شوف تشوف

الرأي

وصية رئيس جامعة سابق

حسن البصري
أعترف أن جميع محاولاتي لإجراء حوار مع عمر بوستة أول رئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قد باءت بالفشل، فقد تحالف على الرجل المرض وحال دون منحي سبقا استثنائيا لطالما ركضت خلفه، عاش آخر أيامه صامدا ضد عاديات الزمن قبل أن تفيض روحه الطاهرة وتصعد إلى السماء، وعمره يتجاوز القرن بعام واحد.
حين يموت أحد صناع التاريخ تحترق مكتبة وتشيع ذاكرة قبل أن تشيع جنازة، وحين يموت أول رئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تموت الدمعة في الأحداق من شدة الألم على تاريخ دفن في قبر الفقيد.
اجتمع في عمر بوستة ما تفرق في غيره، كان شاهد العصر على كثير من الأحداث والوقائع التي صنعت تاريخ هذا الوطن، فقد جمع بين السياسة والطب والكرة والدبلوماسية والصحافة دون أن يعلق في زجاج واجهة سيارته شارة طبيب أو سفير أو وزير أو صحافي.
ليس عمر بوستة مجرد رئيس جامعة للكرة انتهت صلاحيته بعد أن انشغل بصداع البطولة واعتراضات الفرق والمنتخب، فقد فوض أمر المنازعات للداهية أحمد النتيفي واهتم بالملفات الكبرى. وكان يشجع النخب على رئاسة الفرق حتى يكون للنقاش سقف أعلى.
أن تكون رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في بداية عهد الاستقلال، يعني أن تكون رئيسا منتدبا لأن الرئيس الفعلي لم يكن سوى الحسن الثاني حين كان وليا للعهد. لكن التاريخ يسجل لعمر مواقف أكدت أنه لم يكن مجرد فزاعة في حقول الكرة.
دعي عمر بوستة، بصفته رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، للقاء ولي العهد مولاي الحسن في مقر إقامته وكان يحمل حقيبة وزارة الشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية، لم يكن عمر يعرف سر الدعوة العاجلة، قبل أن يتبين من خلال النقاش أن فريقا قيد التأسيس سيحمل اسم «الجيش الملكي»، بحث الأمير مع عمر إمكانية مشاركة الفريق الجديد في القسم الأول، حاول جس نبض الرئيس الذي أجاب بهدوء: سأعرض القضية على جامعة الكرة أولا.
كان يطلق على الفريق الناشئ في السنوات التي تلت تأسيسه «فريق مولاي الحسن»، لأن ولي العهد هو من كتب سيناريو الولادة وهو من اختار لاعبيه ومدربه وملعبه وهو من أخرجه إلى الوجود، فقد كان من المستحيل مصادرة المولود.
عرض بوستة المقترح على أعضاء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، غاب العديد من الأعضاء بحثوا عن مبررات الاختفاء تفاديا لنقاش موضوع شائك. وحين عرض الموضوع على اللجنة الأولمبية وعرف اعتراضا من محمد امجيد. وافقت الجامعة على إشراك الجيش شريطة ولوج المنافسات من القسم الثاني بعد انسحاب فريق مراكشي، يا لمكر الصدف.
حين غادر عمر جامعة الكرة بعد أربع سنوات من العطاء، التقى بالحسن الثاني وقال له: «لقد كلفتني برئاسة الجامعة وقلت لي إن هذا الكيان في حاجة إلى طبيب يداوي أسقامه، الحمد لله إنه اليوم في حالة نقاهة». ضحك الحسن الثاني وأخبره بتعيين إدريس السلاوي بديلا له.
عين عمر سفيرا في لبنان وإيطاليا واليونان وألمانيا الاتحادية وتونس، وساهم كسفير في بناء صرح العلاقات الدبلوماسية في طور النشأة، وخلال تواجده في هذه البلدان كان الرجل يجد متعة في استقبال المنتخب الوطني وتعزيز حضوره وإشعاعه، لإيمانه بالدبلوماسية الرياضية قبل أن تصبح موضة.
حين كان بوستة رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حرص على معاملة الفرق بنفس جرعة الاهتمام، وكان يوصي الرؤساء خيرا باللاعبين ويجبرهم على تعيين طبيب للفريق، وكان يقول «الطبيب قبل المدرب أحيانا».
قليلون يعرفون أن القيادي الاستقلالي امحمد بوستة حرص إلى جانب شقيقه عمر بوستة على أن توزع تركة والدهما بالتساوي مع الشقيقات البنات، تجاوزا لضوابط الميراث التي تقول «للذكر مثل حظ الأنثيين».
لو كان عمر رئيسا للجامعة اليوم لكان حظ الفرق النسوية من الدعم أكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى