شوف تشوف

الرأي

155 شهيدا سعوديا في فلسطين

محمد أمين
لا يمكن فهم فائض الإنتاجات الدرامية الخليجية عن اليهود، والتطوع المجاني غير المفهوم لتبرئة الصهاينة من جريمة اعترف بها يهود من أبناء جلدتهم، وصححوا بوصلتهم، وتحولوا إلى ناشطين ومناضلين من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية، بينما في المقابل يصر بعض أبناء الجزيرة العربية على أن يكونوا يهودا أكثر من اليهود أنفسهم.
لا يوجد تفسير منطقي سوى أن تلك الأعمال الدرامية جزء من حملة وتوجه سياسي عام في تلك البلاد، بات مفضوحا يسابق فيه صناع القرار هناك الزمن، لتقريب اللحظة غير التاريخية من إعلانهم التطبيع الكامل مع إسرائيل.
وتنبغي الإشارة إلى أن تلك المسلسلات والأعمال الدرامية لا تمثل إلا فئة قليلة من ممثلين ومنتجين، ينفذون أجندات سياسية، ولا يمثلون أدوارا فنية، كما أنهم بالضرورة لا يعبرون عن موقف، ولا ضمير الشعوب الخليجية، ووجدانها التواق لفلسطين ومقدساتها، تلك الشعوب التي كانت في طليعة الداعمين للفلسطينيين وقضيتهم، وهبوا مبكرا للدفاع عن مقدساتها بالدم والمال، وما زالوا على الموقف ذاته، والوفاء والدعاء، إلا أنهم مغلوبون على أمرهم.
«أم هارون» و«مخرج 7» مسلسلان يشتملان على إساءة متعمدة لمرحلة سياسية وحقبة مهمة مرت بها المنطقة العربية، خاصة قضية فلسطين.
ففي «أم هارون» محاولة لتقديم خدمة مجانية لإسرائيل وبنيامين نتنياهو بإظهار صورة معاناة المرأة الإسرائيلية، وحشد التعاطف معها، بهدف تحقيق تعاطف عربي وصناعة رأي عام، يدعم ويتقبل قيام نتنياهو بضم الضفة الغربية، وتهويد القدس، وشطب حق العودة، فهو يقوم بمحاولة تعويض الإسرائيليين عما عانوه. هذه صورة ليست مغلوطة تاريخيا فقط، بل فيها أيضا تبن رخيص للرواية الإسرائيلية التي تحاول قلب التاريخ، وتصوير الفلسطيني بأنه هو المجرم، وأن الإسرائيلي هو الضحية، كأن الدولة التي قامت عام 1948 كانت دولة فلسطينية قامت على أنقاض الأراضي الإسرائيلية، وليس الصهاينة هم من أقاموا دولتهم على أراضي الشعب الفلسطيني العربي ومقدساته العربية والإسلامية، وقتلوا وهجروا الفلسطينيين أصحاب البلاد.
ويحاول المسلسل كذلك الحديث عن الأراضي اليهودية، والأملاك اليهودية في الدول العربية، وكأنه يمهد لشرعنة تقديم تعويضات عربية للإسرائيليين، وهو الأمر الذي ربما يمهد لتبرير الأموال العربية، التي رصدت في صفقة القرن، حيث كُشف في الصفقة عن استعداد دول خليجية لتقديمها في سياق ما يسمى «السلام الاقتصادي»، وضخ الاستثمارات المشتركة مع إسرائيل، وهي الأموال التي وقف نتنياهو إلى جانب ترامب ليشكر دولا خليجية على سخائها معه. باختصار وفي نقاط تعكس تلك الأعمال أمرين:
الرغبة في التطبيع مع إسرائيل، ولتحقيق هذا المبتغى يتم استدعاء حوار يقصد منه الممثلان تشويه صورة الفلسطيني، وإظهاره كعدو والدفاع عن الإسرائيلي وإظهاره كصديق.
جهل تام بالتاريخ والجغرافيا، وهنا مكمن المشكل، فالعدو ليس الفلسطينيين، بل الجهل الذي جعل عملا دراميا يهبط لهذا المستوى من السخف للأسباب التالية:
ـ العدو الحقيقي هو من سلب منك 500 مليار دولار، ولم يكتف بذلك بل يواصل يوميا توجيه الإهانات والشتيمة والابتزاز للدولة، التي أخذ منها المال، وبالتالي أتفق مع الممثل في المقطع ضمن مسلسل «مخرج 7» الذي قال فيه إن «العدو هو من لا يقدر وقفتك معه، ويسبك ليل نهار، والفلوس التي أخذها حنا أحق بهذي الفلوس منه». وبالفعل السعودية دفعت لترامب أكثر من 500 مليار دولار، وحرقت أسعار النفط لأجل عينيه وهو يشتمها صباح مساء.
ـ العدو كذلك هو من اشتريت منه الأسلحة، ثم ترك صواريخ الحوثي تتساقط على أكبر وأهم منشأة نفطية لديك، من دون أن يحرك ساكنا، أو على الأقل يدافع، بثمن ما حلب من مال.
ـ من يدافع عن مقدساتك الإسلامية، ويدفع دمه ثمنا لذلك، ليس عدوا، بل هو مناضل في الميدان، واجبك أن تدعمه لا أن تُخونه.
ـ الفلسطينيون ليسوا المسؤولين عن احتلال فلسطين ومقدساتها، بل ما تسبب في ذلك هو هزيمة الجيوش العربية، في مواجهة عصابات صهيونية، الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة مبكرة عن أجندة الدول العربية وقتذاك.
ـ الفلسطينيون لم يبيعوا، بل سطروا، وما زالوا أروع فصول ثورة، تتدارسها الأجيال والحركات التحررية الوطنية.
ـ لتعرف كيف «باع الفلسطينيون بيوتهم» اقرأ ما خطه المجاهد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في رسالته للجامعة العربية المؤرخة في 6 أبريل 1948، الفلسطينيون لم يكونوا العصابات الصهيونية التي خانت وانقلبت على أصحاب الأرض، بل كانوا أصحاب الأرض، التي احتضنت العرب واليهود وأديانا وأجناسا من شتى بقاع الأرض.
ـ لم يكن الفلسطينيون من يحكم الضفة وغزة عام 1967، عندما احتلها الصهاينة.
ـ ابحثوا واقرؤوا عن 155 شهيدا سعوديا سقطوا دفاعا عن فلسطين ومقدساتها، من إبراهيم محمد العسيري إلى محمد سعيد الحربي، والقائمة طويلة تضم 500 متطوع سعودي موثقة أسماؤهم لدى مركز المعلومات الفلسطيني.
-الفلسطينيون يدافعون بدمائهم عن مقدسات عربية وإسلامية، ولن يتنازلوا لأن تلك المقدسات ملك للأمة العربية والإسلامية، وليست ملكا للفلسطينيين وحدهم، فدعمهم واجب وطني، وليس صدقة، أو منة، كما أنهم لا يجبرون داعميهم على فعل ذلك، يطلبون فقط ممن اختار أن لا يدعمهم، أن لا يكذب ويزور.
لا أريد الاستطراد في السرد، يكفي أن القناة الـ12 العبرية، أشادت بمسلسل «مخرج 7»، ورأت فيه تشجيعا على التطبيع.
أخيرا إذا كنتم ترغبون في التطبيع، فلن يكفيكم فقط تشويه صورة الفلسطيني، لديكم مهمة صعبة أخيرة وهي تغيير القرآن الكريم، الذي خص فيه المولى الأقصى في الآية الأولى من سورة الإسراء: «سُبْحَانَ الذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إنهُ هُوَ السمِيعُ البَصِيرُ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى