شهدت وزارة التربية الوطنية طفرة نوعية في تطبيق الجهوية، سواء على مستوى التدبير أو على مستوى التكوين، جعل منها قاطرة للجهوية في القطاعات العمومية. إصرار الوزارة على تبني التوظيف الجهوي ستتلوه خطوة أخرى على مستوى التكوين نفسه، تتمثل في تكوين الموجهين والمخططين والمفتشين جهويا. السيناريوهات التي وضعتها الوزارة، منذ ولاية الوزير السابق سعيد أمزازي، تتمثل في احتمال خلق مسالك لتكوين هذه الفئة من الأطر داخل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، مثلما حدث مع مسلك الإدارة التربوية وملحقي الإدارة، وسيناريو ثان يتمثل في إدماج مسالك تكوين موازية داخل مؤسسات جهوية مستقلة عن المراكز، تحت اسم المراكز الجهوية لتكوين مفتشي التعليم والمراكز الجهوية لتكوين الموجهين والمخططين.
المصطفى مورادي:
استكمال ورش الجهوية
قطاعات كثيرة ما تزال تدابيرها لتنزيل الجهوية متعثرة جدا، ومنها قطاعات عمومية ماتزال تشتغل بالتقسيم الترابي القديم، ليظل قطاع التعليم رائدا على هذا المستوى منذ خلق الأكاديميات الجهوية في تسعينات القرن الماضي، والتي انتقلت مع السنوات من مؤسسات لتدبير اليومي التعليمي إلى مؤسسات عمومية مستقلة يدبرها مجلس إداري ينعقد بشكل دوري، يصادق على برنامج العمل، وطاقم إداري يرأسه المدير يقوم بتسييرها.
ورش تنزيل الجهوية في قطاع التعليم استمر من خلال مختلف أشكال الالتقائية التي يحققها قطاع التعليم مع مختلف القطاعات العمومية والمنتخبة جهويا وإقليميا، وخاصة في محاربة الهدر المدرسي وضمان تكافؤ الفرص (الدعم التربوي مثلا). وأيضا عندما تم سنة 2012 تأسيس ما يعرف بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهي مؤسسة عملت على تعويض ثلاث مؤسسات تكوينية كانت تستغل بشكل مستقل، هي مراكز تكوين المعلمين، والمراكز التربوية الجهوية والمدارس العليا للأساتذة، هذه الأخيرة تم إلحاقها بالجامعات، في وقت سابق، وأصبحت متخصصة الآن في تكوين طلبة المسالك التربوية.
وفي العلاقة مع التكوين تتجه الوزارة إلى أن يشمل ورش تنزيل الجهوية بعض الفئات من الأطر مايزال تكوينها مركزيا، ونقصد هنا تكوين الموجهين والمخططين والمفتشين. هذه الفئات الثلاث مايزال تدبير تكوينها ممركزا في مركزين اثنين، أحدهما خاص بتكوين المفتشين والثاني بتكوين الموجهين والمخططين.
ثمة بعض السيناريوهات، مثل خلق مسالك لتكوين هذه الفئة من الأطر داخل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، إضافة إلى سيناريو يتمثل في إدماج مسالك تكوين موازية داخل مؤسسات جهوية مستقلة عن المراكز، تحت اسم المراكز الجهوية لتكوين مفتشي التعليم والمراكز الجهوية لتكوين الموجهين والمخططين.
هذا القرار يتم التفكير فيه منذ أربع سنوات على الأقل، لكون الطاقة الاستيعابية للمركزين المذكورين لا تلبي حاجيات القطاع من الفئات الثلاث، خصوصا وأن الرهانات الكبرى التي تخطط الوزارة للوصول إليها لها علاقة مباشرة بمهام المفتشين والموجهين والمخططين، فربط المردودية بالترقية والتصور الجديد لتقويم الأداء، وخاصة أداء المدرسين، يرفع من الحاجة لمفتشين بأعداد كبيرة، خصوصا في ظل التآكل الذي شهده هذا الإطار في السنوات الأخيرة بسبب تقاعد عدد كبير من المفتشين. الأمر نفسه بالنسبة للموجهين والمخططين، لكون الوزارة اليوم تراهن على ما يعرف بالمشروع الشخصي للمتعلم، وهو تصور يحل عدة إشكالات لطالما طرحها التوجيه المدرسي، وأيضا تصور آخر يهم المؤسسات التعليمية هو العمل بمشروع المؤسسة.
