وهبي والمحامون
منذ سنة تزداد، بين الحين والحين، وتيرة الصراع الذي صار أشبه ما يكون بالدائم بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي وجمعية هيئات المحامين، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي يحتجب خلف دخان البوليميك بين الطرفين؟
وهل نحن بحاجة في هذا الوقت بالذات إلى بوليميك خباياه أكثر من ظاهره؟ وهل السياق مناسب لنهدر فيه الكثير من الاستقرار والجهد في تصفية حسابات فئوية؟ وأين تقف مصلحة المواطن في معركة تكسير العظام بين الوزير والمحامين؟
نعتقد جازمين أننا بحاجة إلى طرح هذه التساؤلات، لأنها تعري حقيقة ما يدور بين أصحاب البذلة السوداء الذين من حقهم الدفاع عن مصالحهم المهنية، وبين وزير من واجبه تدبير جزء من منظومة العدالة وما يستوجبه ذلك من تجويد المنظومة القانونية للمهن القضائية، وفي مقدمتها مهنة المحاماة.
الجانب الظاهر من جبل الثلج يقول إن الأمر يتعلق باحتجاج على منهجية اشتغال الوزارة على مسودة مشروع قانون هيئة المحاماة وما رافقها من إقصاء المؤسسات المهنية من المشاورات، وأن ذلك فقط كان سببا في تجمهر مئات المحامين أمام وزارة العدل اليوم بالرباط. لكن الجانب الخفي من جبل الثلج يقول إن حبل الود بين وزارة العدل والمحامين انقطع بسبب قضايا أخرى مرتبطة بالتدقيق الضريبي والتدخل في تفاصيل القضايا من الناحية المالية، بالإضافة إلى مشكلة نفسية بين وزير حرفته المحاماة وزملائه، أو كما يقول المثل المغربي «خوك فالحرفة عدوك».
ومع التسليم بأن هذا الخلاف بين وزير والمحامين مطلوب وصحي من أجل تجويد منظومة العدالة، وبأنه قد ينتج سياسة عمومية ناجعة أو قانونا نافعا للجميع، إلا أنه يظهر أن الخلاف يخفي صراعا يرتبط بملايير الدراهم التي تدور في فض النزاعات ومصالح فئوية كبيرة لا يدركها المواطن العادي لكن يتم إلباسها مسوح النضال الحقوقي لدى جهة وتكييفها كدفاع عن حقوق المواطن لدى جهة أخرى.
لا يكاد يختلف اثنان على أن هذه المهنة النبيلة دخلت نفق الانتكاسات وبدأت تنخرها الشبهات والمساومات بسبب حالات معزولة تسيء لشرف المهنة، وتحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إصلاحات عميقة وقبل ذلك إلى رجال للإصلاح موثوق فيهم وذوي مروءة.