111 مشروعا لتشغيل الشباب العاطلين عن العمل
طانطان: محمد سليماني
كانت كل المؤشرات قبل سنوات تشير إلى اقتراب تصاعد وتيرة احتقان اجتماعي بمدينة طانطان، ولعل أهمها إغلاق باب التوظيف المباشر الذي كان لسنوات عديدة أمل عدد من حاملي الشهادات العليا، غير أن صعود حكومة بن كيران وإغلاق هذا الباب، دفع الكثيرين إلى الخروج إلى الشارع احتجاجا على غياب فرص الشغل كبديل ينقذهم من براثن العطالة ما يزيد من صعوبة الوضع، خصوصا بطانطان التي تفتقر إلى استثمارات خاصة بإمكانها استيعاب الأعداد المتزايدة للمعطلين. مشاريع عديدة رأت النور بعد ذلك، فغيرت مجرى حياة مجموعة من العاطلين حاملي الشهادات.
الثقة أولا
بعد سلسلة من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات المتواصلة عبر شوارع المدينة ومقرات النقابات والأحزاب، لجأت السلطات الإقليمية عبر باشا المدينة إلى فتح حوار مع المحتجين بشكل مباشر، أولا من أجل إقناعهم بفكرة نهاية عهد التوظيف المباشر. بعد أربعة أشهر من اللقاءات المغلقة داخل الباشوية، تم تشكيل لجنة مشتركة من المعطلين والسلطة المحلية من أجل اقتراح مشاريع في إطار المشاريع المدرة للدخل، خصوصا وأن المذكرة التوجيهية لوزير الداخلية أدخلت المعطلين للاستفادة من هذا النوع من المشاريع. هكذا إذن تم تبنت السلطات الإقليمية المبادرة، واهتدت إلى فكرة شك في جديتها في البداية كل من سمعها، ألا وهي تقديم دعم مالي لمجموعة من الشباب العاطلين عن العمل من أجل إقامة مشاريعهم الذاتية في المجالات التي لهم معرفة بها أو يفقهون فيها. الفكرة طرحها المعطلون على النقاش في ما بينهم، ليتم الاتفاق بعد ذلك على الانخراط فيها، بل إنهم هم أنفسهم من اقترحوا المشاريع التي يريدونها.
المنهجية أنقذت المشاريع
بعد سلسلة من الحوارات المتواصلة لأشهر، وبعد الاقتناع بجدوى الانخراط في مشاريع التشغيل الذاتي، واجه السلطات أمر البحث عن مصادر التمويل. ففلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تقوم على ضرورة أن يؤدي المستفيد 30 في المائة من قيمة المشروع، فيما 70 في المائة تقدمها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. عمالة طانطان خصصت مبلغا ماليا ضخما قيمته 28 مليون درهم لهذه المشاريع. وفي تفاصيلها خصصت 19 مليون درهم ل 73 مشروعا خاصة بمدينة طانطان المركز، فيما 9 ملايين درهم خاصة ببلدية الوطية. أمام عجز العاطلين عن توفير مبلغ 30 في المائة من قيمة المشاريع، دخلت السلطات الإقليمية من جديد على الخط، وقامت بإدخال كل من المجلس الإقليمي للمدينة، وبلديتي طانطان والوطية، حيث تعهدوا بتقديم 20 في المائة من مبلغ المشاريع. ورغم ذلك فقد عجز العاطلون عن توفير 10 في المائة المتبقية، هنا دخلت من جديد مؤسسة للقروض الصغرى بعد إقناعها، حيث منحت هذه النسبة المالية بعدما انتظم المعطلون في إطار شركات أشخاص بفوائد تفضيلية لا تتجاوز 12 في المائة.
التنزيل العلمي للمشاريع
بعد التغلب على مشكل التمويل الكامل لكل المشاريع المقترحة، والتي تتراوح قيمة كل مشروع منها ما بين أقلها 70 ألف درهم وأعلاها 470 ألف درهم، بدأت مرحلة التنزيل العلمي للمشاريع. وكأي مشروع لابد له في البداية من دراسة حول جدواه أولا، ودراسة حول السوق ثانيا، ودراسة حول إمكانيات حامل المشروع الشخصية والسيكولوجية، ومدى قدرته على إنجاح مشروعه، كي لا يكون مصيره الفشل أو يولد ميتا. فأسندت عمليات دراسة المشاريع وتكلفة كل واحد منها، ثم نقط القوة والضعف فيها إلى مكتب دراسات يديره أحد أبناء المدينة المتخصصين في تدبير وإحداث المشاريع، حيث استمرت الدراسات لشهرين من أجل الوقوف على دقائق الأمور ومسارات إنجاح هذه المشاريع كي تكون عبرة لبقية المعطلين الذين يتوجس البعض منهم من فشل التجربة. ثم بعد ذلك خاض حاملو المشاريع شهرين متتابعين من التكوينات حول تأسيس شركات التضامن وتتبع عملها وسبل تقويتها وإنجاحها وحول فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. بعد تنزيل المشارع على الأرض، بدأت مرحلة أخرى للمواكبة والمصاحبة تحسبا للعراقيل المحتملة والاكراهات التي قد تعترض أصحاب المشاريع في مرحلة الانطلاقة.
مبادرة ملهمة ومحرجة
بعد خروج المشاريع إلى أرض الواقع، واستفادة العاطلين الذين كانوا يحتجون في الشوارع، وعدد من العمال والمستخدمين الذين وجدوا مناصب عمل قارة، تقدم من جديد مجموعة من حاملي المشاريع ب 350 طلبا من أجل إقامة مشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وبحسب بعض المعلومات فإن اتصالات تجري حاليا على قدم وساق من أجل إقناع مؤسسة محمد الخامس للتضامن للدخول كشريك لتمويل المشاريع المقبلة، عبر توفير التمويل اللازم لضمان ديمومة المشاريع واستمراريتها. من جهة أخرى سببت المبادرة التي اتخذت على مستوى طانطان إحراجا لعدد من العمالات الأخرى بالأقاليم الجنوبية، وذلك لأن عمالة طانطان مولت مشاريع كبيرة منها اقتناء شاحنات لنقل الأسماك بـ 47 مليون سنتيم، ومطبعة بـ 23 مليون سنتيم ومشروع لغسل السيارات بـ 20 مليون سنتيم ومشروع لتعليم السياقة بـ 21 مليون سنتيم، ثم مخبزة بـ 40 مليون سنتيم، في حين أن بعض العمالات بالجنوب لا يتجاوز تمويلها للمشاريع المدرة للدخل 100 ألف درهم، كما أن عددا منها لم ينفتح على فئة العاطلين حاملي الشهادات العليا. الحسين حميدة، أحد المستفيدين من مشروع إقامة قاعة للأفراح والحفلات رفقة شريكته وهي حاصلة على الإجازة أيضا، دعمتهما المبادرة بمبلغ قدره 154 ألف درهم. يقول في تصريح لـ “الأخبار”، “في البداية كنا فاقدين للأمل، حتى كدنا أن نتخلى عن فكرة المشروع، غير أن الأمر سرعان ما أصبح حقيقة، حيث تم تقديم الدعم المالي لنا، وفتحنا مشروعنا، بل أكثر من ذلك ساعدتنا السلطة المحلية في الحصول على أول عمل، حيث قمنا بالتكفل بتغذية رجال الأمن الذين جاؤوا لتأمين مهرجان “موسم طانطان”، وحصلنا على الرتبة الأولى من حيث الجودة في الأغدية. الآن تغير كل شيء، ومشروعنا يتطور يوما بعد يوم، خصوصا وأننا نخصص مداخلنا لاقتناء أثاث جديدة، في أفق أن نحصل على بقعة أرضية في إطار التفويت أو الكراء لبناء قاعة قارة ومطبخ قار”.