شوف تشوف

الرأي

يوم في مطار هواري بومدين

حسن البصري
قادتني دورة تكوينية للصحافة الرياضية المتوسطية إلى الجزائر قبل ست سنوات، بدأت أولى خيوط معاناتي من مطار الهواري بومدين، توقفت طويلا أمام شرطي الحدود.. تفحص جواز سفري وتعمق في ملامحي ثم سألني عن سر زيارتي للجزائر، فأعفيته من الجواب بإشهار دعوة من اللجنة المنظمة.
تبين أن الأمر في غاية الخطورة حين حمل جواز سفري وهرول إلى جهة غير معلومة، مسحت بعيني المطار، وحين التفت إلى الطابور الذي كان ورائي اكتشفت أن الجميع انفض من حولي، بعد ست دقائق عاد الشرطي الشاب مزهوا خلف رئيسه المثقل بالرتب، وبدون مقدمات طلب مني إحضار حقيبة سفري التي كانت وحيدة في معبر الحقائب، والالتحاق به في مكتبه، وقبل أن أسأله عن مكان المكتب فهم قصدي وكلف نفس الشرطي بمرافقتي.
أيقنت أن القضية فيها «إن وأخواتها»، لكنني تابعت طريقي خلف الشرطي صوب مكتب في عمق المطار، حيث كان ينتظرني جمركي تسمرت عيناه على حقيبتي.
طلب مني الرائد وهو يفتح جواز سفري، الجلوس على الأريكة، ثم بادرني بالسؤال:
ما هي المهمة التي جئت من أجلها إلى الجزائر؟
سلمته الدعوة التي وصلتني عبر بريدي الإلكتروني لعلني أختصر مساحات الكلام. بينما كان الجمركي منهمكا في تفتيش حقيبتي، وهو يتأمل قميص المنتخب المغربي الذي يحمل في ظهره اسم «بنعطية» ليقول لي:
على بالك بنعطية بوه مروكي والشيبانية دزايرية؟
قلت له:
تماما، في محاولة مني لتلطيف الأجواء، قبل أن يسألني الرائد:
يا بصري، أنت من عائلة إدريس البصري وزير الداخلية؟
قلت له بنبرة ساخرة:
البصري مات ولم يعد اسمه مرعبا
التفت إلى شرطي بزي مدني وطلب منه ملء استمارة تتضمن معلومات دقيقة حولي، قبل أن يستدرك ويطلب من شخص آخر إحضار قهوة لي.
تطلب ملء الاستمارة حوالي ربع ساعة، ولم تحضر القهوة، كنت كمن يجتاز اختبارا وعلى رأسه مراقب يحصي أنفاسه، سلمته الورقة وشرع رئيس شرطة الحدود في قراءتها بتمعن، ليطلب مني كتابة اسم الفندق الذي سأقيم فيه.
قلت له على الفور:
فندق ألبير الأول.
فانتفض وهو يتصنع حفاوة الاستقبال:
هذا فندق من ثلاثة نجوم مفروض تكونوا كصحافيين في فندق من خمسة نجوم، أنتم ستنقلون صورة الجزائر الجديدة، قبل أن يستدرك «إن من مزايا هذا الفندق وجوده في قلب العاصمة».
كان الرجل «يكوي ويبخ» فبموازاة مع حديثه عن حسن الضيافة وعن الجوار، ظل يتأمل آلة التصوير يحاول عبثا فتحها، قبل أن يناولها للجمركي الذي اقتحم أحشاءها ثم أعادها إلى حقيبتي اليدوية.
قبل أن يسمح لي بمغادرة مكتبه طلب من الشرطي التأشير على الجواز، ثم فتح الرئيس درج مكتبه وناولني شريحة هاتف «دجيزي» قال إنها هدية منه وأنها معبأة برصيد مكالمات يكفيه لأسبوع وهي مدة الإقامة في الجزائر.
في بوابة المطار تخلصت من تلك الشريحة خوفا من التصنت على مكالماتي، وتوجهت نحو سيارة أجرة نقلتني إلى الفندق الذي لا يبعد عن المطار إلا بحوالي نصف ساعة. لاحظ السائق انخراطي في سكون رهيب فبادلني الصمت بالصمت.
عند بوابة الفندق استقبلني عضو جزائري في المرصد الأورو متوسطي، رمى في وجهي السؤال التقليدي:
كيف مرت الرحلة من كازابلانكا لألجي؟
قلت له إن معاناتي بدأت حين وطأت قدماي مطار هواري بومدين، وكأن الرجل الذي يحمل المطار اسمه لم يمت وظل يبادل المغاربة العداء.
وضعت حقيبتي على السرير وبدأت أتفحص حاجياتي التي عبثت بها أصابع الجمركي، تمددت على السرير ويدي على ريموت كونترول الخاص بالتلفاز لكن الصورة تفتقد الوضوح كالوضع في الجزائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى