شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

يوم اهتزت فرنسا

 

 

يونس السيد

 

اهتزت فرنسا خلال الأيام القليلة الماضية على وقع جريمة مقتل الفتى نائل ذي الأصل الجزائري والبالغ من العمر 17 عاما، في حادث مروري على يد شرطي فرنسي، كان يمكن تجنبه ببساطة، لو كان الدم الذي يجري في عروقه أوروبيا خالصا، أو لو كانت جهات إنفاذ القانون تعمل على تطبيقه من دون تمييز.

لم يكن نائل سوى فتى مراهق، ربما خالف قواعد السير، لكنه سرعان ما ذهب ضحية العنصرية الدفينة في مؤسسة الشرطة، على غرار الكثير من المؤسسات المتشبعة بالثقافة الاستعلائية والتمييزية الممنهجة في الغرب، وتركت لتتعمق على مدار عقود، ضد الفئات الشعبية والفقيرة، دون أي تدخل من الدولة. ما أدى إلى اشتعال الغضب المتراكم ضد عنف الشرطة من شمال فرنسا إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ومعه أحرقت مئات المباني والمحال التجارية وآلاف السيارات وبعض محطات القطارات والمواصلات العامة وغيرها. واضطرت الدولة للجوء إلى القمع، واستخدام عشرات الآلاف من رجال الشرطة واعتقال المئات لإطفاء نيران الغضب المشتعلة في صدور المحتجين.

المسألة هنا لا تتعلق بما يسمى «مثيري الشغب»، بقدر ما تتعلق بالغطرسة وإنكار «عنف الشرطة» الناجم عن ثقافة يمينية مشوهة، تقوم على رفض الاعتراف بالتجمعات المهاجرة وتحسين ظروف الحياة للطبقات الشعبية الفقيرة، وبحث الأسباب التي أدت إلى انفجار الغضب المتراكم على هذا النحو، أو حتى القيام بمراجعة للثقافة العنصرية المتأصلة في أجهزة الشرطة والعمل على إصلاحها. وهي في الحقيقة ثقافة ممنهجة دأبت السلطات الفرنسية على تجاهلها منذ عقود، وها هي الآن تدفع الثمن، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية. أو كما عبرت عنها وسائل إعلام دولية أخرى، بأن فرنسا ربما كانت الآن «تواجه لحظة جورج فلويد» الذي قتل بدم بارد في مدينة مينابوليس الأمريكية عام 2020، وكأنها اسيقظت فجأة على عنف الشرطة العنصري.

وتوضح هذه الحقيقة منظمة المدافعين عن الحقوق بالقول، «إن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم من السود أو من أصل شمال إفريقي أكثر عرضة بنسبة 20 مرة لعمليات التحقق من الهوية من قبل الشرطة مقارنة بباقي السكان». في حين اعتبر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف أن «هذه فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون». لكن يبدو أن السلطات الفرنسية ليست في هذا الوارد، إذ رغم أن هذه الاحتجاجات هي الأكبر منذ احتجاجات «السترات الصفراء» عام 2018.

ورغم الاحتجاجات التي اندلعت على مدى الشهور الماضية ضد تعديل نظام التقاعد، حيث تحولت ممارسة التمييز العرقي إلى حقيقة يومية في فرنسا تندد بها جميع المؤسسات الدولية والأوروبية والمحلية، فإن هذه السلطات لا ترى وسيلة لإخماد تلك الاحتجاجات إلا بالقمع، الذي إن نجح مؤقتا، فإنه لن يخمد النار المشتعلة تحت الرماد، ولن يمنع انفجارا شعبيا شاملا مستقبلا، ما لم تبادر السلطات الفرنسية إلى عملية إصلاح جدية في مؤسسة الشرطة ومؤسسات الدولة على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى