث دخلنا في حوار ودي وصريح مع الدول المعنية بشأن التسوية النهائية لهذا الملف»، حسب بوريطة.
إسبانيا تشرع في توريد الغاز إلى المغرب عبر الأنبوب المغاربي
بدأت شركة «إيناغاس»، التي تدير شبكة الغاز في إسبانيا، بتصدير الغاز الطبيعي إلى المغرب عبر خط الأنابيب المغاربي- الأوربي، وسط خلاف دبلوماسي بين المغرب والجزائر، وفقا لبيانات الشركة، بعدما كان الأنبوب الذي يربط الجزائر بإسبانيا يتيح للمغرب الحصول على حصة من الغاز الطبيعي نظير مروره عبر الأراضي المغربية، قبل أن تقرر الجزائر وقف إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر ذلك الأنبوب بعد إعلانها من جانب واحد قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، لتشرع بعد ذلك إسبانيا في توريد الغاز إلى المغرب عبر الضخ العكسي، في الوقت الذي مارست الجزائر ضغطا كبيرا من أجل منع توريد الغاز الذي تصدره لإسبانيا إلى المغرب، بينما أكدت وزيرة الطاقة الإسبانية أنه «لن يكون الغاز الذي يحصل عليه المغرب تحت أي ظرف من الظروف من أصل جزائري»، وأضافت أن «تفعيل هذه الآلية نوقش مع الجزائر في الأشهر الأخيرة وتم إبلاغه لوزير الطاقة الجزائري».
وسارعت الجزائر إلى محاولة الضغط على مدريد من أجل عرقلة توريد الغاز إلى المغرب، ونقلت وسائل إعلام جزائرية أن «وزير الطاقة والمناجم الجزائري، محمد عرقاب، «تلقى بريداً إلكترونياً من نظيرته الإسبانية، تيريزا ريبيرا تبلغه فيه بقرار إسبانيا القاضي بترخيص التدفق العكسي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي»، فيما كشف التحرك الجزائري الأخير عن رغبة كبيرة من سلطات قصر المرادية في التضييق على المغرب، وذلك بعدما كانت الجزائر أوقفت إمدادات الغاز إلى إسبانيا عبر أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي الذي يمر عبر الأراضي المغربية، ويستفيد منه المغرب، ولم تجدد العقد الذي يربط شركة (سوناطراك) الجزائرية مع المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن.
وقررت الجزائر، العام الماضي، عدم تمديد اتفاق لتصدير الغاز إلى إسبانيا عبر خط أنابيب يمر بالمغرب المجاور، ما أوقف تقريبا كل إمدادات المغرب من الغاز، مع تدهور العلاقات بين الرباط والجزائر. وحذرت الجزائر مدريد من إعادة تصدير الغاز الجزائري إلى المغرب، بعد أن أكدت وزيرة الطاقة، تيريزا ريبيرا، وجود خطط لضخ الغاز عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا في الاتجاه العكسي، وبدء تصدير الغاز الطبيعي إلى المغرب، وقال متحدث باسم «إيناغاس» إن «عملية التصديق تضمن أن هذا الغاز ليس من أصل جزائري».
هذا وأعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن المغرب، الذي نجح لأول مرة في تاريخه في الولوج إلى السوق العالمية للغاز المسال، توصل من شركات عالمية بعشرات العروض تدارستها لجنة خاصة وسيوقع أول عقد بحر هذا الأسبوع.
وأفادت بنعلي، في معرض ردها على سؤال شفوي حول «الاستثمار وتطوير البنيات التحتية والأساسية لاستقبال الغاز الطبيعي من الخارج واستعماله في أفق تأمين السيادة الطاقية»، ضمن الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية بمجلس النواب، بأن هذه العروض خضعت لمسطرة مستعجلة ودقيقة للدراسة والتفاوض مع الشركات المعنية قادتها لجنة خاصة أحدثت لهذا الغرض.
وأبرزت الوزيرة أن المملكة وضعت خطة استعجالية لتلبية حاجياتها من الكهرباء، والتي تتطلب نصف مليار مكعب من الغاز الطبيعي، سنويا في المدى القصير، مشيرة إلى أن القدرة الإجمالية لتخزين المواد البترولية بالمغرب تبلغ 1.8 مليون طن، ما يغطي 57 يوما من الاستهلاك الوطني الإجمالي.
وأوضحت بنعلي أن مجمل كميات الغاز الطبيعي التي كانت تستورد من الجزائر كانت مخصصة حصريًا لإنتاج الكهرباء في محطتي تاهدارت وعين بني مطهر، وأشارت إلى أنه بالرغم من عدم تجديد العقود الخاصة بأنبوب الغاز المغاربي- الأوروبي، وإثر ذلك، توقف هاتين المحطتين عن الاشتغال، فإنه لم يلاحظ أي انقطاع أو عجز على مستوى تلبية احتياجات البلاد من الكهرباء.
وكشفت الوزيرة عن الإجراءات المتخذة لتحصين السيادة الطاقية للمغرب، من خلال العمل على وضع خطة استعجالية في ما يخص الغاز الطبيعي، بهدف تلبية حاجيات توليد الكهرباء والقطاع الصناعي، حيث يصل مجمل هذه الحاجيات، حاليا، إلى نصف مليار متر مكعب سنويا على المدى القصير.
وفي هذا الصدد، أبرزت بنعلي أن الوزارة اشتغلت على محورين اثنين، يخص المحور الأول الولوج، ولأول مرة في تاريخ البلاد، إلى السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال..، حيث تم نشر طلب العروض على المستوى العالمي لاستيراد الكميات اللازمة من الغاز المسال عبر البواخر. وأكدت الوزيرة أنه رغم الظرفية الصعبة التي يعرفها العالم في مجال الطاقة، فقد توصل المغرب من طرف كبريات الشركات العالمية لإنتاج وتسويق الغاز الطبيعي بعشرات العروض التي تَنِمُّ عن التفاؤل في ما يخص الكميات المطلوبة وكذا الأثمنة. وخضعت هذه العروض لمسطرة مستعجلة ودقيقة للدراسة والتفاوض مع الشركات المعنية قادتها لجنة خاصة أحدثت لهذا الغرض.
أما المحور الثاني، تضيف الوزيرة، ومن أجل ضمان السيادة في هذا المجال، فإنه يتعلق بإنشاء بنية تحتية تسمح بضمان تحويل الغاز الطبيعي المسال فوق الأراضي المغربية. فهناك خيارات مطروحة، مثل إنشاء وحدة عائمة للتحويل، والعمل على المدى البعيد على تجهيز موانئ أخرى بوحدات أخرى لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الذي يعتبر عنصرا مهما في استراتيجية الانتقال الطاقي لما له من مزايا بيئية واقتصادية وفي عملية إصلاح منظومة الطاقة.
ثلاثة أسئلة لعتيق السعيد*:
«العلاقات المغربية الإسبانية تشهد انطلاقة دفعة غير مسبوقة من آليات التعاون المشترك»
1- ما مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية بعد مبادرة اعتراف إسبانيا بالحكم الذاتي، واعتباره بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية؟
اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، واعتبارها بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف المتعلق بالصحراء المغربية، يعتبر اعترافا تاريخيا غير مسبوق في العلاقات الإسبانية، كما يشكل قاعدة أساس لبناء علاقات مغربية- إسبانية جديدة أكثر وضوحا وطموحا تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل، تحقيقا للانخراط والتعاون الثنائي المستدام في إطار شراكة ثنائية تحفز من جهة على وضع تصور لخريطة طريق واضحة المعالم، ومن جهة ثانية تعزل وتسد الطريق على كل الذين حاولوا التشويش وخلق النعرات، بهدف عدم توحيد وتجويد هذه العلاقة رفيعة المستوى.
وبالتالي يمكن القول إن الاعتراف بعدالة القضية الوطنية يعتبر رسالة إلى جميع أعداء الوحدة الترابية للمملكة، الذين ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا، وأيضا كل الذين لم يستوعبوا بعد، أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، الذي يشهد انتصارات مستمرة للدبلوماسية الناجعة والمتبصرة بفضل حكمة ورؤية جلالته الاستشرافية للوقائع، والتي دفعت الانتقال من مرحلة تحصين المكتسبات- بخصوص القضية الوطنية- إلى مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي في مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل، وبالتالي اعتراف إسبانيا يجعل كل الدول التي ظلت مترددة في مواقفها مطالبة اليوم بإعادة النظر بشكل شامل في نظرتها للمغرب، الذي تقدم كل الحجج والبراهين التي تؤكد عدالة القضية الوطنية.
ويعتبر اعتراف الجارة الإسبانية بالحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل، وكذا استيعاب أهمية القضية الوطنية بالنسبة إلى المغاربة ملكا وشعبا، هذا الموقف تأكيدا صريحا من إسبانيا لباقي دول الاتحاد الأوروبي على أنها قوية بالشرعية التاريخية والحجج القانونية، كما ظل وفيا لمبادئه لم يغير توجهه السياسي والاستراتيجي، أو طريقة تعامله مع مختلف القضايا الدبلوماسية، وإنما كان ولا يزال حريصا على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، مع دول الجوار وامتدادا منها إلى باقي الدول الأوروبية، وهو المنطق نفسه الذي يتوج اليوم بشكل فريد السعي إلى بناء أسس متينة وجديدة في العلاقة معها.
إن موقف إسبانيا يعتبر اعترافا بارزا في تاريخ العلاقات الإسبانية، كما يشكل قاعدة أساس لبناء علاقات مغربية- إسبانية جديدة أكثر وضوحا وطموحا تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل، تحقيقا للانخراط والتعاون الثنائي المستدام، كما يعكس هذا الموقف مواقف أخرى متطابقة لموقفها بدول الاتحاد الأوروبي، وهو نفسه الذي تؤمن به ألمانيا وفرنسا، حيث تتطلعان إلى المساهمة في تسوية هذه القضية العادلة التي طال أمدها.
2- هل دخل المغرب وإسبانيا مرحلة جديدة في علاقات التعاون في مجالات الهجرة والتنمية المستدامة؟
بلادنا بقيادة جلالة الملك محمد السادس تتطلع دائما بصدق وتفاؤل إلى مواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، لما يجمعهما بشكل وثيق من أواصر المحبة، والتاريخ والجغرافيا، والمصالح والصداقة المشتركة بين شعبين يتقاطعان في المصير نفسه والطموح المتبادل، من أجل ذلك تجد إسبانيا كل الفرص متاحة بغية التطلع إلى العمل من أجل التصدي للتحديات المشتركة، سيما التعاون من أجل تدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والعمل على الدوام في إطار روح من التعاون المتكامل.
وعليه يمكن القول إن العلاقات المغربية الإسبانية تشهد اليوم إطارا جديدا كليا، يتضمن ويتوفر في الوقت ذاته على كافة مقومات الآفاق الواعدة، التي ستدفع نحو تعزيز روابط الشراكة المفتوحة على كل جوانب التعاون، المؤطرة بأسس ومحددات واضحة ودقيقة، خاصة بعد موقف إسبانيا التاريخي الذي حظي بترحيب المفوضية الأوروبية، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، والمتحدث باسم الأمم المتحدة، والذي أيضا يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يمثل قناعة بناءة للمساهمة في تنزيل الحكم الذاتي كحل نهائي للقضية الوطنية.
إن المرحلة الجديدة في العلاقات الثنائية تمثل الانتقال الفعلي/ العملي الجاد والصريح نحو تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقات التنموية بين البلدين، كما تعكس الحرص المتبادل للجارتين على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة تفضي إلى الثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق تحقيقا لأعلى مستويات الانخراط والتعاون الثنائي المستدام، في إطار شراكة ثنائية متكاملة تغطي جميع القطاعات والقضايا المشتركة.
3- ما آفاق المرحلة الجديدة من العلاقات الثنائية في سياق إقليمي يشهد العديد من المتغيرات؟
حقيقة هذه المرحلة الجديدة من العلاقات تبعث رسائل صريحة من إسبانيا إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي، على أنها قوية بالشرعية التاريخية والحجج القانونية، وأن المغرب ظل وفيا لمبادئه لم يغير توجهه السياسي والاستراتيجي، أو طريقة تعامله مع مختلف القضايا الدبلوماسية، وإنما كان وما زال حريصا على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، مع دول الجوار وامتدادا منها إلى باقي الدول الأوروبية، وهو المنطق نفسه الذي يتوج اليوم بشكل فريد السعي إلى بناء أسس متينة وجديدة في العلاقة معها.
كما يعتبر نجاح هاته العلاقة بين الدولتين رسالة إلى جميع أعداء الوحدة الترابية للمملكة، الذين ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا، وأيضا كل الذين لم يستوعبوا بعد أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، الذي يشهد انتصارات مستمرة للدبلوماسية الناجعة والمتبصرة، بفضل حكمة ورؤية جلالة الملك الاستشرافية للوقائع، والتي دفعت الانتقال من مرحلة تحصين المكتسبات – بخصوص القضية الوطنية- إلى مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي في مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل، وبالتالي اعتراف إسبانيا يجعل كل الدول التي ظلت مترددة في مواقفها مطالبة اليوم بإعادة النظر بشكل شامل في نظرتها للمغرب، الذي يقدم كل الحجج والبراهين التي تؤكد عدالة القضية الوطنية.
المغرب كان ولا يزال شريكا أساسيا موثوقا لإسبانيا، وسيواصل العمل بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات بناءة، وداعما رئيسيا للقضايا المشتركة في مختلف الأوضاع والظروف، ضمن الأولويات والانشغالات الرئيسية للمغرب، الذي ما فتئ يؤكد بالملموس تبني اليد الممدودة، برهن بحكمة عن ديمومة التعاون في سبيل حل الأزمات التي تواجه القارة.
*عتيق السعيد الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي