شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

ولد تندوف

حسن البصري

مقالات ذات صلة

 

حين حطت الطائرة الخاصة التي أقلت المنتخب الجزائري للفتيان لكرة القدم فوق أرضية مطار محمد بوضياف بمدينة قسنطينة، بدأ شحن اللاعبين ومدربهم، بدءا بالاستقبال الخرافي الذي لا يحظى به إلا زعماء الدول، وانتهاء بتعليمات استخباراتية في مستودع الملابس.

لا يعلم لاعبو المنتخب الجزائري أن المطار يحمل اسم زعيم جزائري ما زالت عائلته تعيش في مدينة القنيطرة، ولا يعرف مدربهم أن بوضياف كان لاجئا في المغرب، وحين استدرجه النظام إلى الجزائر ووضع له طعم الرئاسة، تعرض للاغتيال وهو يلقي خطابا أمام الجزائريين.

في المطار، كان في استقبال اللاعبين ممثل للسلطات العسكرية الجزائرية وكبار مسؤولي الجمارك والدرك والشرطة والاستخبارات والحماية المدنية ووالي قسنطينة، بالإضافة إلى الشرطة، وفرقة فلكلورية تتغنى بالموشحات الحماسية، حتى خيل للاعبين أن لهم موعدا مع معركة ضد عدو.

في صباح اليوم الموالي، توجه لاعبو المنتخب الجزائري إلى جامع قسنطينة الأعظم، وخطب فيهم إمام المسجد ودعا لهم بالنصر والتمكين، وهو لا يعلم أن الشحن الروحي زاد من محنة اللاعبين.

في يوم المباراة، توفي شقيق العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، فتراقصت أمام رئيس البعثة الجزائرية فكرة حضور الجنازة التي أقيمت في مقبرة غير بعيد عن الملعب، لكن التوقيت لم يسمح باستكمال سيناريو الشحن الروحي.

قبل انطلاقة المباراة، قدم المدرب الجزائري تعليماته للاعبين ورسم خطة المواجهة ضد فريق حوله النفخ السياسي والروحي إلى عدو. وحين انتهى المدرب من خطبته، اختلى مخبر بعميد المنتخب الجزائري مسلم أناتوف، وزوده بتعليمات حولت اللاعب إلى كائن قابل للانفجار.

ولأن عميد المنتخب الجزائري من مواليد تندوف، فقد تم اختياره بعناية للقيام بالمهمة الوقحة، فقد طلب منه المخبر ارتداء قفاز قبل المباراة، كي لا تلمس يداه شعار المنتخب الوطني الذي يجسد ثوابت المملكة.

نفذ ابن تندوف العملية، وفق ما ارتضاه مخبر بزي رياضي، وتحول إلى بطل من ورق مقوى، ضاربا عرض الحائط قيم الرياضة. ومن فرط انشغاله بالسياسة، اختلت موازينه في الملعب وتحول إلى شبح يشنف الصفير أسماعه.

خسر المنتخب الجزائري بثلاثية وتبين أن عناصره عانت الكثير من النفخ والشحن والتعبئة، وفي مساء تلك الليلة التمس لهم المحللون ألف عذر وتبادل الفيلق المرافق الاتهامات، فيما اختفى ابن تندوف عن الأنظار، وشوهد خطيب الجامع وهو يردد على مسامع رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، ثم انصرف.

نسي مشجعو المنتخب الجزائري نكبتهم، ابتلعوا ريق الهزيمة، وقرروا فتح جبهة أخرى ضد الوداد الرياضي، الذي كان يستعد لخوض مباراة هامة أمام فريق ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي.

يعول قادة الجزائر على الحزب الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا، لذلك فقد تجندوا لنصرة خصم الوداد في نصف نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية، وعبروا عن استعدادهم لدعم ممثل بريتوريا في نزال لا يعنيهم من قريب أو بعيد.

أدرك قادة الكرة في جنوب إفريقيا أن الرياضة هي النسخة الخضراء من قطران السياسة، وأن الحديث عن الاحتلال البريطاني والميز العنصري أسطوانة مشروخة عفا عليها الدهر.

منذ أن أصبح مالكا لنادي ماميلودي صن داونز، اقتنع باتريس موتسيبي بأن الكرة لا تقبل النفخ والشحن إلا بالهواء، وحين أصبح رئيسا لـ«الكاف» أغلق باب مناورات الانفصاليين وعلق أحلام الجزائريين على حائط سفارة جنوب إفريقيا، وقال إن عدو صديقي لن يكون بالضرورة عدوي.

يبدو أن الكرة هي القادرة اليوم على تذويب جليد الخلاف بين المغرب وجنوب إفريقيا، دعوها تتدحرج بين أقدام السياسيين، ستجد من يداعبها ومن يمسك بها ويرسم على جبينها قبلة. نحمد الله أن صن داونز استعان بخدمات لاعب مغربي يدعى عبد المنعم بوطويل، فتحول إلى سفير معتمد في بريتوريا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى