شوف تشوف

الرئيسية

وكأنهم يعيشون في بلد آخر..

يونس جنوحي
يستمر دائما غياب السياسيين عن الحياة العامة والاهتمامات الحقيقية للمغاربة. إنهم يعيشون في البلاغات والدورات العادية والاستثنائية وبين كواليس مجالسهم الوطنية والإقليمية. بينما المغاربة يعيشون في واد آخر.
أحيانا لا يمكن تفسير تفاؤل الحكوميين ودفاعهم عن حصيلتهم في مجال التشغيل والرهانات الاجتماعية، إلا باحتمال حديثهم عن دولة أخرى وليس المغرب.
هناك خمس دول تُعتبر الأصغر في العالم، ومساحة إحداها لا تتعدى نصف كيلومتر مربع، وصاحبها أو رئيسها على الأصح، كان عسكريا سابقا ولديه جواز خاص بدولته وعدد سكانها لا يتعدى خمسة مواطنين يحلون داخلها بالتناوب، ولديهم الآن عملتهم الخاصة.
دولة مثل هذه تُناسب لكي يكون رئيسها من الحكومة المغربية أو حتى من الجماعات المحلية، لكي يُدخل بعض الدراما إلى الحياة الباردة للمواطنين الخمسة الذين يعيشون أعلى بريطانيا بقليل.
وسابقا، حاول رجل في أستراليا تأسيس دولته الخاصة التي كانت بالكاد تتسع له ولبعض الأغنام، حتى أن أرانبه هربت من الدولة بسبب عمليات الحفر التي تقوم بها الأرانب في العادة، لتترك الرجل محتجزا داخل دولته، ولم تخسر عليه بلاده سنة 2018 سوى بلاغ تشخص فيه حالته النفسية، وتعد بمتابعة حالته إلى حين شفائه ومسايرته في حُمى تأسيس بلده الخاص.
هناك دائما عدم رضا عن أداء الحكومات، حتى في الدول المتقدمة التي حققت أعلى معدلات الرخاء الاجتماعي، هناك دائما معارضة سياسية وأخرى غير مسيسة تقاطع الانتخابات وتحتج على رؤساء الحكومات، وقد يصل الأمر حد رشقهم بالبيض احتجاجا على تأخرهم في معالجة ملف مطلبي معين أو أحيانا لمجرد تعبيرهم عن آراء في قضايا دولية. وهذا، حسب المواطنين المُحتجين، سبب كاف لرشق رئيس الحكومة بالبيض والدقيق.
فكرة المعارضة في الخارج تُبنى على ملفات مثل المهاجرين غير الشرعيين وحقوق الإنسان وقوانين الهجرة. وهنا يتم تخوين المعارضة سياسية كانت أو حقوقية، وتصل الأمور أحيانا إلى درجة النيل من الأعراض والاتهام بالعمالة لـ«جهات»، رغم أن الجهات الحقيقية التي يجب أن تضربهم عليها «النفس» هي الجهات التي يموت مواطنوها وهم ينتظرون الدور للوصول إلى منضدة الطبيب الباردة لإجراء عملية جراحية بسيطة يوفرون الخيط والبنج اللازمين لها بمعجزة.
ألم يُحاسب الرئيس الفرنسي السابق «ساركوزي» بسبب الاتهامات التي شابت طريقة وصوله إلى الرئاسة، وهو الذي بنى مجده السياسي على العنصرية ضد المهاجرين، علما أنه ينحدر من عائلة مُهاجرة إلى بلاد الأنوار؟
وقبله، ألم تكن السمعة الانتخابية للرئيس هولاند على المحك بسبب قضايا شخصية تمس بهيبة المنصب الرئاسي الذي يشغله؟ بينما هنا في المغرب تدافع الأحزاب عن المسؤولين المنتمين لها، حتى لو تعارضت ممارسات المسؤول مع مبادئ الحزب. وفي الأخير يقولون دائما إن المسألة مسألة مبدأ.
وعلى ذكر الانفصال، يحق لنا كمواطنين أن نحتفل بتراجع دول في أمريكا اللاتينية عن الاعتراف بالجمهورية الوهمية.
ماذا قدمت الأحزاب المغربية للقضية الوطنية غير التصريحات في الأعياد الوطنية وعقب الأحداث الكبرى؟ سحب الاعتراف جاء ليؤكد مرة أخرى أن أحزابنا تعيش في عالم آخر، تماما مثل المواطن الأسترالي الذي هربت أرانبه وتركته وحيدا في بيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى