يهودية دخلت مكتبة «الأعمدة» مساعدة فحولتها إلى صرح ثقافي
حسن البصري
ولدت راشيل مويال عام 1933 في مدينة طنجة وسط أسرة يهودية عائدة من إسبانيا، عاشت طفولتها وشبابها بين حي مرشان وشارع باستور، حيث فتحت عينيها على المحلات التجارية والمقاهي العريقة في هذا الشارع الذي كان يعد من الشرايين الهامة للمدينة في عهد الحماية الدولية.
انخرطت راشيل مبكرا في العمل الجمعوي، وأصبحت عضوا في المنظمات الطفولية اليهودية، كما انضمت إلى الرابطة الفرنسية للأدب، ما دفعها للتردد على مكتبة لا تبعد إلا بأمتار عن مقر سكناها، «مكتبة الأعمدة» المعروفة في الوسط الثقافي باسمها الفرنسي «ليكولون». لم تكن هذه المكتبة تقتصر على بيع وتسويق الكتب، بل كانت تمنح لساكنة المدينة فرصة للاستمتاع بالقراءة في هذا الفضاء الثقافي بسعر بسيط.
يذكر أهل طنجة حضور مويال المميز يوم 9 أبريل 1947 لاستقبال المغفور له محمد الخامس، وتحتفظ بصور هذا الحدث الذي تفتخر به في مذكراتها.
تقول مويال في مذكراتها «سنوات عمري في مكتبة دي كولون»: «مرة في 1973 عبرت الشارع لشراء كتاب سهل القراءة وحاجيات أخرى للاستمتاع بعطلتي على الشاطئ، ولكن دزينة من صناديق الكتب كانت قد وصلت للتو من فرنسا قد أوقفتني. كانت لموزعين عن دار غاليمار للنشر، هرعت فورا لمساعدتهم في إنزالها إلى جانب السيدة إيزابيل جيروفي». وتقول الكاتبة الفلسطينية وصال الشيخ في «سيرة مكتبة»، إن راشيل مسكت خيوط هذا الفضاء الفكري مباشرة بعد تقاعد مالكي المكتبة عائلة جيروفي البلجيكية عام 1976.
أصدرت مويال مذكراتها عام 2010، تضمنت نبض المشهد الفكري في فترة هامة من تاريخ المغرب. تقول مويال: «بعد 25 عاما مضت سريعا على وجودي في المكتبة، اكتشفت السعادة النادرة التي لبت عطشي في إيجاد التفسيرات الممكنة للأشياء واكتساب المعرفة».
تضيف الكاتبة الفلسطينية في سردها للدور «غير النفعي» للمكتبة في زمن مويال، أن الفضاء أصبح مكانا يجتمع فيه أشهر الكتاب الطنجاويين أمثال الطاهر بنجلون ومحمد شكري ورشيد تافرسيتي، والعالميين أمثال جون هوبكنز غافن يونغ، غافن لامبرت، كلاوديو برافو، نويل موستيرت. وتقول راشيل في مذكراتها: «من بين أولئك الذين حصل لي الشرف بزيارتهم، كان أحمد بلافريج الذي تصفح المجلات والهندسة المعمارية للمكتبة، وكان برفقته المقاوم الكبير عبد الكبير الفاسي. قال لي: «الله وحده يعلم أن ما قمت به كان بهدف أن تبقى طنجة حالة خاصة ومتميزة، وفي الآن ذاته جزءا لا يتجزأ من المغرب».
حطمت المكتبة رقما قياسيا في المبيعات حين عرضت للبيع مذكرات الملك الحسن الثاني «التحدي»، كما شهد هذا الفضاء حفلات توقيع أشهر المذكرات خاصة للأدباء الذين عاشوا أو عبروا المدينة. «استقبلت في المكتبة أيضا أربعة ممن فازوا بجائزة غونكور: أمين معلوف، ديديي فان كوليرت وفرانسوا وييرجونس، وامرأتين أكاديميتين هما: مارغريت يورسنار، وآسيا جبار»، كما استقبلت المكتبة الكاتب والموسيقي الأمريكي بول بولز.
تقاعدت مويال من خدمتها عام 1998، ففقدت المكتبة بريقها وكادت أن تتحول إلى مخبزة، لولا مبادرة رجل الأعمال الفرنسي بيير بيرجي الذي أنقذها باعتبارها مشروعا إنسانيا، فعادت الحياة إلى الرفوف.
في 27 يناير الماضي توفيت راشيل مويال وعرفت جنازتها أكبر حضور للأدباء.