وضع مولاي عبد الحفيظ القرآن أمامي وأمرني بمعاهدته على محاربة فرنسا
يونس جنوحي
«عقدتُ لقاءات كثيرة مع مولاي عبد الحفيظ، وجدتُه متعلما ومثقفا، ويستحق الاحترام.
في مرات كثيرة، كنت أنفرد به وأكون معه وحيدا في مكان من القصر يُسمى باب الدف. كانت هناك قبة مزينة بزجاج ملون ومفروشة بالزرابي والمرايا. هناك جلسنا وتحدثنا بينما كان العبيد يحرسون الباب. ولم أكن أعرف في البداية أن مولاي عبد الحفيظ كان تحت تأثير الفرنسيين الذين دعموه بالمال والسلاح. كنت أظن أنه ضد فرنسا، فقد كان رجلا لطيفا ومتحدثا مفوها، حتى أنه كان من المستحيل رصد الالتواء أو ازدواج المواقف في كلامه. قدم لي الكثير من الهدايا، من حرير وبنادق وسجاد وأثاث جميل وخيول غير مروضة لم يقدر أن يركبها أحد قط. والله، لقد قُتل بعضها أمامي في المعركة.
كان هناك إذن الكثير من الكلام مع مولاي عبد الحفيظ. كلام بدون نهاية حول الأوضاع ويبدو أنه لم تكن هناك نهاية لهذه المسألة.
كانت القبائل حريصة على أن أعود، لأن رجال منطقتي كانوا دائما يترقبون الحرب ويميلون إليها، ووحدهما سلطتي وتأثيري يُبقيان المنطقة هادئة ومسالمة».
حرك الريسوني كلتا يديه في حركة كما لو أنه يريد تسطيح شيء ما وتسويته، وواصل كلامه:
«في النهاية، وافقتُ على التخلي عن حماية حكومة بلدكم لي، والتخلي أيضا عن الأموال التي كانت مستحقة لي من فدية القايد ماكلين. وقعت على ورقة بهذا الخصوص، وفي المقابل عينني السلطان واليا على أصيلة وجميع القبائل المجاورة وصولا إلى وادي الراس وبني مساور وبني إيدر وبني ليت والأنجرة، وقبائل كبريس ودوراس، سماطة، بني يسف، الساحل، وقبائل الخلوط الذين كانوا متمردين دائما ويقودهم عدوي القايد الرميكي، وهو شريف بني كرفيط.
بعد هذا، عندما سويت جميع المسائل، أرسل لي مولاي عبد الحفيظ رسالة يقول فيها:
-أريد أن أتحدث معك على انفراد.
كنت أعتقد أن لقاءاتي مع السلطان انتهت وكان رجالي يقومون بالاستعدادات للرحيل من فاس. عندما رأوا العبد يهمس في أذني، قالوا:
-الله يعلم ما إن كنا سنغادر هذا المكان قبل أن نموت.
لكني ذهبتُ مسرعا إلى القصر. كان الوقت ظهرا، حيث لم يكن أحد، في العادة، يستقبل ضيفا، لكن تم اقتيادي رأسا إلى حيث توجد الشقة الخاصة بالسلطان وأغلقت الأبواب خلفي.
كان مولاي عبد الحفيظ يجلس فوق أريكة ويشبك رجليه الممددتين إلى الأرض. كانت الجلسة كما لو أنها بين صديقين.
كان مضطربا، وكانت تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها أفكاره بوضوح. تحدث إليّ عن الأوروبيين ومخاوفه من أن يحتلوا البلاد.
قال لي:
-أحس بأنني ضعيف أمامهم وأحتاج صداقتك.
أقسمتُ أمامه قائلا إنني مستعد لأداء أية خدمة له في أي وقت، لكنه لم يكن راضيا.
كان دماغه مشوشا تماما مثل ما كان أخوه مولاي عبد العزيز.
تحدث لي عن المستقبل، حيث سوف يُؤخذ منه كل شيء. وقال:
-المسؤولون الذين يعملون تحت إمرتي يشبهون قطيعا من طير الزرزور عندما يلتقط الحَبّ من على الأرض، لكن عندما يأتي الأوروبيون، فإنهم سيتحولون إلى نسور، وسيأكلون أجسادنا هذه المرة وليس الأرض.
