شوف تشوف

الرأي

يريدون تحويل رمضان إلى موسم للتطبيع

محمد عايش
كيف تحول شهر رمضان المبارك من موسم عبادة إلى موسم للتطبيع مع إسرائيل؟ وكيف تسمح قناة تلفزيونية عربية مملوكة وممولة من أموال النفط العربي، بأن يُقال على شاشتها كلمة «العدو الصهيوني الشقيق»؟ وأن يتم استخدامها لتسويق التطبيع والترويج لإسرائيل، على أنها دولة صديقة بينما «الفلسطينيون هم أعداؤنا»؟
أين ومتى وكيف تم إنتاج مسلسل تلفزيوني عربي، للبث ساعة الإفطار في رمضان وليس فيه سوى رسالة واحدة هي، إقناع المشاهد بأن الإسرائيليين هم أصدقاؤنا والفلسطينيون هم الأعداء، وعليه يتوجب الارتماء في أحضان تل أبيب، وإقامة علاقات الصداقة معها، وإبرام الصفقات التجارية مع الإسرائيليين، لأنهم أفضل من الفلسطينيين؟
ثم ما علاقة الفلسطينيين، إن كنتم ترغبون بالارتماء في الحضن الصهيوني، وتطبيع العلاقات مع تل أبيب؟ هل يجب استعداء الفلسطينيين والتجييش ضدهم من أجل تبرير ذلك؟ ثمة العديد من دول العالم – وبعضها دول عربية – تقيم علاقات رسمية ودبلوماسية مع إسرائيل، وبعضها يقيم علاقات تحالف عسكري وسياسي، ورغم ذلك فإنها لم تعادِ الفلسطينيين وتحرض ضدهم من أجل تبرير هذا التحالف الرديء.
يرفرف العلمُ الاسرائيلي في سماء أكبر عاصمة عربية (القاهرة)، منذ أكثر من أربعة عقود، ومع ذلك لم نجد مسلسلا واحدا أو عملا دراميا واحدا يحمل رسالة التطبيع مع إسرائيل، أو يروج لرواية الاحتلال، كما لم نجد عملا دراميا واحدا يُحرض ضد الفلسطينيين، على الرغم من كل الاتهامات التي تُكال يوميا لنظام مصر، بخصوص إغلاق معبر رفح، بل عندما اشتعلت الحرب على غزة عام 2008 تدافع المصريون نحو بوابة رفح ودموعهم تسبقهم، يريدون تقديم أي مساعدة أو معونة لضحايا العدوان الإسرائيلي. والحال ذاته في الأردن، الذي يقيم علاقات دبلوماسية واتفاقية سلام مع تل أبيب منذ 26 عاما، لكن السفارة الإسرائيلية المحصنة، لا تجرؤ حتى الآن على أن ترفع علمها في سماء عمَّان، إذ ما زالت أشبه بمقر سري، في ما لم نجد من يجرؤ على الترويج للتطبيع مع إسرائيل، بل لا يزالُ السلامُ رسميا بين حكومتين، ويوصف بأنه «بارد»، بسبب اقتصاره على الحد الأدنى من العلاقات.
الدراما العربية الجديدة تُعرض على قناة سعودية، وتقوم بالترويج للتطبيع مع إسرائيل، وتريد إقناع المشاهد بهذا التطبيع عبر مهاجمة الفلسطينيين، وترديد المقولات الغبية من مثل: (ماذا استفدنا من دعمنا للقضية الفلسطينية؟) و(ماذا استفدنا من حربنا مع إسرائيل؟)، والمؤسف أن هذا المسلسل الدرامي المسموم يريد الاستفادة من شهر رمضان والحجر المنزلي لملايين البشر، من أجل تحويل هذا الشهر إلى موسم للتطبيع بدلا من العبادة والتقرب إلى الله. المشبوه في هذه الدراما أيضا أنها تزامنت مع حملة ممنهجة على شبكات التواصل الاجتماعي، تضمنت الهجوم المباشر على الفلسطينيين، والتقليل من أهمية قضيتهم التي هي في حقيقة الأمر قضية كل العرب والمسلمين، بسبب احتلال مدينة القدس والمسجد الأقصى، كما استهدفت الحملة إقناع المستخدم العربي بالتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، على قاعدة أن الفلسطينيين هم العدو، وهو طرح غير مسبوق في العقل العربي؛ إذ طوال السنوات السبعين الماضية كان من يريد تبرير التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي يقول بأن «المصلحة تقتضي إقامة علاقات مع تل أبيب»، لكن لا أحد سبق إلى تبرير التحالف مع إسرائيل على قاعدة أن «الفلسطينيين هم أعداؤنا وأننا لم نستفد منهم شيئا».
نعرف وبات الجميع يعرف أن دولا خليجية وعربية عديدة تمهد لإقامة علاقات علنية مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ونعرف أن العلم الإسرائيلي سوف يرفرف قريبا في عواصم عربية وخليجية ونفطية، ونعرف أيضا أن ثمة مسؤولين عربا يتسابقون على تقديم فروض الولاء والطاعة لتل أبيب، لأنهم يستمدون من هناك شرعيتهم ومبرر بقائهم في السلطة، وهذا ليس جديدا، لكن الجديد والمرعب هو عملية غسل الدماغ التي تتعرض لها شعوبنا العربية، من أجل تغيير موقفها السياسي والعقائدي تجاه فلسطين والاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية الفلسطينية.
هذه أول مرة نرى دولا عربية تُنفق ملايين الدولارات وأكثر من أجل الترويج للتطبيع مع إسرائيل على المستوى الشعبي، هذه حالة لم يسبق إليها أحد من قبل، ففي الأردن تقيم الحكومة علاقات مباشرة مع إسرائيل منذ سنة 1994، لكنها لا تأخذ من قوت شعبها حتى تمول حملات إعلامية تروج لإسرائيل، وتُظهر الإسرائيليين على أنهم أصدقاء، وكذا الحال في مصر، التي تقيم علاقات مع إسرائيل منذ أكثر من أربعين عاما، لكننا لم نرصد فيلما واحدا أو عملا دراميا أو حملة على شبكات التواصل، تحاول تجميل صورة الإسرائيليين وترويج التطبيع معهم.. هذا لم يحدث من قبل ولم نسمع به لا في الأولين ولا في الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى