ويسألونك عن الخبز
عرف الإنسان الرياضيات كعلم ومنطق وبراهين وقياس وحساب مع البابليين قبل 3 آلاف سنة، ومر هذا العلم بمراحل كبرى في تاريخ البشرية وتطور مع تطور الذكاء الإنساني والعلوم الطبيعية والبحتة، إلى أن أصبح للرياضيات منطق جديد يمكن وصفه بالمنطق الإخواني، بعدما شاهدنا بنكيران وحزبه وميلشياته الإلكترونية يقدمون قراءة ثانية في نتائج الانتخابات التي منحتهم الرتبة الثالثة وطنيا، قبل أن تتحول بقدرة قادر إلى الرتبة الأولى، باحتساب عدد الأصوات، استنادا إلى فتوى واجتهاد رئيس الحكومة.
هكذا إذن أصبحنا أمام نتيجة رسمية يعلن عنها وزير الداخلية تعطي الصدارة لحزب الأصالة والمعاصرة، وأخرى منقحة يعلن عنها رئيس الحكومة وتعطي الصدارة لحزبه، تيمنا بالمثل الشعبي المغربي «كلها ويقرا في لوحتو»، مع أن المشهد العام لهذه الانتخابات هو أنها أنصفت الجميع وتوزعت الكعكة بتقطيع هندسي جد معبر أعطى الصدارة للأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال محليا، فيما العدالة والتنمية نالها جهويا لكن بدون أغلبية كافية لتسييرها، مع ثمرة كرز فوق الحلوى، بتعبير الفرنسيين، للحزب الحاكم الذي بسط عبر أعيانه الجدد نفوذه على أغلب مجالس المدن الكبرى والمتوسطة.
إن مفتاح فهم شريط الأحداث وتفاعلات النتائج وتقوية حزب العدالة والتنمية لنفوذه في معاقل جديدة، يوجد في عدة منشطات وتوابل غير ديمقراطية استعملها الحزب للوصول إلى الرتبة الثالثة محليا والأولى جهويا، وسيطرته على المدن، أولها انخراط رئيس الحكومة المشرف على الانتخابات واستعماله إنجازات الحكومة في الدعاية الانتخابية واستغلاله منصبه ورمزية مركزه في استمالة أصوات الناخبين لصالح حزبه في كل المدن التي زارها، وأيضا الإنزال الكبير لشبيبة وأعضاء الحزب الذين جابوا الشوارع والأزقة والأسواق قبل شهور في حملة تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، التي ضمنت لهم أصواتا جديدة عوضوا بها الأصوات القديمة التي فقدت الثقة.
والمفارقة الكبيرة هي أن الذي قام بالحملة الانتخابية ليسوا هم مرشحو حزب العدالة والتنمية، بل الذي قام بها هو رئيس الحكومة الذي ترك منصبه الدستوري شاغرا طيلة أسبوعين، وطاف على المدن بالطائرات والسيارات الفخمة، يوزع الاتهامات ويلهي الناس ويعبئ على طريقة الدعوة والزوايا الصوفية ويجتر شعارات إسقاط الفساد، يفرق المغاربة بين مؤمنين يبتغون المعقول، وأشرار وفاسدين وتماسيح. وحين أعلنت النتائج وظهر نصيب كل حزب من الكعكة الانتخابية، فهم رئيس الحكومة أنه سيحتاج لتسيير المدن والجهات إلى من تبرأ منهم في المنصات الخطابية واتهمهم بالفساد والتحكم، وأصبح يقول في الندوة الصحفية «ما عندناش خط أحمر وأنا ما عندي مشكل مع الاستقلال والأصالة والمعاصرة راهم بحالنا مغاربة». أول عبرة يمكن استخلاصها من هذه الانتخابات هي أن حزب العدالة والتنمية «حفظ الدرس»، وأصبح آلة انتخابية مثلها مثل باقي الآلات الحزبية التي تتصارع على المقاعد باستعمال كل الوسائل غير الديمقراطية، سواء كانت مالا أو جاها أو دينا أو تقية وشعوذة، فالسياسة في نهاية المطاف لا أخلاق لديها، و«تشناق» أصوات المواطنين والحالمين والبسطاء والشيوخ والمسنين والأرامل، تتم من أجل نتيجة الوصول إلى السلطة وليس لخدمة احتياجاتهم وصون كرامتهم وتحقيق العدل بينهم، وضمان تعليم أبنائهم ونظافة أحيائهم. لذلك فكل الخطب التي سمعناها من بنكيران ومرشحيه كانت «حسيفة» في الخصوم، وليست خطابات وبرامج ورؤى وتصورات لمغرب أفضل.
بنكيران شخصية انتخابية بارعة في «قلب شقلب»، والتشكي والتظلم واستمالة عطف الناس والعباد بلغة دينية ودعوية، وهذه الوصفة تعطي اليوم ثمارها، لكن في النهاية بنكيران يتقاتل لنفسه وحزبه وجماعته على منافع وامتيازات المقعد، وليس على خبز المغاربة.