نهض من مكانه وتأكد من أننا كنا وحدنا، وأخرج القرآن الكريم من العلبة ووضعه أمامي. وقال لي:
-عاهدني وأقسم بالله.
ووضع القرآن بيننا.
أجبتُه:
-ليس من الضروري أن أعاهدك، لأن حفاظي على العهد والكلمة معروف في البلاد. الكثيرون نقضوا وعدهم لي، لكن كلمتي هي رجولتي وهي سلاحي.
لكن مولاي عبد الحفيظ بقي مُصرا:
-باسم الله عاهدني أنك ستكون في صفي إلى آخر يوم في حياتك للدفاع عن هذا البلد ضد النصارى. ردد معي.
وقبلنا القرآن الكريم وتعاهدنا على ألا ندخر جهدا أبدا في الدفاع عن أرض الإسلام وعن المسلمين.
حافظت على هذا العهد وخسرت كل شيء بسبب تنفيذه. خسرت كل شيء باستثناء شرفي، لكن مولاي عبد الحفيظ في النهاية أثّر عليه الفرنسيون، وتركهم في النهاية يدخلون».
خضت حربا ضد القبائل لجمع الضرائب واصطدنا رجالهم مثل «الأرانب»
يونس جنوحي
«حافظتُ على هذا الوعد وخسرتُ كل شيء بسببه. خسرت كل شيء باستثناء شرفي. لكن مولاي عبد الحفيظ في النهاية أثّر عليه الفرنسيون وتركهم في النهاية يدخلون. أقسمنا معا ألا يخدع أحدنا الآخر وأن ينفذ ما يطلبه منه كيفما كان.
حافظنا، إذن، على هذا القسم، وتنفيذا لوعدي أطلقت سراح أكبر أعدائي عندما كان سجينا عندي. أطلقتُ سراحه عندما طلب مني مولاي عبد الحفيظ ذلك. لكن هذا حدث لاحقا.
غادرتُ فاس بأمان. وضع السلطان مْحلة تحت تصرفي لترافقني، وزودهم بالسلاح والمعدات وأعطى المال للرجال. لكن قرار تعييني حاكما على طنجة لم يكن في يدي بعدُ.
قال لي مولاي عبد الحفيظ:
-لقد طالبتُ القبائل بـ 300000 دورو، لأن خزينتي فارغة.
وهكذا عدتُ إلى منطقة «العقبة الحمرا» وأخبرتُ جبالة بما طُلب منهم. أغلبهم رفضوا أداء تلك الضريبة ووقعت الحرب.
بني إيدر وبني گرفيط، في جبل الحبيب، كانوا أقوياء ومتحدين ضدي، لأن شيخ هذه الأخيرة كان محاربا قويا وسليل الشريف غيلان الذي حارب الإنجليز في طنجة.
أعطاني مولاي عبد الحفيظ المدفعية والذخيرة. لذلك، وعلى الرغم من شجاعة رجال القبائل، هزمتهم وأرغمتهم على دفع الأموال التي طلبها السلطان. تنضاف إليها 300 دورو إضافية عن كل يوم حاربوا فيه ضدي.
لم تكن هذه واحدة من الحملات الصعبة التي قدتها، ولكن، في إحدى المرات، اتحدت قبائل الأنجرة ووادي راس وبني ميسور ونزلوا بشكل غير متوقع حول الجبل الذي كنت أخيم فيه. كانوا 5000 رجل تحتنا.».
تدخل القايد الذي كان مستلقيا على فراش وثير خلف الريسوني الجالس على كرسي ضخم، مقاطعا:
-الله يعلم أنهم كانوا مثل العصافير التي تحاول مهاجمة النسر المحلق فوقها.
يقول الريسوني:
«كان معي الوزير المنبهي وقرابة 300 رجلا. كان الوقت فجرا عندما بدأنا القتال. اختبأنا خلف الصخور وأطلقنا النار إلى أن سخنت البنادق، حتى أننا اضطررنا إلى وضعها في دلاء مملوءة بالزيت.
جثا كل من «مْبارك» و«گابح» على ركبتيهما إلى جانبي لحشو البنادق، إلى أن تصلبت أصابعنا فوق الزناد. لم يستطع رجال الأنجرة وبني مسوار وبني عروس تسلق الجبل ونحن نمطرهم بوابل من الرصاص.
واصلنا الحرب طيلة اليوم، وفي الأخير عندما كانت الشمس تتجه نحو المغيب، وقفتُ فوق الصخور وأطلقت النار على رجالهم تماما كما يطلق الصياد النار على الأرانب. لا أحد استطاع أن يلمسني. لم يسبق لي أبدا أن أصبتُ في كل معاركي.
بعد ذلك قال رجال القبائل:
-كفى! لقد انتهينا.
صحتُ فيهم:
-لا والله! لقد زرتموني أولا، وتحياتكم دُفنت في لحم رجالي. كونوا متأكدين أنني سوف أرد إليكم زيارتكم بأخرى!
كان الليل قد حل. لكن في اليوم الموالي، وقبل أن تبرد البراميل التي كنا نضع فيها بنادقنا، قدت قواتي ضد الأنجرة، وأحرقت أراضيهم. كانوا يقولون:
-لا بد وأنه متعب من المعركة الأخيرة، علينا إذن أن نرتاح لبضعة أيام.
لكنهم عندما رأوا جيشي، قالوا:
-لقد خسرنا. لا بد وأن الله منحه القوة لمواجهتنا.
وفي اليوم الموالي ذهبت لمواجهة وادي الراس بجيش آخر وهزمتهم وأجبرتهم على أداء الضريبة. حصلت على مال كثير. مال كثير لي، ومال كثير لعائلة كل رجل قُتل من رجالي.
ثم عزمت على المواصلة في اتجاه قبيلة بني مساور، لكنهم أرسلوا إليّ رسلا يطلبون السلام. عندما وصلوا، كنت جالسا تحت الأشجار على مشارف المخيم، وأمامي زربية حمراء ممدودة، فقد كنت على وشك الاستعداد للصلاة. فقلتُ لهم:
-أجبروهم على نزع نعالهم قبل أن يدخلوا المخيم، لأن هذه الأراضي بمثابة منزل لي وتستحق أن يحترموها.
جاؤوا ووقفوا أمامي، وأعينهم تنظر إلى الأرض، مثل النسوة في حضرة سيدهن.
أجبتُ طلبهم لأن بني مساور من أقاربي من جهة أمي، إلى جانب أنه لا يُسمح للعربي أن يرفض توسل الآخرين.
هكذا بنى القرويون الفقراء قصر الريسوني ونافورة ساحته أحضرت من إيطاليا
يونس جنوحي
«فرنسا دولة قوية، لكنها لن تقتسم الأرض مع أحد إلا في حالة واحدة، كما لو أنها فلاح يقود بغاله ويحرث بها، وفي الأخير يشاركها قيمة القمح بعد عملية الدراس».
قاطعتُ الريسوني:
-.. لكن التجهيزات والعمال عرب، العقل المفكر وحده فرنسي. لم تصرف فرنسا أي مال على المغرب، ومع ذلك فإنها تأخذ منه الكثير، لكن هذه دائما هي حالة الطرف القوي.
«إنه من الممكن أن يُباركها أبناؤنا في ما بعد، لكن، كما أخبرتكِ، لا يوجد مغربي يستشرف مستقبل حياته. الحضارة التي تدخلونها إلى المغرب تشبه خموركم، فهي تذهب إلى عقول الرجال وتجعلهم حمقى. لا يمكنكم أبدا أن تصنعوا منا أوروبيين صالحين، لكنكم تستطيعون صناعة مغاربة سيئين.
عندما كنت حاكما لأصيلة، كنت أعرف ما كان يقع في أوروبا. كان لدي رجال في طنجة يُترجمون لي الجرائد الأجنبية ويرسلون لي الفقرات التي تتحدث عن المغرب.
كان آخرون من القبائل التابعة لي يعملون في مكاتب البريد والأسواق، وكانوا ينقلون إلي شفويا كل ما سمعوه.
كلما سمعتُ أخبارا أكثر، إلا وعملت أكثر لكسب صداقة المثقفين الأوروبيين، لكي أشرح لهم مواقفي وآرائي. في ذلك الوقت لم أكن أبصر الأمور على حقيقتها لأنني كنت غاضبا من الغدر الذي تعرضتُ له. الكثيرون منهم جلسوا إلى جانبي وأكلوا لحمي، ورؤوسهم كان يجب أن تُعلق فوق أبواب أسوار قلعتي. قلتُ لنفسي: إذا استطعت أن تزيل الحقد والسم من قلب الرجل، فإنه سيكون نافعا وصالحا.
وهكذا، كان منزلي مفتوحا أمام الجميع ولم أرد أحدا. وبدأت أبني قصري الضخم أمام البحر، لأنه لم تكن لدي غرف لاستقبال الضيوف في منزلي الصغير الذي كانت تعيش داخله أسرتي كاملة.
كنت أريد أن يجهز القصر سريعا، لذلك قلت لرجال القبيلة:
أحضروا لي المعدات والأدوات. أحضروا الكثير منها لكل رجل. كانوا طوال اليوم يحضرون الحجارة والطوب المصنوع من تربة السهول، والذي يتم تجفيفه في الشمس.
حتى النساء حملن نصيبهن.
ربما كانوا يكرهونني، لكنهم ربما كانوا يقولون لأنفسهم:
-الباشا يجب أن يكون ثريا جدا ومهابا، سوف يكون قويا حتى يستطيع حمايتنا.
أطلقوا على قصري لقب «بيت الدموع» لأنه كان كذلك فعلا، فقد بناه عُمال كانوا مجبرين على العمل. لكنه كان جميلا جدا، وبعد سنة تقريبا، شارفت الأشغال به على الانتهاء. كانت داخله ساحة كبيرة جدا وبها نافورة تم جلبها من إيطاليا. الأرضية كانت مزينة برخام باللونين الأبيض والأسود، والجدران زُينت بالفسيفساء.
اعتاد الرجال على الجلوس في صف أفقي بمحاذاة الباب وأمامهم سلة مملوءة بقطع البلاط. كانت أصوات المطارق تصدر ما يشبه الموسيقى. ودائما كانت تزداد كومة قطع الأحجار المكسور من البلاط بجانبهم كلما كانوا يضربونه بالمطرقة لصنع الزخرفة الملونة.
كان هناك رجال آخرون هم الذين تولوا مهمة وضع التصميم وكتبوا آيات من القرآن الكريم في قطع بيضاء من الجبس في خط يحيط بالجدران. بينما آخرون تولوا مهمة صباغة السقف بألوان زاهية، حمراء وزرقاء. كانوا يصنعون اللون الأصفر من صفار البيض.
كانت هناك غرف كثيرة. التابعون لي كانوا يقولون لرجال القرى:
-أحضروا المزيد من الحجارة وسوف ترفع عنكم الضرائب. ومولانا الشريف سيُقدّر تعاونكم أكثر من أي هدايا قد تحضرونها له من خراف وحبوب.
كانت هناك ساحة بها عدد من الأقواس، كان بإمكاني من خلالها النظر إلى البحر. وفي الأيام التي تكون فيها السماء صافية، كنت أستطيع رؤية «كاب سبارطيل». الهواء كان منعشا ومفيدا لصحتي، مثل هواء الجبال، لأنني لم أكن قادرا على التنفس جيدا داخل المدن».
من قلب جناح الحريم المختفيات عن عيون الأوروبيين داخل قصر الريسوني الفخم
يونس جنوحي
الطريقة التي وصف بها الشريف قصره في أصيلة هذه المرة كانت مقتضبة، وبالكاد كانت واضحة. هذا القصر كان مثالا حيا على الهندسة المعمارية المغربية الحديثة.
الجناح الرئيسي لقصر الريسوني، والذي كان مربع الشكل، كان مغطى بالكامل، وتصطف في جانبه غرف ضيقة مثل الزنازين، بينما في الجهة المقابلة كان هناك مقعد طويل مخصص للجماهير الذين يرغبون في أن يستقبلهم الشريف وأن يتحدثوا إليه. هذا الممر يؤدي إلى ساحة يوجد في جهة منها منزل، بينما في الجهة الأخرى توجد غرف للضيوف، إذ إن الريسوني، بصفته حاكما، كان يعقد اجتماعات ومحاكمات هناك.
كان هناك، أيضا، مسجد يفضي إليه الباب الرئيسي. لكني عندما رأيتُ القصر، كان ذلك المكان قد حُول إلى مخزن للسروج المكسوة بأغطية حمراء وخضراء مطرزة بالفضة.
عند كل عتبة في القصر كان هناك درج.
في الطابق الأول، كانت الغرف كبيرة، مرصوفة بالرخام، وفيها أسقف رائعة وجدران مطلية. كانت بعض تلك الغرف تقود إلى بعض.
كان القصر مؤثثا بسجاد وزراب جديدة، تظهر من خلالها متانة وجودة عمل حرفيي الرباط. بينما كانت الوسائد والأغطية مزخرفة برسوم مغربية، وتبدو وكأنها محشوة بحبات بطاطس صغيرة.
حاليا، يسكن مولاي علي، والي بني عروس، ومولاي مصطفى، أقرباء الريسوني وأبناء عمومته، هذا القصر. كانت جدران غرفهم معلق عليها خرائط جديدة وحديثة للمغرب. كان لون الخرائط في تناقض غريب مع ألوان أرضية تلك الغرف.
حيثما اتجهنا داخل القصر العظيم، يبدو وكأن نسوة ما غير مرئيات تتبعننا من الخلف، كما لو أنهن يهمسن في آذاننا ويهربن متخفيات حتى لا يراهن سيدهن، الخليفة، وحتى لا يُدنسن بعيون أوروبية.
كدنا أن نصادفهن مباشرة مرة أو مرتين. خلف الأعمدة، اختفت فتيات العبيد، بشرتهن داكنة، وكن يختلسن النظر إلينا مرتديات قفاطين وردية اللون.
كان هناك مكان داخل القصر يتوفر على واجهة زجاجية، وكنا من خلاله ننظر إلى الأسفل على ارتفاع تسعين قدما. قيل إن الشريف كان يرمي المجرمين والقتلة الذين يُلقى عليهم القبض متلبسين بجرائمهم، من هنا، لكي يسقطوا فوق الصخور ويلقوا حتفهم.
يقال، أيضا، إن أحد هؤلاء المجرمين التفت مرة نحو القاضي قبل أن يتم إلقاؤه نحو الأسفل وصرخ:
-عدالتك عظيمة يا سيدي، ولكن هذه الصخور أرحم منك!
كان نصف الجرف مبنيا، بينما نصفه الآخر بقي طبيعيا، وممتدا نحو البحر، وفي القمة يوجد مدفع قديم.
يقال إن هذا المدفع مبارك منذ قديم الزمان، لأن الشريف جلس مرة فوقه وسبح بيديه وصلى وذكر الله من طلوع الفجر إلى أن حل وقت الظهيرة.
يقول الشريف:
«عندما كنت حاكم أصيلة، لم يكن هناك أحد جائع في المدينة. منحتُ الخبز والزيت لكل من طلبهما.
وفي ساحة بيتي كانت هناك دائما سلال مليئة بالرغيف وجرار مليئة بزيت الزيتون.
اشتكى الناس من قسوتي، لكني لم أكن أبدا ظالما. إنه من الحكمة أحيانا إزهاق حياة البعض لضمان سلامة الأغلبية.
المغربي لديه ذاكرة قصيرة. ينسى مشاكله الخاصة ومشاكل الناس دفعة واحدة، في غضون أيام قليلة.
تعتقد أنك عندما تسجن رجلا، فإن عقابه سيمنع الآخرين من ارتكاب جريمته.
دعيني أقول لك إن الغاية من غياب الرجل في السجن لا يتذكرها أحد أبدا، لكن حضور رأسه المعلقة فوق بوابة المدينة، يبقى تذكيرا دائما للجميع.
حتى في تلك الأيام، لم أكن أضع مسدسي من يدي طويلا لأن ابن عمي، مولاي الصدّيق، الذي عينته قايدا على منطقة القْصْر، كتب إلي بشكل مفاجئ، ليقول إن الرميكي جمع قبائل «خلوط» و«تليگ» وتقدم نحو المدينة. قال لي في رسالته:
-قبل أن يصلك مبعوثي، سيكونون قد أحاطوا بالمدينة وطوقوها.
ولم يكن معي سوى 500 رجل، ولم تكن هناك أسوار لحمايتي».