يضرب هذا المثل في مواقف الإصرار والتشبث بالرأي مهما كانت تداعياته. قصة المثل تتحدث عن رجلين كانا يسيران في أحد المزارع فشاهدا هالة سوداء وسط الحقول، توقفا وتسلحا بما يكفي من حذر، فقال الأول: يبدو أنه غراب
رد مرافقه: لا إنها عنزة
وحين استمر السجال بينهما، اتفقا على حسم الموقف برمي هذا الكائن الأسود الغامض بحجر، لو طار فهو غراب وإذا هرب أو تراجع فهو «معزة»، وحين سددا الحجرة، طار الكائن الغامض، فإذا بالمرافق يقول: إنها «معزة» ولو طارت.
هكذا نسي منظمو كأس أمم إفريقيا للفتيان التفاصيل التقنية للدورة القارية، وصرفوا النظر عن شكاوى المنتخبات التي حضرت دون أن تجد حافلة تقلها من المطار إلى مقر إقامتها، وركزوا كامل اهتمامهم حول المنتخب المغربي. المنظمون يسألون، المشجعون يستفسرون، المخبرون في حالة استنفار: «هل ستحلق طائرة في جوفها منتخب المغرب وتكسر قرار منع الرحلات المباشرة بين المغرب والجزائر؟».
كان المنتخب المغربي آخر الملتحقين بقسنطينة، في رحلة مباشرة وبتدخل من الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي ذكر الاتحاد الجزائري بمبدأ فصل الكرة عن السياسة، ونبهه إلى الجلد الذي تتعرض له قيم الرياضة في كل دورة قارية أو جهوية تحتضنها الجزائر.
انشغل الجميع بالخط الجوي المباشر، وحين تدخلت الفيفا وهددت بمعاقبة صناع خلطة السياسة والرياضة، بحثوا عن سبيل آخر لضرب مشاعر البعثة المغربية، وأجروا تعديلا على لازمة: «شجع فريقك واحترم ضيفك»، وأباحوا استبدال «احترم» بكلمة «استفز».
بعيدا عن جدل طائرة المنتخب الوطني، قرر الاتحاد الإفريقي وضع نظام متطور لمحاربة الغش في أعمار اللاعبين، التجأ الكاف، لأول مرة، لتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي «إي إر إم»، في ما يشبه «فار» الأعمار. لكن حبذا لو أن الاتحاد الإفريقي استعان بالتكنولوجيا للكشف عن منسوب الحقد في دم بعض المنظمين سنكون له شاكرين.
لا يعلم المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي الذي يرأسه جنوب إفريقي، أن منح الجزائر الضوء الأخضر لتنظيم تظاهرات قارية هو ضرب صريح لقيم الرياضة، ولا يعلم المصوتون على هذا القرار أن الاتحاد العربي لكرة القدم أصدر قرارات تأديبية في حق الجزائر حين أفسدت البطولة العربية للناشئين وحولتها إلى مسرح للجريمة.
لا يعلم صناع هذا القرار أن تنظيم دورة رياضية في الجزائر قد يعيد سيناريو دورة الشان، وأن النظام الجزائري قد يستعين بخطيب جديد لنفث أحقاده على المغرب في حفل الافتتاح، وسيعتقل الصحافيون في مطار هواري بومدين ويشرع الجمهور في التنكيل بأبطالنا وسنكرر نفس بيانات الاستنكار، وستحكم لجنة الانضباط بإصدار تنبيه محشو بتحذير. حينها سيبحث جيراننا عن ترشيح آخر «قابل للاشتعال».
يصر المنظمون على الترويج لقسنطينة التي ستحتضن مجموعة المغرب، لكنهم يجهلون أن مسجد الأمير عبد القادر أكبر مساجد هذه المدينة، فيه لمسة مغربية. في الـ31 من أكتوبر 1994، دشن المسجد، لكن العمال المغاربة الذين أضفوا على هذا الصرح الديني لمسة إبداعية منعوا من حضور حفل الافتتاح، بعد إغلاق الحدود إثر انفجار فندق أسني بمخطط جزائري.
كان الله في عون لاعبي المنتخب المغربي، فقد عاشوا ساعات الانتظار في المطار، وتدربوا في جو يغمره الشك، تقرأ في عيونهم الخوف مما ينتظرهم في مدينة قيل إنها عاصمة الثقافة العربية إلى أن يثبت العكس.
لاعبونا أحوج اليوم إلى طبيب نفسي ينتزع من دواخلهم نظرتهم للغراب والعنزة، فالموهبة لا تعوزهم والعزيمة لا تغيب عنهم، لكنهم في أمس الحاجة لحواجز من الإسمنت المسلح تتحطم عليها ألاعيب المنظمين وشطحات منظمين يعشقون الرقص على الحبلين.
للتذكير فحفل الافتتاح تزامن مع اليوم العالمي للرقص، وكل تشابه في الوقائع هو من محض الصدفة.
حسن البصري