محمد اليوبي
تزامنا مع الضجة التي أحدثتها فضائح الفساد التي شابت العديد من الصفقات بوزارة الصحة، يتجه الوزير خالد آيت الطالب، إلى التخلي نهائيا عن طلبات العروض لاقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية، والتي تكلف الملايير سنويا، والاكتفاء بصفقات تفاوضية مباشرة مع الشركات، ما جعل العديد من الشركات الوطنية تعبر عن تخوفها من تكريس الوضع القائم بالوزارة، من خلال احتكار الشركات الأجنبية لأغلب الصفقات.
ووجه وزير الصحة رسالة «استعطاف» لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لكي يمنحه الضوء الأخضر لاستثناء اقتناء بعض الأدوية والمستلزمات الطبية من الإجراءات المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية، وبرر آيت الطالب طلبه بـ«الأهمية الخاصة التي توليها وزارة الصحة للأدوية والمستلزمات الطبية الحيوية، بالنظر لخصوصياتها، وارتباطها الوثيق بصحة المواطنات والمواطنين، ما يقتضي ضمان توفيرها بكمية تضمن الاستجابة الفورية للحاجيات المستعجلة لهذه الأدوية في الظروف غير المتوقعة». وأضاف الوزير، في رسالته، «وبالرغم من المجهودات التي تبذلها الوزارة في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية عن طريق إبرام صفقات عمومية، فإن الواقع يثبت بأن خضوع عملية اقتناء بعض الأدوية والمستلزمات الطبية للمساطر المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية يحول دون توفيرها في أوقات الحاجة الملحة إليها».
وأشار الوزير إلى أن الظروف غير المتوقعة الناتجة عن الانتشار الوبائي لبعض الأمراض، والخصوصيات المرتبطة ببعض الأدوية والمستلزمات الطبية المستوردة من الخارج وغير المتوفرة بالسوق المغربية تتطلب تعاملا خاصا لا يتلاءم مع الإجراءات والمساطر التي تتطلبها الصفقات العمومية، فضلا عن أن العديد من طلبات العروض التي تعلن عنها الوزارة لا يتم تقديم أي عرض بشأنها لاعتبارات تتعلق بالثمن أو تتعلق بالرغبة في إدراج أدوية ومستلزمات طبية أخرى ضمن موضوع الصفقة، فضلا عن وجود أدوية ومستلزمات طبية يسجل غياب المنافسة بشأنها بالنظر للاختصاص الحصري لبعض الشركات في تسويقها.
وأكد الوزير أن هذه الوضعية تترتب عنها عدة إكراهات، تتمثل أساسا في عدم قدرة الوزارة على توفير بعض الأدوية والمستلزمات الطبية في الأوقات المناسبة، والتوصل بالأدوية والمستلزمات الطبية بعد فوات الحاجة الملحة إليها، ونفاد المخزون وصعوبة تدبير حالات الانقطاع في السوق الوطنية، وكذلك تسجيل صعوبات في التخزين، وانتهاء مدة صلاحية الأدوية التي يتم اقتناؤها. وأوضح الوزير أنه، لتجاوز النتائج السلبية لهذه الإكراهات على صحة الفئات المستهدفة وعلى المال العام، اعتبارا للخسائر المالية الكبيرة التي تتكبدها الوزارة في هذا المجال، فقد أعدت الوزارة لائحة أولية بشأن الأدوية والمستلزمات الطبية التي ينبغي عدم إخضاعها للإجراءات والمساطر المتبعة في الصفقات العمومية، وذلك بغية تمكين الوزارة من اقتناء الحاجيات الحقيقية من هذه الأدوية والمستلزمات الطبية في أوقات الحاجة إليها.
والتمس وزير الصحة من رئيس الحكومة، إعطاء تعليماته إلى وزارة الاقتصاد والمالية قصد الموافقة على الاقتراح المرفوع إليها من طرف وزارة الصحة بشأن إدراج اقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية ضمن لائحة الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي، دون تطبيق مسطرة طلبات العروض لتفويت الصفقات المتعلقة بها. وأحال رئيس الحكومة رسالة وزير الصحة على الأمانة العامة للحكومة، من أجل استطلاع رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بشأن الملتمس الذي تتضمنه الرسالة، والإفادة بما ستتوصل إليه من استنتاجات، مع الأخذ بعين الاعتبار صبغة الاستعجال التي يكتسيها الموضوع.
هذا ويتخوف أرباب العديد من الشركات الوطنية المتخصصة في صناعة وتوزيع الأدوية والمستلزمات الطبية، من تكريس منطق الاحتكار السائد داخل الوزارة، حيث هناك شركات معروفة تفوز بجل الصفقات التي تعلنها الوزارة، ويتم إلغاء الصفقات التي لا تفوز بها هذه الشركات، ما يضرب مبدأ المنافسة الشريفة. وخلال الأسبوع الماضي، وجه الوزير آيت الطالب استفسارا حول أسباب إلغاء صفقة ضخمة تتعلق باقتناء آلات تحليلات خزان السكري، تبلغ قيمتها مليارا و400 مليون سنتيم، ما سيحرم حوالي مليوني مواطن مغربي من إجراء تحاليل مرض السكري.
وأفادت مصادر من الوزارة بأنه تم إلغاء فتح العروض المالية بعد اجتياز المرحلة التقنية، التي شهدت منافسة بين ست شركات، تمكنت أربع منها من اجتياز المرحلة، فيما خرجت الشركة التي ظلت تحتكر الصفقة منذ 15 سنة من المنافسة، ما جعل مسؤولين بالوزارة يتدخلون بشكل مباشر لـ«عرقلة» فتح الأظرفة المالية، ومارسوا ضغوطات لتأجيلها ثلاث مرات، قبل إلغاء الحصة رقم 52 من الصفقة رقم 13/2019/DA/CS/MDT/DM، وتخص اقتناء 250 ألف وحدة من التحليلات لتوزيعها على 250 مركزا صحيا بالمغرب. ورفضت الشركات المنافسة سحب العروض التي تقدمت بها للمشاركة في الصفقة، وقررت مراسلة مجلس المنافسة والمجلس الأعلى للحسابات بخصوص هذا الموضوع.