تزايد الفقر والبطالة وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وسحق الطبقة الوسطى
محمد وائل حربول (متدرب)
على بعد أقل من أسبوعين عن الاستحقاقات الانتخابية، التي أكد الملك محمد السادس خلال خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب على مدى أهميتها، باعتبارها ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لخدمة مصالح المواطنين والدفاع عن قضايا الوطن، والتي تتزامن مع مرحلة جديدة موسومة بتحديات داخلية وخارجية. ومع انطلاق الحملة الانتخابية رسميا، تكون قد مرت عشر سنوات من تدبير حزب العدالة والتنمية للشأن العام، حيث حملته رياح ما عرف وقتها بـ -الربيع العربي- دون سابق إنذار، لقيادة حكومتين متتاليتين بعد الدستور الجديد لسنة 2011، الذي منح صلاحيات جديدة وموسعة لرئاسة الحكومة.
هي تجربة لها ما لها وعليها ما عليها، يحاول هذا الملف استجلاء حقيقة 10 سنوات من قيادة الحكومة من طرف حزب إسلامي، مع طرح أسئلة موضوعية وحيادية، حول هذه التجربة الفريدة من نوعها على المستوى العربي، حول ما قدمته حكومتا بنكيران والعثماني للشعب المغربي، وهل نجحتا في مهامهما، أم أنهما فشلتا في ذلك ولم تحققا ما وعدتا به المغاربة. للإجابة عن كل أسئلة الملف، توجهت «الأخبار» صوب أساتذة جامعيين ومحللين سياسيين متخصصين في الأحزاب السياسية والعمل البرلماني، فضلا عن أساتذة جامعيين ومحللين اقتصاديين وماليين غير منتمين.
في الثالث من يناير 2012 عين الملك محمد السادس الحكومة الجديدة، التي انبثقت عن التموجات الإقليمية وعن دستور 2011 الجديد، بقيادة عبد الإله بنكيران عن حزب العدالة والتنمية، الذي فاز وقتها بالانتخابات التشريعية، حيث تحصل الحزب حينها على 12 حقيبة وزارية، قبل أن يشهد مطبات خلال ولايته الأولى، كان أبرزها انسحاب الحليف الأول لـ«البيجيدي»، حزب الاستقلال، بقيادة حميد شباط. عدها حقق «المصباح» الفوز في الانتخابات التشريعية الثانية في ظل الدستور الجديد، ولم يتمكن الحزب من تكوين الحكومة خلال مدة 5 أشهر، ما أدى إلى الاستغناء عن بنكيران من طرف إخوانه، وتغييره بسعد الدين العثماني، وزير الخارجية في الحكومة الأخيرة، ما أعطى انطباعا أوليا عن المطبات التي ستشهدها هذه الحكومة خلال أربع سنوات ونصف السنة مما تبقى من ولايتها.
العدالة والتنمية لم يكن مؤهلا بعد لقيادة الحكومة
في هذا السياق، يرى محمد شقير، المحلل السياسي، أنه تنبغي الإشارة أولا إلى أن تصدر حزب العدالة والتنمية قد أتى في سياق دولي، قام على تشجيع الولايات المتحدة على إدماج مكونات الإسلام المعتدل في المجال السياسي، بموازاة محاربة مكونات الإسلام المتطرف والحركات المتشددة. في حين على الصعيد الإقليمي كان لتداعيات الربيع العربي تأثير على فسح المجال لتولي أحزاب إسلامية معتدلة تسيير الشأن العام، كحزب النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر، في حين شكل عدم نزول حزب العدالة والتنمية بزعامة بنكيران للمشاركة في مسيرات حركة 20 فبراير صفقة سياسية مع الحكم، للتأهل لتسيير الشأن الحكومي الذي منح فيه أول دستور في عهد الملك محمد السادس برئاسة الحكومة، صلاحيات موسعة بما في ذلك صلاحية التعيين في بعض المناصب الإدارية السامية.
ويستدرك المحلل السياسي شقير بالقول، لكن يبدو أن «البيجيدي» لم يكن مؤهلا لهذا الوضع، الشيء الذي ظهر من خلال عدم تمكن الحزب المتصدر للحكومة، من مواجهة الفساد الذي كان يطالب بإسقاطه، وفشل في تحقيق ذلك من خلال تصريح رئيس الحكومة بنكيران آنذاك، بـ(عفا الله عما سلف)، وفشله ايضا في تحقيق نسبة نمو تبلغ 7 في المائة، بالإضافة إلى ارتكاب بعض وزرائه أخطاء جسيمة، أدت إلى إقالته، كما وقع لوزير الخارجية آنذاك الدكتور سعد الدين العثماني. إلى جانب ذلك، فقد اتخذ رئيس الحكومة بنكيران قرارات لاشعبية أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية لأوسع الفئات المتوسطة، من خلال الاقتطاع من أجور الموظفين لإصلاح صندوق التقاعد، بالإضافة إلى أن رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية لإصلاح صندوق المقاصة، قد زاد من تردي الوضعية الاجتماعية لهذه الفئات، ناهيك عما عرفته بعض الأقاليم بالمملكة من احتجاجات اجتماعية وشعبية بسيدي إفني وجرادة وزاكورة.
غير أن هذا، لم يمنع من أن يعاد تصدر حزب العدالة والتنمية للحكومة، بعدما تم تعويض بنكيران بالعثماني، الذي فشل في الحفاظ على تماسك الأغلبية الحكومية، بحيث إن ضعف تسييره لمكونات الحكومة جعل الأخيرة تتحرك بشكل غير متناسق وتدخل في تنافس سياسي وانتخابي سابق لأوانه. في حين عرفت مكونات حكومة العثماني عدة صراعات بين وزراء وكتاب دولة جعل بعضهم لا يمارس مهامه بشكل عادي، الشيء الذي جعل بعض الأحزاب تنسحب من الحكومة، كحزب التقدم والاشتراكية الذي تموقع إلى جانب المعارضة، وقد أثر ذلك كله على صورة حكومة العثماني، خاصة أثناء جائحة كورونا.
هل سيقود «البيجيدي» الحكومة لولاية ثالثة؟
يرى محمد زين الدين، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أن الدولة أو المجتمع غير قادرين على تحمل تجربة ثالثة من تسيير «البيجيدي» للحكومة، بسبب التدبير السيئ خلال ولايتين حكوميتين، بالرغم من أن الدستور خول لرئيس الحكومة صلاحيات جد واسعة تمكنه من تدبير الحكومة. فحزب العدالة والتنمية أجهز بالفعل على الطبقة الوسطى، حيث إنه لم يقم بأي اجراء ضد الطبقة الغنية، بل إن كل إجراءاته الحكومية ذهبت في اتجاه الطبقة الوسطى والفقيرة، التي عانت من تبعات تدبيره بصفة كبيرة، على رأسها ملف المقاصة وملف التقاعد، وملف الأساتذة المتعاقدين والأطر الصحية، وهو ما يؤشر على تصويت عقابي ضد حزب «المصباح» في أفق الانتخابات المقبلة.
ومن الأسباب التي سردها الأستاذ محمد زين الدين عند سؤاله عن ولاية ثالثة لـ«البيجيدي»، أن منطق التشكيك الذي بدأ من البداية مع الحلفاء، وخطاب المظلومية، ودائما إلقاء اللوم على الآخر لأنه أبسط طريق للتملص من المسؤولية، سيكون سببا في عدم ترجيح كفة العدالة والتنمية في نيل رئاسة الحكومة لولاية ثالثة، لأن الحزب لديه صلاحيات كبيرة ممنوحة له من أجل ممارسة المسؤولية، ولم يستطع استثمارها كلحظة مفصلية، لأنه كي تستثمرها أولا يتوجب عليك بناء جسور ثقة بين الفرقاء، والعكس هو ما حصل. فحزب «المصباح» دخل في مشكل مع الاستقلال، خسر التقدم والاشتراكية، وخسر الأحرار، وخسر الاتحاد الاشتراكي منذ البداية، وهو كما قلت سيصعب كل هذا من تحصله على ولاية ثالثة. فضلا عن أن ما يثبت هذا التراجع، من طرف قيادات الحزب، هو أنه لم يطعن في انتخابات الأجراء، وكذلك بالنسبة إلى الغرف المهنية، ما يستشف منه أنه إقرار من حزب العدالة والتنمية بتراجع شعبيته.
ومن جهته، قال الأستاذ محمد شقير إنه جرى العرف السياسي بالمغرب بأنه لم يسبق لأي حزب أن تصدر الحكومة لأكثر من ولاية واحدة، فحتى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي قاد حكومة التناوب التوافقي لم ينجح في تصدر الحكومة لولايتين، حيث تم إبعاد اليوسفي من الوزارة الأولى رغم حصول حزبه على أغلبية عددية، واقتصر على مشاركة بعض وزرائه في حكومة جطو. وبالتالي فقد كان تصدر حزب العدالة والتنمية لولاية ثانية استثناء، ساعد عليه ضعف الأحزاب المنافسة، واستثمار مظلومية سياسية استغلها بنكيران للحصول على أكثرية عددية، لكن هذه الولاية أظهرت بشكل كبير الضعف المريع لتسيير العثماني للحكومة، الشيء الذي سيصعب من حصول الحزب على ولاية ثالثة، خاصة بعدما تراجع العديد من وزرائه عن الترشح للاستحقاقات القادمة، في حين أن مصداقية «البيجيدي» تراجعت، بعدما أخلف الحزب وعوده في محاربة الفساد، وكذا فقدان ثقة الفئات المتوسطة من موظفين ومهنيين، حيث ظهر ذلك من خلال النتائج الضعيفة التي حصل عليها مرشحو «المصباح» في الانتخابات المهنية والغرف.
10 سنوات عجاف
عند سؤاله، عن تدبير العدالة والتنمية لحكومتين متتاليتين، أوضح الأستاذ محمد زين الدين أن تدبير «البيجيدي» كان تدبيرا سيئا، حيث أرجع الأمر إلى عاملين أساسين في هذا التدبير «السيئ» لولايتين، فالعامل الأول يتجلى في ضعف الأطر التي يتوفر عليها الحزب، حيث لا يتوفر على كفاءات تقنية لها قدرات جيدة على حسن التدبير، وهذا بدوره راجع إلى عوامل منها، تقوقع الحزب على نفسه، وأنه يخلط بين الدعوي والسياسي، وبالتالي لا ينفتح على النخب التكنوقراطية القادرة على تدبير المرحلة بشكل جيد، ثم إنهم لم ينفتحوا على باقي الأحزاب السياسية، حيث عملوا بمبدأ من معي ومن ضدي، وبالتالي هذا ضيع عليهم فرصا كبيرة، وخير مثال يمكن أن نرى من يشتغل في الدواوين الوزارية، حيث اشتغل حزب «المصباح» بمنطق الولاء في التعيين، الذي يكون مفصلا على المقاس. ففي هذه اللحظات الأخيرة من عمر هذه الولاية الحكومية، صار الكل يهرول نحو تعيين الأعضاء المقربين منه، وهو ما نسميه نحن كأساتذة ومحللين سياسيين بـ«التبليص».
ثم العامل الثاني يتجلى في المناخ الذي تقلدوا فيه الحكومة، موجة الربيع العربي، مع العلم أنه كان بإمكانهم استثمار هذه اللحظة التاريخية بتكريس دولة الحق والقانون بما يمكن دولة الرفاه، وبما يمكن العدالة الاجتماعية، لكن ما وقع هو العكس تماما، فحتى شعاراتهم الرنانة لم يفعلوها ويطبقوها على أرض الواقع. فـ«البيجيدي» لم يتحل بالجرأة في اتخاذ القرارات، حيث كل إجراءاته ذهبت إلى الطرف الضعيف، على الرغم أن فئة عريضة من الطبقة الوسطى كانت قد ساندت الحزب عبر آلية التصويت، قبل أن ينقلب عليها العدالة والتنمية.
وفي هذا الموضوع، قال المحلل السياسي محمد شقير إن الوضعية الاجتماعية المتردية الأوسع للفئات المتوسطة، يتحمل حزب العدالة والتنمية مسؤولية تكريسها، خاصة وأن فترة تسيير بنكيران للحكومة ارتبطت بالاقتطاعات التي شملت أجور الموظفين والموظفات، التي تعتبر من بين مكونات القاعدة الانتخابية للحزب، بالإضافة إلى تكريس بنكيران لسياسة الخوصصة ساعتها، سيما تلك التي شملت دعم القطاع الخاص على حساب القطاع العام، في مجال التعليم والصحة. ولعل هذا ما زاد من نسبة الفقر والبطالة، في الوقت الذي ركز فيه الحزب على دعم بعض الفئات الهشة كشرائح الأرامل.
ويرى محمد شقير أيضا أن حزب «المصباح» لم تتوفر لديه الفترة السياسية الكافية، لكي يكون أطرا قادرة على تسيير الشأن الحكومي. فتداعيات حراك الربيع العربي سرعت من ركوب الحزب على موجة هذا الحراك، والمسارعة إلى الولوج إلى دواليب الحكومة، حيث ظهر الضعف الكبير في البروفايلات التي قدمها للتسيير الحكومي، إذ إنه باستثناء بعض القطاعات التقنية، فقد أسندت أهم الحقائب الوزارية لأطر أحزاب مشاركة في الأغلبية، بالإضافة إلى بعض وزراء السيادة الذين عينوا من طرف الملك.
تدخلات ملكية لتصحيح المسار
قال الأستاذ محمد شقير في هذا الصدد إن الدعوة الملكية لإرساء نموذج تنموي جديد، يرتبط بالأساس بتوجيهات ملكية تحدد المسار الاقتصادي والاجتماعي للدولة. غير أن محاولة القطع مع النموذج القديم ارتبطت نهايته بالحكومتين التي تصدرهما العدالة والتنمية، وهذا بلا شك انعكس سلبا على الحزب وشعبيته ومصداقيته، مما سيكون له تأثير على وضعه الانتخابي المقبل.
وفي هذا السياق قال الأستاذ زين الدين إنه أولا لم نشاهد ملفات لمحاربة الفساد تقدم بها «البيجيدي»، بل على العكس تنامت ظاهرة الفساد بتقارير وطنية على غرار تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتدهورت الخدمات الاجتماعية، كلها عناوين كبرى لفشل الحزب. فالعدالة والتنمية أهدر الزمن الإصلاحي في المغرب، ولولا تدخل جلالة الملك في مناسبات متعددة، لكان الحال غير الحال. وخير دليل تدبير الجائحة، حيث إن الملك اعتمد على لجنة هي التي أشرفت على الصندوق وعلى الاقتصاد الوطني، إذ لو أعطيت لـ«البيجيدي» لرأينا فشلا كبيرا. ولكي نوضح الفشل التدبيري للحزب، يمكن طرح المثال التالي، ففشل الحكومة في تدبير، إجرائي يومي بسيط، مثل ما حدث ليلة الهروب الأكبر بعيد الأضحى، خير دليل على أن «المصباح» لا يمكن الاعتماد عليه بتاتا، وما صياغة النموذج التنموي ووقوف الملك عليه بنفسه منذ بداياته الأولى حتى تقديمه، سوى دليل كذلك على فشل الحزب في التدبير.
حصيلة اقتصادية هزيلة
في الجانب الاقتصادي والمالي للحكومتين المتتاليتين بقيادة حزب العدالة والتنمية، يرى محمد الشرقي المحلل المالي والاقتصادي، أن «البيجيدي»، لم يتعامل بالشكل المطلوب أولا مع آفة القطاع الغير مهيكل، حيث لم تعلم حكومتا العدالة والتنمية أنه كلما كانت هيمنة للقطاع الغير مهيكل، يكون اقتصاد البلد غير مصنف، حيث إنه في المغرب يصل عدد المشتغلين في القطاع غير المهيكل إلى سبعة من أصل عشرة مشتغلين، حسب تقارير دولية ووطنية، وهو ما يخلق ثلاثة مستويات تكون نتائجها كارثية على اقتصاد البلاد.
فالمستوى الأول يتمثل في أن الدولة تخسر أموالا طائلة في عدم تحصيلها للضرائب، والمستوى الثاني هو الابقاء على هشاشة اجتماعية، وتكون تأثيراتها كبيرة جدا على كافة مناحي الحياة، من بينها الصحة والتعليم وذلك بسبب ما نسميه ب «الضمانات»، أي أن المشتغل في القطاع الغير مهيكل يشتغل مثلما يقول المغاربة «طالب معاشو» فقط، وهو شيء صعب ومخزي صراحة. فيما المستوى الثالث يتمثل في أن هذا النوع يضر كثيرا بالاقتصاد المنظم، وخير مثال على ذلك يتجلى من الناحية الاستثمارية وجلب المستثمرين الأجانب إلى المغرب، كون أن القطاع الغير مهيكل فوضوي وغير مقنن، ونتيجته هي خوف المستثمرين الأجانب، خوف الاقتصاد الرأسمالي الذي يميل إلى الاحتماء بالقانون والتشريعات والاتفاقيات الدولية، وهو ما فشلت فيه حكومتا «البيجيدي» فشلا ذريعا.
ويؤكد محمد الشرقي، أن العدالة والتنمية لم يعمل على العدالة المجالية والاجتماعية والجبائية، وهو ما يصح لنا أن نقول عليه صراحة بأنه (الحزب) الصورة التي خدشت المغرب على المستوى الدولي، فهذه التفاوتات التي كرست بقيادة «البيجيدي» للحكومة خلال العشرية الأخيرة، تبقى مسألة قرارات إدارية بسيطة، حيث يمكن الجزم أن الدولة من الفوق لديها إرادة قوية في تكريس التفوق والتطور في كل المجالات، وبقيت الكرة في يد الحكومة التي لم تستغلها الحكومتان السابقتان كما يجب. دون نسيان أن دستور 2011 منح مجموعة من الصلاحيات الاقتصادية في يد الحكومة ولم تستغلها على الشكل الأمثل، فعوض أن تتكلم الحكومتان المتتاليتان بقيادة «البيجيدي» بجدية وضبط الساعة، كانتا تتكلمان بطريقة «التهريش».
ومن جانبه، قال محمد جدري، المحلل الاقتصادي والمالي، إنه وللأسف، افتقدت سياسة «البيجيدي» لحلول مبدعة تمكنها من تشجيع الاستثمار، الصادرات و كذلك، تشجيع المنتوجات المحلية، وبالتالي، فقد كان الميزان التجاري و ميزان الأداءات في اختلال دائم مما حتم على الحكومة طيلة العشرية الأخيرة أن تتجه نحو المديونية، ضاربة بعرض الحائط مستقبل الأجيال القادمة، حيث إن المديونية وصلت اليوم إلى ما يقارب 80% من الناتج الداخلي الخام، مشكلة سابقة في تاريخ الاقتصاد المغربي.
أزمة الكفاءات داخل الحزب
بخصوص الكفاءات، قال الأستاذ محمد الشرقي إن العدالة والتنمية، ليس لديه بروفايل وزير بكفاءة عالية، لتسيير وزارة ضخمة على غرار وزارة الاقتصاد والمالية، على اعتبار أنها مهمة جدا، ويمكن ربطها تاريخيا، كمسألة أولى، بأن بيت مال المسلمين لم يكن يعطي تسييره لأي كان، وكمسألة ثانية، هو أن قطاع المال والاقتصاد قطاع تقني وليس قطاع سياسي، أو قطاع يمكن لأي كان تدبيره، كون المالية لديها ارتباطات عديدة جدا ومتشعبة، إقليميا ودوليا.
أعتقد أنه حان الوقت أن تكون لدينا حكومة قوية متماسكة، تحتوي على كفاءات جد عالية لمواجهة كل التحديات، فحتى لو كان البرلمان متوسط الكفاءة، فإن المجال لم يعد يسمح بتسيير الحكومة من طرف كفاءات متوسطة أو ذات مرجعية ماضوية.
ويرى الأستاذ محمد جدري، أنه اتضح جليا أن «البيجيدي» يفتقد للكفاءات الاقتصادية التي يمكنها أن تمده بأفكار و حلول مبدعة، من أجل انتعاش الاقتصاد المغربي، بل على العكس من ذلك، ظهر بالملموس أن قيادات «البيجيدي» ليس لها تجربة التسيبر على أرض الميدان، كلنا نتذكر 7% كمعدل نمو سنوي في برنامج الحزب سنة 2011، نتذكر كذلك، عندما صرح لحسن الداودي أنه يمكن المغرب أن يربح نقطتين للنمو فقط من خلال محاربة الفساد، نتذكر كذلك، فيديو شهير له طلب من خلاله أن يطبع المغرب النقوذ للخروج من جائحة كورونا ضاربا بعرض الحائط التوازنات الماكرواقتصادية(….) هذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن «البيجيدي» افتقد لكفاءات يمكنها أن تساعده للتفكير في رؤية اقتصادية بعيدة المدى.
قرارات عصفت بالطبقة الوسطى
أوضح محمد الشرقي في هذه النقطة، أن الطبقة الوسطى تضررت في العشرية الأخيرة وكانت العدالة والتنمية بالخصوص، تطلق النار على القدرة الشرائية لهذه الطبقة، في مواجهة الاختلالات المالية التي عاشت فيها الحكومتان، خاصة حكومة بنكيران، لأنه أن تأتي في خمس سنوات وتقوم بثلاثة إصلاحات دفعة واحدة، دمرت الطبقة الوسطى وعصفت بها. أولا إصلاح التقاعد سواء ما يخص المتقاعدين أو المقبلين على التقاعد، وهو ما أفرز تكسيرا لطبقة متوسطة واسعة، مدمرة قدرتها الشرائية. الإصلاح الثاني، تمثل في رفع الدعم عن المحروقات، التي كانت خطة كارثية جدا، أثرت سلبا على القدرة الشرائية لهذه الطبقة، التي هي ركيزة الديمقراطية والاستقرار. فيما الإصلاح الثالث، هو أنه عندما جاءت العولمة وآثارها لم يتم حماية هذه الطبقة وتوجيهها لشراء السلع المغربية عبر حمايتها أولا وتشجيعها ثانيا، وهذه الآلية أي التشجيع لم تستعمل لحماية الطبقة المتوسطة حيث وجدت نفسها قد أجهدت حقا، وهو ما دفع بوزير الصناعة ساعتها لإلغاء اتفاقيات ثنائية دمرت الاقتصاد المحلي على غرار الاتفاقية بين تركيا والمغرب.
يعني أن الطبقة أجهدت في الحكومتين، فحتى الأجور لم تتحسن، على اعتبار أن الحكومة الثانية للبيجيدي لم تلتزم في الحوار الاجتماعي وبالتالي لو أجمعنا كل هذه العوامل لوجدنا أن الطبقة المتوسطة غاضية جدا على الحكومتين المتتاليتين بقيادة «البيجيدي» وقراراتها التي ضربتها مباشرة دون غيرها.
ومن جهته، يرى محمد جدري المحلل الاقتصادي، أن حكومتي «البيجيدي» خلال الفترة الممتدة مابين 2012 و 2021، افتقدت للرؤية الاستراتيجية، بحيث، إنها كانت تقوم بما يصطلح عليه «إصلاحات» لكن، دون بعد نظر، نذكر على سبيل المثال، إصلاح صندوق المقاصة، إصلاح التقاعد، محاربة الريع…حيث إنها اكتفت في محاربة الريع، بنشر لوائح المستفيدين من الݣريمات، دون إجراءات موازية، فيما يخص إصلاح التقاعد، اكتفت بإصلاح مقياسي، تحمل وزره الموظف البسيط، لا على مستوى سن التقاعد، لا على معدل احتساب المعاش، لا على مستوى الاقتطاعات، أما في ما يخص إصلاح المقاصة، فلم تقم الحكومة إلا بتحرير للقطاع دون مراقبة و لا محاسبة للفاعلين بالميدان، مما أدى إلى ضرب للقدرة الشرائية للمواطنين، و ارتفاع غير طبيعي في أرباح الشركات.
مصلحة الوطن تقتضي التغيير
يرى الأستاذ محمد الشرقي في نقطة ولاية ثالثة للبيجيدي، على رأس الحكومة، أنه من مصلحة الوطن علينا أن نغير في إطار الاستمرارية والديمقراطية، بسبب بسيط هو لو أخذنا من الجانب الديمغرافي سيكون المغرب بلد المسنين، بعد أزيد من عشر سنوات من الآن، ونظرية البنك الدولي تقول Avant) (d’être vieux il faut être riche ومعناه أن الكفاءات التي تمتلكها اليوم البلاد يجب استغلالها بأن تعمل أقصى ما تستطيع حتى ينمو البلد في أقل وقت ممكن، حيث تبقت أمامنا حوالي 10 حتى 15 سنة، وهو ما يحتم علينا مضاعفة السرعة والوتيرة التي تمشي عليها البلاد، والمرور إلى نمو يصل حتى 7 في المائة سنويا، أي أخد العبرة من آسيا، عوض 2 في المائة التي مشت عليها حكومتا «البيجيدي»، أي ليس من حقنا تضييع الوقت وسط التبرير، مثلما حدث مع حكومتي العدالة والتنمية، لذلك أقولها أمام التاريخ إن من مصلحة الوطن تغيير «البيجيدي»، وعدم ترؤسه الحكومة لولاية ثالثة.
فلو بقي «البيجيدي» على رأس الحكومة ستكون كارثة، بغيرة وطنية أقولها، لقد دخلنا في موجة العولمة الثانية، أي العالم دخل بسرعة كبيرة نحو التطور الاقتصادي والتكنولوجي، من الصعب أن تأتي وسط كل هذه التحديات المستقبلية الصعبة جدا وتسيرك حكومة ماضوية، ومن الصعب اليوم أن تغطي الفشل بتبريرات، ماضوية أيضا كالتماسيح العفاريت … وغيرها، كما دأب الحزب على فعل ذلك.
وقال محمد جدري أستاذ الاقتصاد، أعتقد أن مشروع العدالة والتنمية قد استنفد مخزونه الحكومي، و ذلك، لأسباب متعددة، نذكر من بينها، أن «البيجيدي» لم يستطع أن يوحد أغلبيته لا خلال حكومة بنكيران، و لا حكومة العثماني. نتذكر جيدا خروج حزب الاستقلال، نتذكر كذلك، التصريحات والتصريحات المضادة بين «البيجيدي» والأحرار، وصولا لفقدانهم لحليفهم التقليدي التقدم والاشتراكية. من جهة أخرى، الدولة المغربية في حاجة لنفس جديد يضخ دماء جديدة في الحكومة بأفكار جديدة و حلول خلاقة و مبدعة، بحيث، يصعب على من تولى المسؤولية لأكثر من 10 سنوات أن يضخ هذه الدماء و الحيوية في العمل الحكومي. كما أن الحكومة في عهد العدالة والتنمية رهنت المغرب لأكثر من 10 سنوات، حيث إنها افتقدت للشجاعة والجرأة اللازمتين، للعمل من أجل إعطاء دفعة قوية للاقتصاد الوطني. لكن، للأسف، ظلت حبيسة إجراءات فردية لبعض الوزراء.
المشروع الملكي للحماية الاجتماعية
يعتبر الأستاذ والباحث الاقتصادي محمد الشرقي، أن الحكومة قدمت فقط تراجعات وتراكمات، حيث يمكن القول الحمد لله إنه نتوفر على ملك للتدخل، وأقوى دليل على ذلك هو التدخل الملكي في مجال الحماية الاجتماعية أولا، والتدخل الهام والسريع خلال جائحة كورونا منها إغلاق الحدود، توفير اللقاح بالمجان، فتح صندوق محمد السادس، حث الضمان الاجتماعي على منح رواتب للمتضررين، … وغيرها، كما لا يمكن أن ننسى الإعفاءات التي طالت وزراء خلال ولاية سعد الدين العثماني. فالمغرب يستحق حكومة أحسن، حيث يسير في طريق صحيح بفضل الملك فقط.
ويرى محمد جدري، أنه لولا حنكة عاهل البلاد، و إشرافه الشخصي، على مجموعة من الملفات، كملف الحماية الاجتماعية، أو مكافحة جائحة كورونا، لكانت تكون الحصيلة كارثية بكل المقاييس….يبقى المتضرر الأكبر من حكومات «البيجيدي»، هو الطبقة المتوسطة، حيث إن قدرتها الشرائية تدهورت بشكل كبير خلال العشر سنوات الأخيرة، دون أن تستفيد من امتيازات أو إجراءات لصالحها، لذلك أقر الملك بإعطاء نفس جديد عن طريق لجنة النموذج التنموي.
هل سيصوت المغاربة على «البيجيدي»؟
أجمع المحللون السياسيون والاقتصاديون، الذين توجهت «الأخبار» لسؤالهم حول إمكانية فوز العدالة والتنمية في الاستحقاقات القادمة، على صعوبة هذا الرهان، حيث خلص محمد شقير إلى أن هذا صعب، وغير ممكن، حيث أوضح أنه وبالرغم أن الحزب سيتموقع انتخابيا ضمن الأحزاب المتصدرة، إلا، أنه لا عرفيا ولا سياسيا يمكن أن يتصدر هذا الحزب الحكومة المقبلة نظرا لما أصابه من إنهاك سياسي نتيجة تدبيره للشأن الحكومي لولايتين وكذا لما تعرض له الحزب من انقسام داخلي، حيث سيدخل الحزب الانتخابات بصفوف مقسمة وسط غياب للعديد من قيادته وعدم ترشحها في الاستحقاقات القادمة، إلى جانب فقدان الحزب لجزء من شعبيته السياسية وقسم من قاعدته الانتخابية. بالموازاة مع ذلك هناك طموح أحزاب منافسة لتصدر الحكومة المقبلة وما تتوفر عليه من أطر متمرسة.
ويرى الأستاذ محمد زين الدين، أن فوز «البيجيدي» سيكون صعبا جدا، مرجعا ذلك بالقول إنه سيكون هناك تصويت عقابي ضد الحزب أولا، وأنا أسميه «ليلة الأربعاء الأسود» على «البيجيدي»، لأنه لو قمنا بعمل إسقاط بسيط فالاستقلال قام بأخطاء قليلة عكس «البيجيدي» في التدبير والتسيير وكان تصويت عقابي ونفس الشيء بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، لذلك أعتقد أن نفس الشيء سيقع مع المصباح، فضلا على الإنهاك الذي طاله جراء تدبيره لولايتين.