شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

وكيل للملك كان يفصل بين الناس بالمحاكم وبملاعب كرة القدم

قضاة الملاعب محمد صالح البوكيلي (حكم دولي سابق)

حسن البصري:

 حكام زمن الكرة بالأبيض والأسود

مع انطلاقة أول موسم كروي بعد حصول المغرب على الاستقلال، كان تحكيم المباريات الكبرى وخاصة نهائيات كأس العرش يسند لحكام أجانب فرنسيين وإسبان، في فترة الانتقال من بطولة تحت رعاية فرنسية إلى بطولة في طور المغربة، كان لابد من الاستعانة بأجانب عشقوا الكرة المغربية وكانوا قضاة ملاعبها الأولون.

أبرز هؤلاء الحكام الأجانب الذين أسندت لهم مهام قيادة نهائيات كأس العرش في نسخه الأولى، هناك الحكم الإسباني فرانكو، ومواطنه كيلادو والحكمان الفرنسيان لوكي وكوركوليس، هؤلاء أشرفوا على قيادة النهائيات الأولى لكأس العرش والتي كان فريق المولودية الوجدية أبرز أضلاعها.

وكان على الحكام المغاربة انتظار بداية الستينات لتضع الجامعة الملكية المغربية ثقتها في حكام مغاربة، على غرار الحكم المكي والرايس والزياني والبوكيلي ولزرق ورحال وبلفقيه وغيرهم من الأسماء التي ساهمت في مغربة قطاع التحكيم في زمن لم يكن فيه الحكام يخضعون لاختبارات تقنية أو بدنية.

يمكن القول إن التحكيم المغربي قد دخل المحك الدولي مبكرا، عبر بوابة كأس محمد الخامس، وهي عبارة عن دورة دولية سنوية تقام في الدار البيضاء، بفكرة من الكاتب العام للجامعة أحمد النتيفي ودعم لا مشروط من الملك الحسن الثاني.

شارك حكامنا الأوائل في هذه الدورات التي انطلقت سنة 1962 إلى جانب حكام من أوربا، ما مكنهم من الاحتكاك ونيل القسط الأكبر من التجربة خاصة حين قادوا مباريات تخص فرقا عالمية من قارتي أمريكا الجنوبية وأوربا على غرار ستاد ريمس الفرنسي وبوكا جونيور الأرجنتيني وأندية برشلونة وريال مدريد وأتلتيكو مدريد من إسبانيا وبايرن ميونخ الألماني.

أتيحت للحكم المغربي محمد البوكيلي فرصة العمر لقيادة مباريات من المستوى العالمي في الدار البيضاء وأمام جمهور مغربي، في بطولة عالمية استمرت في الفترة ما بين سنة 1962 إلى 1980،  إلى أن توقف الدوري سنة 1989 دون معرفة مسببات هذا الانقطاع الذي لم يقلق الجمهور المغربي فقط بل أغضب الحكام الذين وجدوا فيه فرصة سنوية للاستئناس بأجواء التباري الدولي ووضعهم في محك التجربة، بل إن حكاما على غرار محمد لاراش والزياني والبوكيلي قد أشرفوا على مباريات نهائية في هذا الدوري العالمي.

وكرس التحكيم المغربي ومن خلاله حكمنا محمد البوكيلي مكانته الدولية بحضوره في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، سنة 1970 بالسودان وبالرغم من اعتزاله تلقى دعوة لحضور نهائيات كأس إفريقيا سنة 1972 بالكاميرون، وشكل إلى جانب الحكم المصري علي قنديل أبرز وجوه الصفارة في المحفلين القاريين.

أدار الحكم البوكيلي بجدارة و اقتدار مباريات إفريقية حارقة في مختلف نسخ العرس القاري ،وشرف  التحكيم المغربي منذ دورة 1970 بالسودان، ليتواصل الحضور المغربي الكمي والنوعي في أم التظاهرات الرياضية الإفريقية إلى غاية نسخة الكاميرون 2021 بمشاركة عشرة حكام ضمنهم حكمتان صحيح أن حكمنا كان مرشحا فوق العادة ليكون أول حكم مغربي في نهائيات كأس العالم، حين كان الأقرب إلى قيادة مباريات كأس العالم سنة 1966 بإنجلترا إلا أن الكونفدرالية الإفريقية اختارت بدلا عنه الحكم المصري الذي عين مرتين في بطولة كأس العالم سنة 1966 في إنجلترا وسنة 1970 في الميكسيك لأسباب يضيق المجال للتفصيل فيها.

قاد آخر مباراة يحضرها محمد الخامس

لكن المحطة الأبرز في حياة الحكم الراحل محمد صالح البوكيلي، هي نهائي كأس العرش سنة 1960، حين عينته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لقيادة مباراة المولودية الوجدية والفتح الرباطي على أرضية الملعب الشرفي بالدار البيضاء.

في هذه المباراة سطع نجم الحكم البوكيلي ولفت إليه الأنظار، حين قاد بجرأة كبيرة أطوار المباراة النهائية، وأعلن عن ضربتي جزاء الأولى للمولودية الوجدية وعرفت طريقها للشباك والثانية للفتح وتم إهدارها.

في سنة 1960 صادفت زيارة الملك حسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الأولى للمغرب، إقامة نهائي كأس العرش بين المولودية الوجدية والفتح الرباطي، فقرر المغفور له محمد الخامس استدعاء ضيفه العربي لحضور هذا الحدث الرياضي، إذ استمتع الملكان بطبق كروي جميل لقي استحسان الضيف الذي وجه لمحمد الخامس دعوة لحضور نهائي الكأس في الأردن، إلا أن الموت لم تمهل عاهل المغرب الذي كانت تلك المباراة آخر لقاء يحضره.

دخلت المولودية الوجدية النزال بعناصر متمرسة مكنتها من السيطرة على مجريات المباراة، كحارس المرمى الجزائري المختار الداي القادم من اتحاد بلعباس الجزائري، حيث زاول رفقة الجوهرة السوداء العربي بن مبارك بهذا النادي موسم 1955 – 1956، والعربي حرشاوي ومدني وموسى وقدور وشلال، بإشراف من المدرب محمد بنبراهيم. وجاء هدف النصر من طرف اللاعب المدني في د 13 بواسطة ضربة جزاء لتنتهي المباراة بانتصار المولودية بهدف لصفر، دون لوم أو عتاب ضد الحكم البوكيلي الذي امتلك الجرأة ليمنح الفتح فرصة التعديل عن طريق ضربة جزاء لكنها ضاعت من طرف اللاعب العلمي.

خلال مراسيم تسليم كأس العرش للمدني، قال محمد الخامس مازحا لضيفه الأردني: «هذا اللاعب هو من تسلم الكأس في العام الماضي من يدي، وها هو يعود اليوم لتسلم كأس آخر»، فرد عليه الملك حسين: «يبدو أن شهيته واسعة للألقاب».

حظي الحكم البوكيلي بلقاء مع زعيمين عربيين محمد الخامس والملك حسين، هذا الأخير أثنى على الحكم وحياه على جرأته وعدالته، حين حسمت ضربة جزاء مجريات المباراة وجعلت كأس العرش يعود إلى وجدة بدل الرباط.

من المصادفات العجيبة التي كشف عنها الملك الأردني، كونه تابع مباراة للمنتخب المغربي ضد نظيره العراقي في إطار الجولة الأولى من مباريات المجموعة الأولى في دورة الألعاب العربية بيروت سنة 1957، في أول مباراة دولية له بعد الاستقلال.

لكن المدني لاعب المولودية أخبر العاهل الأردني بوجود أربعة لاعبين شاركوا في مباراة كأس العرش وشاركوا أيضا في الحدث العربي ببيروت الذي تحدث عنه الملك حسن، وهم: الحسين قيود ومعزوز العياشي ولحسين شيشا من الفتح الرباطي، ومحمد بلخير مدافع مولودية وجدة والمهاجم المدني.

سيعود محمد صالح البوكيلي إلى مقصورة الملك بعد ثلاث سنوات حين سيقرر الحسن الثاني توشيحه بوسام ملكي سنة 1963، بعد صدور قرار تأسيس هذا التوشيح لأول مرة في عهد الملك الحسن الثاني في شهر ماي 1963، وبذلك يكون الحكم البوكيلي أول حكم رياضي يناله من يد الملك الحسن الثاني، وأول حكم ينال هذا الشرف وهو لايزال ممارسا أي قبل اعتزاله اللعبة، وذلك على هامش مباراة نهائي كأس العرش من نفس السنة والتي جمعت الكوكب المراكشي وحسنية أكادير في نهائي مثير جسد انبعاث الفريق السوسي من رماد زلزال أكادير المدمر، إذ أثنى الملك على وصول الحسنية لنهائي كأس العرش موسم 1963/1962، بالرغم من الهزيمة أمام الكوكب المراكشي في الأشواط الإضافية من المباراة النهائية التي احتضنها الملعب الشرفي بالدار البيضاء.

بعد سنتين سيعود الحكم البوكيلي لملاقاة الملك الحسن الثاني حين قاد نهائي كأس العرش بين الرجاء البيضاوي والكوكب المراكشي، في الملعب الشرفي وهي المواجهة التي انتهت بفوز الكوكب بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد.

 

وكيل للملك داخل ملاعب الكرة

في مسيرته الدولية تعد الألعاب الأولمبية صيف 1964 أبرز محطة دولية في مسار حكمنا البوكيلي حيث مثل المغرب في هذه الدورة كحكم، وكان ضمن البعثة المغربية التي استقبلها الملك الحسن الثاني في القصر الملكي قبل الإقلاع صوب طوكيو، في السابع من أكتوبر 1964، ضمن وفد مكون من  شارك المغرب في الأولمبياد بوفد رياضي قوامه ثمانون رياضيا في أربعة ألعاب هي ألعاب القوى والملاكمة وكرة القدم ورفع الأثقال. في اليابان قاد حكمنا مباراة واحدة واستغل الفرصة للتحضير البدني في القرية الرياضية، وكان من الرعيل الأول للحكام المغاربة الذين كان لهم الشرف في رفع الراية المغربية في عدد من المحافل الدولية.

لكن الحكم البوكيلي لم يكن مجرد قاض في الملاعب بل جمع بين مهنة وكيل الملك في محاكم المملكة أبرزها محكمة الجديدة، وحكم لكرة القدم، بل إن القيمة الاعتبارية التي كان يحظى بها مكنته من «كاريزما» قوية حجزت له في نفوس اللاعبين والمدربين صورة الحكم الصارم الذي لا يجد حرجا في حسم كثير من الحالات التحكيمية في أسرع مدة زمنية، خاصة وأن أغلب زملائه الحكام كانوا ينتمون لسلك القضاء والأمن، لذا كان الرجل يطل على الجمهور كل أسبوع ليقدم صورة وكيل الملك الذي يفصل على امتداد أيام العمل في قضايا الناس، وينهي أسبوعه بالفصل بين فريقين على رقعة ملعب ببذلته السوداء أيضا.

ما ميز البوكيلي أيضا عن بقية الحكام، كونه عاش فترة تسيير داخل الفريق الدكالي وتمرس بتدبير شأن الفرق المغربية، لكنه لم يكن يجد إحراجا في قيادة مباريات يكون فيها الدفاع الحسني الجديدي طرفا، خاصة وأن البوكيلي كان يؤمن بأن القانون يحمي الجميع.

في 27 يونيو 2014 سيلتحق الحكم محمد صالح البوكيلي بالرفيق الأعلى، عن سن يناهز السبعة والثمانين سنة، قضى الجزء الأكبر منها وسط النصوص القانونية حكما ورجل قضاء، فعدل في ردهات المحاكم وفي ملاعب الكرة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى