في أول أيام شهر رمضان، أسعد اللاعب المغربي سفيان رحيمي المغاربة والإماراتيين حين قاد فريقه العين الإماراتي إلى دور نصف نهائي دوري أبطال آسيا لكرة القدم، عقب فوز ناديه على مضيفه النصر السعودي. ولم يكتف سفيان بهذا الإنجاز بل حاز على لقب أفضل لاعب في المباراة، بالرغم من وجود «الدون» رونالدو الذي غادر الملعب وهو يتجرع مرارة الحسرة.
أخرج سفيان سكان العين، وجعل المدينة الهادئة ترتدي اللون البنفسجي وتتحول إلى مزهرية فيها متعة للعين.
من يكون هذا الولد الذي منح العيناويين جرعة سعادة بعد صلاة التراويح؟ قصة نجاح هذا الفتى تستحق أن تروى، ليستفيد منها الحالمون بالنجومية ويتأكدوا أن كرة القدم لعبة الفقراء.
لا تفارق الابتسامة محيا سفيان، فقد سئل يوما:
«واش زايد في عرس غير كضحك؟».
نعم، ولد سفيان في يوم عمت البيت فرحة عارمة، أطلق صرخته الأولى مباشرة بعد فوز الرجاء البيضاوي بلقب البطولة سنة 1996، وأصبح ملعب الرجاء مسقط رأسه.
ولأن ولادته تزامنت مع فوز الرجاء بلقب البطولة، فقد اقترح رئيس الرجاء السابق عبد السلام حنات على والده «يوعري» أن يطلق على المولود اسم «بطل»، لكن فيتو العائلة فضل اسم سفيان.
والده هو أول حارس للملعب يتحول من مجرد مكلف بالأمتعة إلى أسطورة من أساطير الرجاء، فقد كان وراء استقطاب ظلمي إلى القلعة الخضراء، وتحول من حارس ملعب إلى كاتم أسرار اللاعبين.
في البيت الذي ولد فيه سفيان، شرب كبار السياسيين كؤوس الشاي من يد عتيقة، وفي بيت «العساس»، اتخذت قرارات تاريخية مع المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي وعبد الواحد معاش وعبد العزيز لمسيوي وغيرهم من السياسيين.
قصة محمد رحيمي، والد نجم الرجاء والعين، تستحق أن نتوقف عندها، فقد كان في شبابه حارس مرمى يحاكي ياشين ويمني النفس بحراسة عرين الرجاء، وحين كان يمسك بتلابيب حلمه تعرض لحادثة سير غيرت مجرى حياته، فتحول إلى مكلف بالأمتعة ونال نصيبه من الشهرة والنجومية.
كان لاعبو الأمس يجدون في «يوعري»، وهو اللقب الذي حمله منذ أن اختلت موازين قدمه، رجل نكتة. وجوده في الحافلة والطائرة وغرفة الملابس يزرع في المجموعة روح الدعابة، حتى أصبحت مواقفه الساخرة حديث الرجاويين.
قال له يوما أحد اللاعبين الوافدين على الرجاء، أثناء لحظة أخذ صورة جماعية للفريق: «سمح لينا أيوعري خلي اللاعبين يتصوروا بوحدهم». رد عليه رحيمي بتلقائيته المعهودة: «خاص يكون معكم يوعري باش يعرفوكم الرجاء».
وفي إحدى الحصص التدريبية للرجاء في الأدغال الإفريقية، شوهد يوعري وهو يضع إلى جانبه موزا، فقيل له ما الغرض من الموز؟
فأجاب: «إلا مشات الكرة لشي شجرة شدها قرد نعطيه بنانة ويلوح الكرة».
وعندما عين عزيز البدراوي رئيسا للرجاء الرياضي، أصدر قرارا بطرد رحيمي من مسكنه، فردد الجمهور: «يوعري أسطورة» وتبين أن جامع الكرات أشهر من رئيس.
ما أجمل أن تكون ابن حارس ملعب أو مدرسة، ستركض في الفضاء الرياضي خلال العطل وستداعب الكرة وتسجل الأهداف وتفرح لوحدك وتستحم في مستودع الملابس، وتركب صهوة الحلم خارج الأسوار حتى ولو كنت تطارد خيط دخان.
من باحث عن نصف فرصة في تشكيلة الرجاء إلى نجم للكرة العربية، تتهافت عليه أكبر الأندية الخليجية، ويدير له ظهره مدرب المنتخب وليد الركراكي، ضدا على قانون الجاذبية.
أبناء حراس الملاعب ليسوا بالضرورة نجوما للكرة، وأبناء حراس المدارس ليسوا حتما مفكرين، وأبناء حراس المستشفيات ليسوا أطباء وممرضين، لكن هناك فلتات لأن الموهبة تولد من رحم المعاناة، وقد يعطيك العاطي أحيانا «بلا ما تحرث بلا ما تواطي».