رضوان السيد
يوم الجمعة 27 أكتوبر، كانت المندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة تعيب على روسيا والصين استخدامهما «الفيتو» ضد المشروع الأمريكي، بشأن الحرب على غزة. وكانت حجتها أن عشر دول بمجلس الأمن وافقت على المشروع، في حين لم يحظ المشروع الروسي المضاد إلا بتأييد أربع دول. والواقع أن الوضع بمجلس الأمن صار يشبه الموقف في الحرب الروسية الأوكرانية. بمعنى أن مبادرات إنهاء الحرب خرجت من مجلس الأمن وصارت معتمدة على الوساطات الخارجية الجزئية، وعلى تطور الصراع على الأرض.
المبادرات الجزئية والاقتراحات صارت تدور حول إدخال المساعدات، وخروج الأجانب الأمريكيين وغيرهم من غزة عن طريق معبر رفح إلى مصر. والأصعب هو ملف الأسرى والرهائن، الذين جلبهم مقاتلو «حماس» من مستوطنات غلاف غزة. وملفهم أصعب، لأن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» تريدان مبادلتَهم بالأسرى الفلسطينيين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن «حماس» تراهن على لجم الحرب عليها من خلال القول إن الهجمات الإسرائيلية الشاملة تهدد حياة الأسرى المحتجزين بالقطاع. وقال متحدثون باسم الحركة إن أكثر من خمسين منهم قُتلوا بالفعل! والأخطر بالضرورة هو الأوضاع على أرض المعركة والساحة الرئيسية بقطاع غزة، لكن صواريخ ما زالت تنزل على المدن الإسرائيلية، والخسائر بالأرواح في غزة آلاف مؤلفة، وقد تهدم أكثر من عشرين ألف مبنى. والأشد خطرا هو انفتاح الجبهة من جهة لبنان، وعلى مدى أسبوعين صار القتلى بلبنان جراء القصف يزيدون على الخمسين، وتزايدت الهجرة على طرفي الحدود. وتحرشت التنظيمات الإيرانية في العراق وسوريا بالقواعد العسكرية الأمريكية في البلدين، فرد الأمريكيون بالقصف والطيران على مصادر إطلاق النار عليهم، وهم يقولون إنهم لن يترددوا في ضرب كل المراكز التابعة للحرس الثوري خارج إيران.
ما عاد السؤال الآن: متى تنتهي الحرب؟ بل: هل تتوسع؟ ولا يستطيع توسيعها غير الإيرانيين وتنظيماتهم المسلحة بالعراق وسوريا ولبنان.. واليمن! اللبنانيون بمجموعهم لا يريدون الحرب، لكن القصف المتبادل يحصل يوميا، رغم وجود القوات الدولية والجيش اللبناني على الحدود.
وداخل الطرف الأمريكي الإسرائيلي يتنازع اتجاهان: الاكتفاء بإنهاء «حماس» وإطلاق سراح الأسرى لديها، ومد الجبهة بحيث تجري مواجهة «حزب الله» في لبنان، لإنهاء المشكلة برمتها بالنسبة إلى الأمنَين الإسرائيلي والأمريكي بالمنطقة. طوال أربعين عاما، وأكثر ما كانت الولايات المتحدة تميل إلى المواجهة الشاملة مع إيران، ولو بشكل غير مباشر. وقبل ثلاثة أشهر، جرى تبادل للمعتقلين بين الجانبين، وبدأ الإيرانيون يستعيدون ستة مليارات دولار ونيف من أموالهم المحتجزة. لذا كان المتوقع أن يحصل هدوء في العلاقات، وأن تعود مفاوضات النووي. والسؤال هو: لماذا اختارت إيران («حزب الله» و«حماس» تابعان لها) الحربَ الآن؟ هل ترجو الكسْب الأكبر عن طريق استجابة الولايات المتحدة لكل مطالبها؟ أم أنها قصدت المزيد من تملك الملف الفلسطيني وإيقاف حركة السلام بين العرب وإسرائيل؟
دومينيك دوفيلبان، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق أيام الرئيس جاك شيراك، قال إن كل حروب الولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة وما بعدها كانت في المآلات خاسرة. والقضية الفلسطينية لا يمكن إنهاؤها إلا بالسلام وحل الدولتين. والجميع متفقون على ذلك في تصريحاتهم على الأقل. ولذا، وكما يقول دوفيلبان، لا بد من السلام رغما عن إسرائيل وإيران. فلا يجوز أن يبقى الأطفال الفلسطينيون وقودا للحروب وسط تحريض الولايات المتحدة وأوروبا، وربما مشاركتهما في المذبحة!