شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

وزراء خرجوا من رحم الوداد تاريخ البطولات.. حكايات وأسرار

حين توج فريق الوداد الرياضي بلقب دوري أبطال إفريقيا، عقب فوزه على الأهلي المصري، رفع اللاعب الإيفواري الشيخ كومارا لافتة حملت عبارة «غزاة إفريقيا قولا وفعلا»، وهي اللافتة التي رفعها مشجعو الوداد ردا على لافتة من جماهير الترجي التونسي كتب عليها: «إفريقيا تحت السيطرة»، وردا على «تيفو» ضخم وضعه أنظار الأهلي في مدرجات مركب محمد الخامس يحمل عبارة: «الأهلي نادي القرن في إفريقيا».

مقالات ذات صلة

إعداد حسن البصري

تبين أن الوداد يسعى لاستعادة مجد الكرة المغربية الضائع، وبسط السيطرة على إفريقيا كرويا بعد أن ظلت لسنوات تدين بالولاء للأهلي والزمالك والترجي ونجم الساحل، ومن الدار البيضاء وتحديدا مدرجات مركب محمد الخامس كانت اللافتات تحمل إشارات قوية لعودة الوداد إلى دائرة الصراع.

يعتبر نادى الوداد المغربي من أشهر وأقدم الأندية العربية والإفريقية، حيث تأسس عام 1937، لكن تأسيس النادي جاء في وقت كان فيه المغرب تحت الاحتلال الفرنسي، فواجه مؤسسو النادي البيضاوي، الأكثر تتويجا ببطولة الدوري المحلي في المغرب، صعوبات كثيرة، قبل أن يخضعوا مكرهين لقوانين المستعمر بغاية الخروج إلى الوجود، لذا ارتبط الفريق في بداياته بالنضال من أجل طرد المحتل وهزم فرقه الاستعمارية على أرضية الملعب.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار» إعادة لترتيب مسار فريق خرج من رحم السياسة وعاد إليها.

 

 الحزب الوطني.. النواة الأولى لتأسيس الوداد الرياضي

في عام 1937 حصل خلاف بين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني، وذلك قبل نفيهما في السنة نفسها. سبب الخلاف بسيط وفيه سوء فهم كبير، فقد اتفق أعضاء الحزب الوطني على أن يتكلف الوزاني بإعداد القوانين التنظيمية رفقة عمر بن عبد الجليل. وقرر علال الفاسي الاعتماد على أدبيات وقوانين الاتحاد الدستوري التونسي كأرضية لتكوين أرضية قانونية صلبة، حيث اقترح أن يجمع أمين الحزب صلاحيات واسعة بين يديه ويكون رئيس الحزب مكلفا بالأمور الخارجية والعلاقات العامة، لكن أمام استغراب الجميع رفض محمد بن الحسن الوزاني هذه التخريجة رغم أنه كان يمثل حينها أقلية، لهذا حاول كل من محمد بن جلون والمحامي محمد زروق والغرباوي، وهم الذين سيكونون النواة الأولى للوداد لاحقا، لم الشمل من خلال البحث عن توافق دون جدوى، لهذا فلما تأسس الوداد الرياضي في 8 مارس 1937 فإن مؤسسيه كانوا من النواة الصلبة للحزب الوطني.

عكس ما يتداوله البعض وما يكتبه البعض الآخر عن وجود حزب الشورى والاستقلال وراء تأسيس الوداد الرياضي، فإن هذا النادي تأسس قبل ميلاد حزب الاستقلال الذي تأسس عام 1944 وحزب الشورى بعد عامين أي بعد الانفصال عن الحزب، ثم إنه حين تأسس الوداد كان الزعيمان علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني يعيشان في المنفى، الأول في الغابون من 1937 إلى 1946، أي بعد تأسيس حزب الاستقلال، والثاني نفي إلى جنوب المغرب في ما يعرف بالإقامة الجبرية وقضى هناك تسع سنوات إسوة بعلال الفاسي. لكن منزل محمد بن جلون ظل قبلة للوطنيين خاصة أبناء الدار البيضاء وفيه كان ميلاد صرح آخر للمقاومة وهو الوداد.

 

لماذا كانت بداية الوداد من مسبح وليس من ملعب لكرة القدم؟

في 8 ماي 1937، انعقد اجتماع بمنزل الحاج محمد بن جلون في المدينة القديمة، وكانت الغاية منه تأسيس الوداد الرياضي وكانت البداية بفرع السباحة، لأن المسبح كان في المدينة القديمة وكانت السلطات الاستعمارية قد منعت المغاربة من ولوج المسبح الخاص بالمنافسات في إجراء عنصري. لذا ارتأى المؤسسون أن يكون ولوج المغاربة عبر نادي قائم الذات ينافس الفرنسيين ليس فقط على السباحة بل أيضا على الألقاب، لاسيما وأن أبناء المدينة القديمة تمرسوا بالبحر وفيه كانوا يمارسون هوايتهم المفضلة. بعد التأسيس شارك الفريق في مسابقات السباحة وكرة الماء ونافس الأجانب في رياضة تخصصوا فيها.

بدأت الأشغال لبناء المسبح يوم 14 يوليوز 1934 من طرف المهندس هيربييه وحين اكتمل البناء، على الشريط الساحلي لعين الذئاب أصبح قبلة للفرنسيين، ما حز في نفوس المغاربة وأبناء المدينة بالتحديد. وهو المسبح الذي كان يسع لأكثر من أربعة عشر ألف زائر، لكن طاله الإهمال زمنا طويلا إلى أن هدم وشيد على أنقاضه مسجد الحسن الثاني.

 

عنوان فيلم من بطولة أم كلثوم يدخل تاريخ الكرة المغربية

لم تكن هناك أسماء متداولة للنقاش في الجمع العام التأسيسي يوم 8 ماي 1937، لكن طرحت بعض المقترحات على طاولة النقاش، قبل أن يطرق باب منزل محمد بن جلون أحد المدعوين للجمع وهو عبد الرحمن بن علام، وبرر تأخره بوجوده في سينما «ريالطو»، حيث شاهد فيلما من بطولة أم كلثوم يحمل اسم «وداد» وهو أول أفلام كوكب الشرق. قال له الحاضرون إن الوداد تعني المحبة والإخاء وشرعوا في دراسة المقترح قبل أن تخترق زغرودة الفضاء وكانت قادمة من منزل مجاور، فقال المحامي زروق إنه فأل حسن وتمت الموافقة على أن يحمل النادي اسم الوداد الرياضي. لذا يردد الأهلاويون لازمتهم: «الوداد احنا لي سميناه».

تناسلت الفروع واتسعت قاعدة الوداد فقد تأسس فرع كرة السلة وكان يلعب له الطيب الصديقي والعربي بن مبارك أيضا وعبد الرزاق مكوار الذي سيرأس الوداد لاحقا، ثم تلاه فرع كرة القدم وفي بداية الأربعينات تأسس فرع الريكبي وبعده الكرة الطائرة وألعاب القوى ثم كرة اليد وكانت بعض الفروع تضم فرقا نسوية، في زمن كان فيه من الصعب على المرأة الخروج من البيت فما بالك بممارسة الرياضة.

لا بد هنا أن نتوقف عند اسم طواه النسيان وهو عبد اللطيف العلمي، المدير العام السابق لشركة «فولفو»، لقد ترأس الوداد منذ سنة 1945 إلى 1948، وعرف بحبه للفريق، كما وعد ببناء ملعب خاص بالنادي واقتناء عقار يليق باسم الفريق، لكن الأقدار شاءت أن يموت في حادثة سير حين كان عائدا من مدينة الجديدة. لكن الكثير من الوداديين لا علم لهم بدعم الوداد من طرف كريم العمراني لأن هذا الأخير كان يفضل أن يظل بعيدا عن الأضواء.

 

قصة استقالة «الأب جيكو» من تدريب وتسيير الوداد

تعددت الروايات حول انتقال محمد بلحسن العفاني المعروف بلقب «الأب جيكو»، من الوداد إلى الرجاء. لكن لا بد من تصحيح خطأ شائع عند الرجاويين، «الأب جيكو» لم يكن يوما مؤسسا للرجاء البيضاوي، كان مدربا فقط، وقد يكون الأكثر تأثيرا في تاريخ هذا الفريق. أما سبب ابتعاده عن الوداد فيرجع إلى المؤامرة التي حيكت ضده من طرف بعض لاعبي الوداد الذين تقدمت أعمارهم وبدأ كل منهم يشعر بقرب انتهاء صلاحيته، خاصة وأن المدرب «الأب جيكو» كان يراهن على الشبان. لقد عمل اللاعب إدريس جماد على تكوين جبهة ضد المدرب، لأنه شعر ورفاقه بقرب اعتزالهم، وفي الجمع العام الذي كان التصويت فيه للاعبين والكلمة لهم، لوحظ أن إدريس جماد ولمفضل بن جلون رفعا يديهما ضد «الأب جيكو» الذي خسر التصويت بصوتين فقط. حينها رحل إلى ضيعته في ضواحي تارودانت وانقطعت أخباره. لقد كان الرجل فلتة كروية لن يجود الزمان بمثلها، سيما أنه كان أوائل المغاربة الذين نالوا شهادة الباكلوريا، مما يعكس الجوانب المعرفية لمدرب استثنائي.

حين شعر «الأب جيكو» بالمؤامرة اختار الابتعاد عن الوداد، خاصة وأن علاقته بمحمد بن جلون المؤسس تأثرت كثيرا بما حصل في الجمع العام، في هذه الفترة سافر المعطي بوعبيد المسير المرجعي للرجاء البيضاوي، إلى تارودانت وأقنع المدرب الغاضب بالانضمام للرجاء فلبى الدعوة. ولكن حتى وهو يدرب الرجاء فقد ظل في منصب كاتب عام للوداد والوثائق ما زالت موجودة وتؤكد هذه الازدواجية. لقد كان يردد «الوداد بنت القلب والرجاء بنت العقل».

لا يلغي الانفصال التقني الارتباط الإداري والوجداني لـ «الأب جيكو» بالوداد، إذ ظل كاتبا عاما في المستندات الرسمية. لقد كان صارما وغالبا ما يمنع الرؤساء من التدخل في اختصاصاته. مرة طلب منه مسؤولو الوداد تخصيص اجتماع أسبوعي للحديث عن الجوانب التقنية لكل مباراة، وخلال الاجتماع وجه إليه أحد مسيري الوداد أسئلة تخص النهج التكتيكي للفريق، فانتفض في وجهه وقال له: «هل تجرأت مرة وسألتك عن طريقة قياس الأثواب ونوعيتها؟» وكان المسير من أشهر بائعي الأثواب في طريق مديونة، منذ ذلك الحين ألغيت هذه الاجتماعات.

 

سر اختفاء مدرب الوداد بعد قيادته الرجاء للصعود

المدربون الأوائل للرجاء كلهم جاؤوا من الوداد، قاسم قاسمي كان عميدا للوداد واشتغل ناخبا وطنيا وساهم في صعود الرجاء للقسم الأول، وبعد المباراة أعلن استقالته في صمت وانسحب، أما ثاني مدرب للرجاء فهو الودادي محمد ماصون ويعد واحدا من الرجال العظماء في تاريخ «وداد الأمة» فهو موسوعة كروية، وكان من مؤسسي فرع كرة القدم لكونه يحمل الجنسية الفرنسية، وكان ضمن الجيل الذهبي للفريق الذي فاز بأول بطولة وطنية سنة 1948 كما فاز بثلاثية تاريخية رفقة الفريق، لقد درب الرجاء بعد قاسمي وحين جاء «الأب جيكو» للرجاء عاد ماصون إلى الوداد، كما درب المنتخب الوطني سنة 1960 وأشرف على تدريب النادي القنيطري والمغرب الفاسي وأنجي الفرنسي. ونظرا لخبرته الكبيرة فقد تم تكليف محمد ماصون بالإشراف على أول مدرسة لكرة القدم في المغرب والتي وضع لبنتها الأولى عبد الرزاق مكوار. ودادي آخر درب الرجاء وهو عبد القادر جلال الرجل العظيم مربي الأجيال الذي ساهم في طريق الوحدة، لقد كان لاعبا وحين أصيب حارس المرمى الرسمي تقمص دور الحارس وظلت شباكه نظيفة، انتقل من المدينة القديمة لدرب غلف وساهم في صنع الأجيال مدربا للرجاء ومؤسسا للرياضة في هذا الحي.

 

حين دمج مولاي الحسن لاعبي الوداد في سلك الأمن

عبر تاريخ الوداد الرياضي هناك مجموعة من اللاعبين والمسيرين والمؤطرين الذين ناضلوا ضمن الحركة الوطنية، العفاري ورفقي والزهر واللائحة طويلة اعتبروا من المقاومين، فخلال الموسم الرياضي 1949/1950 كان الوداد عنوانا للمقاومة ضد المحتل الفرنسي، وكل المباريات تستقطب جمهورا غفيرا يجد في الوداد وفي لاعبيها الكيان القادر على مواجهة المستعمر، إذن كل لاعبي الودادي اعتبروا مقاومين لهذه الاعتبارات. لهذا فحين تم تأسيس جهاز الأمن أعطيت الأولوية للمقاومين وكثير من اللاعبين الوداديين اشتغلوا في «الساتيام».

عمل في جهاز الأمن السياسي العديد من الوداديين كاسفيران وبارجو وآخرين، لا يمكن أن ننعتهم بالجلادين، لأنه لا أحد ينكر دورهم في المقاومة وإخلاصهم للوطن، وما تكبدوه من محن في مواجهة المستعمر، لقد ساهموا في الكفاح من أجل إجلاء الفرنسيين وقاوموا من أجل عودة محمد الخامس من منفاه، لهذا فلا يعقل أن يقوم مقاوم بعد الحصول على الاستقلال بنسج مؤامرات ضد النظام.

عملية الإدماج في صفوف الأمن بدأت مباشرة بعد الحصول على الاستقلال حين قررت إدارة الأمن الوطني حديثة النشأة إدماج المقاومين في سلك الأمن، لهذا كان بعض لاعبي الوداد سباقين للعمل في الشرطة. وفي بداية السبعينات كان أحمد الدليمي بدوره وراء إدماج العديد من اللاعبين الممارسين في اتحاد سيدي قاسم ضمن وظائف مختلفة في الأمن بحكم منصبه كمدير عام للأمن الوطني. أيضا فريق الشرطة ومنتخب الشرطة الوطني ساهما في توظيف لاعبين في هذا القطاع.

وحين قررت إدارة الأمن الوطني في نهاية الستينات تكوين الشرطة للمشاركة في كأس المغرب العربي للشرطة والتي كانت ستنظم في ليبيا، أسندت تمثيلية المغرب في دورة طرابلس لفريق غالبية لاعبيه من الوداد وتم الفوز باللقب.

 

وزراء وخدام الدولة الذين ساندوا الوداد

 

كان رئيس الوداد البيضاوي عبد القادر بن جلون حاضرا في أول حكومة للمغرب سنة 1955 أو ما يعرف بحكومة البكاي بن مبارك، وهي أول حكومة في المغرب بعد استقلاله عن فرنسا، لقد تم تعيينه من طرف محمد الخامس وزيرا للمالية.

وقد ساهم الأمير مولاي الحسن في إلحاق عدد من الوجوه الودادية بالحكومة السابق ذكرها.

لكن المحامي عبد الرحمن الخطيب، الذي ترأس الوداد سنتي 1949 و1950، وشقيق صديق محمد الخامس الطبيب الجراح والسياسي عبد الكريم الخطيب، كان أقرب رؤساء الوداد إلى قلب ولي العهد حتى بعد أن أصبح ملكا.

عينه الحسن الثاني وزيرا للداخلية، وحين حصل تغيير حكومي استدعاه الملك لجلسة ثنائية، وأشعره بالانتقال من وزير للداخلية في حكومة أحمد باحنيني، وهي الحكومة التاسعة للمملكة، إلى وزير للشبيبة والرياضة بعد تعديل حكومي يوم 20 غشت 1964، وهي الحكومة التي تم حلها في يونيو 1965 بسبب الاحتقان الذي تجسد في إضراب التلاميذ. طلب الحسن الثاني من عبد الكريم الخطيب، الإسلامي المقرب من الملك ومؤسس حزب العدالة والتنمية، إقناع شقيقه عبد الرحمن بقبول المنصب، وهدأ من غضبه بعد أن اعتبر هذا الأخير تعيينه وزيرا للرياضة انتصارا للمعارضة التي دخل معها في معارك مفتوحة حين كان وزيرا للداخلية، والتي خلفه فيها الجنرال محمد أوفقير.

لحسن حظ عبد الرحمن أن شقيقه عبد الكريم الخطيب، كان رئيسا لمجلس النواب في نظام الغرفتين، وهو ما جنبه الكثير من العواصف، ويرى الكاتب الصحفي محمد الأشهب أن تعيين الوزير عبد الرحمن الخطيب «كان محط استغراب الجميع بعد تعيينه على رأس الشبيبة والرياضة».

رغم أن كريم العمراني كان من أصول فاسية إلا أنه عاش في الدار البيضاء، وكان عاشقا للوداد حيث ظل يساعد النادي على تدبير مبارياته ورحلاته ومعسكراته، كان المسيرون يقصدونه في متجره بوسط المدينة حيث كان يبيع الأدوات المنزلية قبل أن يغير وجهته. لم تكن للرجل ميولات سياسية فقد كان همه الأول هو أن يصبح رجل أعمال، إلا أن السياسة جرفته، حيث شغل منصب الوزير الأول في عهد الحسن الثاني، كما شغل الراحل كذلك منصب رئيس مدير عام المكتب الشريف للفوسفاط، قبل أن يؤسس مجموعة اقتصادية أصبحت تعد من أكبر الشركات المغربية، والتي خلفته على رأسها ابنته سعيدة العمراني. وجه آخر كان محبا للوداد وهو المهدي المنجرة صديق كريم العمراني.

كان أول وزير للصيد البحري في تاريخ المغرب هو بنسالم الصميلي، الذي اشتغل إلى جانب الرجاوي المعطي بوعبيد على الرغم من اختلافهما الكروي، عرف بنسالم بعشقه للوداد، وهو أول مدير للجمارك بالمغرب سنة 1960 ثم رئيسا مديرا عاما لشركة «كوماناف»، ثم عاد في السبعينات إلى الجمارك، بل إنه كان وراء إقناع عبد الرزاق مكوار برئاسة الوداد وبالتعاون معه لمصلحة الفريق وكان عبد الرزاق مديرا لمكتب التسويق والتصدير.

وشغل الطاهيري الجوطي مناصب قيادية في الوداد قبل أن يعين وزيرا للرياضة والشباب في بداية السبعينات، وحين كلف الطاهري الجوطي بهذه المهمة ضم لديوانه مسيرا وداديا اسمه أبو بكر اجضاهيم، الرئيس السابق للوداد البيضاوي. كما انضم إدريس جطو لمكتب الوداد البيضاوي وساهم في دعمه قبل أن يتم استوزاره لاحقا.

لكن الوزير الأكثر حبا للوداد وإصرارا على معرفة نتائجه حتى خلال مهامه الخارجية، هو أحمد العسكي، الذي كان عاشقا للفريق الأحمر رفقة أفراد أسرته بالمدينة العتيقة للدار البيضاء، علما أن الأخ الأكبر لمحمد العسكي كان صديقا لمحمد بنجلون ولوالده عبد الواحد بن جلون، وعايش تأسيس الوداد الرياضي. أما أحمد فقد لعب في صفوف «اليسام»، الفريق الذي كانت ترعاه سلطات الحماية الفرنسية وكان يضم في صفوفه خيرة اللاعبين المغاربة والأجانب، أما عبد اللطيف فقد لعب بدوره لـ «اليسام» وعلال الذي لعب لنفس الفريق قبل حله، لكنه أصبح لاعبا دوليا في لعبة الريكبي. لكن ليست الرياضة هي الشغل الشاغل لأفراد أسرة العسكي، بل إن الدراسة كانت في المقام الأول. وإن كانت نشأة أسرة العسكي في المدينة القديمة للدار البيضاء جعلت غالبية أفرادها يتطبعون بطبائع الوداد فدانوا له بالحب والهيام، كان الأخ الأكبر محمد وداديا حتى النخاع وعلى خطاه سار علال وأحمد قبل أن يخرج عبد اللطيف عن الإجماع الأسري ويختار عشق الرجاء.

 

محمد الخامس يطالب بتغيير اسم الوداد

يقول أبو بكر اجضاهيم: «دعانا محمد بن جلون الرئيس المؤسس للوداد لاجتماع طارئ، وأخبرنا بأنه التقى بالسلطان محمد الخامس في لقاء رسمي بقصره في الرباط، وتحدث معه عن الرياضة في زمن الاستقلال، مشيرا إلى انتشار الأندية الرياضية في ربوع المملكة، ثم طلب منه العمل على تغيير اسم الوداد باسم آخر حتى يبقى الوداد مقترنا بالمقاومة والعمل على إقناع الوداديين بهذا التحول. طلب محمد بن جلون رأينا لأنه مضطر للرد على مقترح السلطان، فقلت له: قل لسيدنا إن وداد عهد الاستعمار قد انتهت، الآن نحن لا نطمح إلا في المعاملة بالمثل كباقي أندية المغرب، كان هدفنا الأول تحرير البلاد أما اليوم فالهدف هو تربية النشء وحصد الألقاب والتنافس الشريف. وحين علم السلطان بموقفنا دعا لنا بالتوفيق».  

الوداد فريق الحركة الوطنية، بمعنى أنه اختار خندقا آخر للنضال ضد المستعمر والملعب، فالمباريات التي كانت تخوضها الوداد ضد «اليسام» الذي كان يمثل الحماية الفرنسية، تجسد مساندة الشعب المغربي للوداد كممثل للحركة الوطنية وانتصاره ميدانيا أشبه بالفوز السياسي على مستعمر، من هذا المنطلق عرف السلطان محمد الخامس بحبه للوداد.

كما عين السلطان محمد الخامس ولي عهده مولاي الحسن رئيسا شرفيا للوداد، وهناك تعيين رسمي بوثيقة، بل إن الوداد توصلت برسالة ملكية في هذا الموضوع، كما أن الحسن الثاني قبل أن يجلس على عرش أسلافه المنعمين كان مواظبا على متابعة مباريات الوداد وكان ينتقل من الرباط إلى الدار البيضاء لهذه الغاية، وأكثر من ذلك أنه كان يحضر معسكرات الوداد ويقضي معنا ساعات طويلة في ضيعة برادة في بنسليمان والتي كان يشرف على تسييرها المهندس الفلاحي عمر بن عبد الجليل، بل إن ولي العهد جاء إلى المعسكر وحمل معه مبلغ 500 ألف فرنك مساهمة منه للمقاومة المغربية ولقد تسلمها سيدي محمد الركيبي. ويمكن الرجوع إلى حوار صحفي للاعب الفتح السابق الحسين الزاز مع الصحافي منصف اليازغي، قال فيه بالحرف إن الحسن الثاني كان لا يخلف الميعاد مع مباريات الوداد، وحتى حين تأسس نادي الجيش الملكي لم ينس عشقه القديم، بل وسعى النادي العسكري عند تأسيسه للاستعانة بلاعبين وداديين.

حين كان محمد السادس وليا للعهد كان يتردد على ملعب محمد بن جلون لإجراء حصص تدريبية رفقة مولاي هشام، ثم إن الملك الحسن الثاني عين بدوره ولي العهد رئيسا شرفيا للوداد ولا تزال الرسالة موجودة إلى اليوم في النادي، كما أن عطفه شمل العديد من لاعبي الوداد.

 

سر وجود أعضاء مؤسسين للوداد من اليهود المغاربة

يجب وضع الوجود اليهودي داخل الأندية المغربية في سياقه التاريخي، ويجب استحضار دستور 2011 الذي اعترف باليهود المغاربة كجزء من الهوية المغربية، ومن النادر أن تجد دولة مسلمة تعترف بأن اليهودية جزء من مكونات هويتها إلى جانب الثقافة الإسلامية والصحراوية والأمازيغية والأندلسية. هذه الكيمياء هي التي جعلت من المغرب بلدا منفتحا ومتعددا.

وبالنسبة للحضور اليهودي في الوداد عند التأسيس، فالمسألة عادية لأنه في عهد الحماية الفرنسية كان اليهودي المغربي الدكتور ماكس، وهو طبيب أسنان وسائق للمقاومة كان يقطن قرب سينما الشاوية في كراج علال، وظل وفيا للحركة الوطنية إلى أن توفي. وفي الحكومات المتعاقبة ظل اليهود المغاربة حاضرين بقوة كالدكتور بن زاكين وسيرج بيرديغو وأندري زولاي. كيف نقبل بوجود أسماء يهودية في دائرة القرار السياسي ونرفضهم في الأندية الرياضية؟ علما أن القوانين التي كانت تضعها الحماية هي التي حتمت على مؤسسي الوداد ضمهم إلى الجمعية حتى لا تلغي الإقامة العامة المكتب المسير، لكن وعلى الرغم من مكانتهم الاعتبارية في المجتمع البيضاوي إلا أنهم لم يكونوا مؤثرين في اتخاذ القرارات ولم يسيروا عمليا.

تاريخيا، كان الحضور اليهودي موجودا بقوة في الأندية المغربية لا يخلو فريق من لاعب أو مدرب أو مسير.. لذا علينا وضع القضية في سياقها التاريخي.. وهنا لا بأس من التوقف عند حكاية يهودا أنكري السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية وهو من أصول مغربية، فقد عبر في حوار صحفي عن عشقه للرجاء البيضاوي.

 

فنانون عشقوا الوداد

كان العايدي ولقبه ولد سي علي، عاشقا للوداد، لقد تحدث حسن لعروس في كتابه حول المدينة القديمة للدار البيضاء عن هذا الشاب الذي كان فنانا موسيقيا ومناضلا شيوعيا، عرف في أوساط شباب المدينة القديمة بأغانيه التي كان يحاكي فيها سيد درويش، ومحمد عبد الوهاب، وحين أنهى دراسته في المعهد الموسيقي بشارع باريس رحل إلى فرنسا في بداية الخمسينات، حيث انضم لمعهد الموسيقى في العاصمة الفرنسية وارتبط بعلاقة عاطفية مع ابنة مدير المعهد فرنسية الجنسية، لكن العايدي سيموت برصاص المستعمر الفرنسي وستصر زوجته قبل دفن جثمانه في مقبرة الشهداء أن تلف جسده في علم المغرب.

جل الفنانين في المدينة القديمة كانوا يعشقون الوداد الرياضي، أبرزهم أحمد البيضاوي، واسمه الحقيقي أحمد شهبون، عام 1918، كان والده مسؤولا بالمدرسة البحرية يصنع الشباك ويعلم الطلبة هناك، أول أغانيه في الأربعينات من القرن الماضي، على العود فقط، مما جعل الراحل محمد الخامس، يكلفه بتأسيس جوق موسيقي وغنائي مغربي. أيضا المعطي البيضاوي مؤسس جوق الموسيقى العصرية بالمغرب، حفظ الأغاني الشرقية خصوصا أغاني  فريد الأطرش واسمهان فقد كان معجبا بهما كثيرا. وأقبل على تعلم آلة العود، وبدأ يعزف عليها متأثرا بطريقة المشارقة. هناك أسماء عديدة كأحمد البورزكي أحد مؤسسي جوق اختار اسم «جوق الوداد» بمناسبة زفاف الشتوكي، دون أن ننسى بوشعيب البيضاوي وعدة مسرحيين كالبشير لعلج الودادي القح والمقاوم حين اعتقل من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية، وعمره 16 سنة إثر مشاركته في مظاهرة عرفت في أدبيات المقاومة بانتفاضة «جامع السوق» بالدار البيضاء، والشقيقين القدميري وغيرهم من الفنانين الذين عشقوا الوداد.

كان الطيب الصديقي لاعبا دوليا سابقا في كرة السلة ومع فريق الوداد لمدة عشر سنوات، ومارس أيضا العدو الريفي، غير أنه لم يسبق له بتاتا أن لعب كرة القدم، يعترف الفنان المسرحي أيضا بعشقه للوداد البيضاوي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى