وصية لاعب دولي سابق
حسن البصري
لا حديث في وسائل الإعلام الأرجنتينية إلا عن تصريحات ماتياس مورلا، محامي نجم الكرة العالمية الراحل دييغو مارادونا، فقد اتهم عائلة الفقيد بسوء رعايته في فترة مرضه، وعاتب نجلتيه لإصرارهما على إخراجه من المصحة.
لم تتوقف خرجات المحامي، بل إنه كشف عن وصية غير متوقعة تركها النجم الذي رحل في نونبر الماضي عن عمر ناهز الستين عاما، تطالب الدولة الأرجنتينية بتحنيط جسده ليعرض للجمهور في أحد المتاحف إلى جانب الجوائز والتذكارات وما تبقى من أمتعته.
أما فيرونيكا أوخيدا، خليلة مارادونا، فقد شرعت في بناء ضريح لنقل الجثمان إلى جوفه، كي يصبح مزارا للسياح من كل بلدان العالم، وللاعبين الناشئين الذين سيتهافتون على الضريح ابتغاء بركات الولي الصالح سيدي دييغو نفعنا وإياكم بعطاياه.
أثناء استضافة دييغو مارادونا في برنامج «لا نوتشي ديل 10»، قبل سنوات، سأله الصحافي عن وصيته لحفار قبره، فرد دييغو وقد جثم على جفنه الألم، وعلت وجهه تقاسيم الحزن: «سأطلب منه أن يكتب على قبري عبارة «شكرا للكرة»، لأن فضلها علي لا يوصف».
لكن ما أن مات أسطورة الكرة العالمية حتى نسي الناس الوصية الرمزية، وانخرطوا في جدل حول الإرث المادي، بعد أن تبين أن حياته الشخصية المضطربة أفرزت ميراثا متشابكا يصعب على الضالعين في علم الوصايا فك طلاسيمه، لأنه مع مطلع صبح كل يوم يظهر ابن جديد يقول إنه من صلب الراحل، ويصرخ «أين بابا؟».
أغلب نجوم الكرة المغربية لا يكتبون وصاياهم، ويكتفون بملتمسات شفوية تدعو لرعاية الأبناء والاهتمام بهم، نذكر بكثير من الأسى وصية اللاعب السابق للمنتخب المغربي والرجاء البيضاوي في ستينيات إلى منتصف سبعينات القرن الماضي، محمد جرير الملقب بـ«حمان» حين توفي في مدينة بوسطن الأمريكية ودفن في مقبرة إسلامية، والذي قال قبل رحيله: «رجاء ادفنوني في أمريكا».
في غفلة من الجميع اتخذ حمان القرار الذي لا رجعة فيه، وشد الرحال إلى الولايات المتحدة في رحلة علاج طويلة في ضيافة فلذات كبده. هناك انقطع خط التواصل مع محيط الكرة، رغم أنه جزء من تاريخ كرة القدم المغربية وصاحب أول هدف سجله المنتخب المغربي في مونديال المكسيك سنة 1970. حمان، الذي لعب للرجاء البيضاوي سنوات وأشرف على تدريب هذا الفريق قبل أن يعتزل الكرة، اختار الاغتراب القسري وعاش محنته مع المرض بعيدا عن الوطن، وحين أسلم الروح لبارئها ضرب المغاربة كفا بكف وقالوا «يا ليتنا كرمناه وهو حي يرزق».
ونظرا لمكانة الفقيد في الكرة العالمية، فقد أورد الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم تعزية باسم أسرة الكرة العالمية في فقدان مسجل أول هدف في تاريخ المنتخب المغربي في نهائيات كأس العالم، وقالت «المجتمع الكروي يفقد نجما مغربيا في هدوء».
نحمد الله ونشكره لأن لاعبينا ليست لهم هواية تعدد الزوجات، ولا يراكمون الثروات، فما تجود به ملاعب الكرة يكفي بالكاد لبقائهم «أحياء لا يرزقون»، واقتيادهم بخطوات متثاقلة نحو نفق النسيان. لذا كان اللاعب المغربي عبد الرحمن بلمحجوب محقا حين أوصى زوجته ليلى بتخصيص وجبات غذائية تسلم كل أسبوع مجانا من مطعمه «الميناء» لفائدة اللاعبين السابقين الذين قست عليهم ظروف الحياة.
لا يوصي اللاعبون المغاربة بطبع مذكراتهم، لأنها ماتت مع أصحابها، لا يوصون بتخليد أسمائهم ووضعها على ملاعب في ملكية المجالس المنتخبة، ولا يستنفرون العلماء الضالعين في علم المواريث لتوزيع الممتلكات، لأنهم لا يملكون إلا حب الناس. حتى أبناء المراحيم يعلمون علم اليقين أن كل ما ورثوه عن آبائهم أمراض الربو والصلع وداء السكري.