لوبيات تصر على التمركز
قرار تأسيس مؤسسات تكوينية جهوية لهذه الفئات يلقى معارضة شرسة من طرف لوبيات تهيمن على المركزين المتواجدين بالرباط، لوبيات لها ارتباطات مالية بمانحين دوليين على غرار اليونسكو. وعدد كبير من الأساتذة في المركزيين يشتغلون متعاونين، إما بشكل شخصي مع المنظمات الدولية أو تحت يافطات مراكز دراسات.
وتتحدث مصادر الجريدة عن أن محاولات سابقة لإزالة الطابع المركزي على تكوين الموجهين والمخططين تحديدا وجهت بشدة من طرف أطقم إدارية وتربوية داخل هذا المركز، وتم فيها الاستقواء بمنظمات دولية وأيضا مؤسسات دستورية لها علاقة بالتقييم والتخطيط وإنجاز الدراسات في مجال اجتماعي حيوي مثل التعليم.
رفض أغلب الأطقم الإدارية والتربوية لقرار خلق مراكز جهوية لتكوين المفتشين والموجهين والمخططين، له علاقة أيضا، بحسب المصادر نفسها، بطبيعة التركيبة البشرية لأساتذة المركزين، حيث تم تعيين أغلبهم طيلة سنوات بقرارات إدارية فوقية دون تبارٍ شفاف، لأنه سبق لهم أن عملوا في مواقع مختلفة للمسؤولية (نواب سابقين، مديري أكاديميات سابقين، مديرين مركزيين سابقين..) أو اشتغلوا في دواوين الوزارة المختلفة، وحصلوا على تعيينات في الساعات الأخيرة قبيل مغادرة الوزراء الذين اشتغلوا معهم. بدليل أن العديد من المستفيدين من هذه التعيينات لم تتجاوز الشهادات العلمية التي حصلوا عليها عتبة الإجازة ساعة تعيينهم، قبل أن يستكمل بعضهم مسارهم العلمي مستفيدين من توقف التكوين لسنوات في مركز التفتيش مثلا والعدد القليل من المتدربين في مركز التوجيه والتخطيط.
ارتباطات بعض أساتذة المركزين بمنظمات دولية كانت موضوع تحقيقات عديدة، سواء تحقيقات وافتحاصات داخلية قامت بها المفتشية العامة للوزارة، أو تلك التي تمت من طرف المجلس الأعلى للحسابات. وطيلة السنوات الماضية شهد المركزان خروج صراعات تقودها أطراف مختلفة إلى العلن، وبعضها كان موضوعا لبيانات نقابية. وكل هذه الأطراف تُعد المستفيد الأول من بقاء الطابع المركزي لتكوين المفتشين والموجهين والمخططين.
وفي الوقت الذي قطعت الوزارة أشواطا كبيرة في الجهوية نجد أن هذين المركزين ظلا يقاومان التوجه الجديد للدولة، وبالتالي، تختم المصادر، بأن مقاومة هذه اللوبيات للجهوية ستنهار حتما وأن توطين تكوين الموجهين والمخططين والمفتشين في جهات المملكة مسألة وقت.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
عن كثب:
معضلة فارق السن بين المدرس والتلميذ
من الأفكار القوية التي تثيرها المفكرة الأمريكية، ألمانية الأصل، حنا أرندت، في مقالتها الشهيرة «أزمة التربية»، العلاقة بين التربية والسلطة، سواء كانت السلطة مجسَّدة في السياسي أو في المدرّس أو سلطة الراشد على الطفل بعموم القول.. لذلك فهي مقالة تتناول موضوع التربية بعمق فلسفي وبحس نقدي دقيق، يجعلانها ذات راهنية بالنسبة إلى كل محاولة للتفكير في أفق التربية في عالمنا المعاصر، سيما في مغرب تحوّلت فيه التربية إلى معضلة. وسنقتصر على بعض الأفكار الواردة فيها ومحاولة استلهامها في قراءة بعض أوجه الاختلال في منظومتنا التربوية.
تبدأ أرندت في تفنيد التصور الأنواري، الذي يقول فيه روسو «إن التربية وسيلة سياسية، وإن السياسة ذاتها شكل من أشكال التربية» لتؤكد، في المقابل، أن التربية لا يمكن أن تؤدي أيَّ دور سياسي، لأننا نتعامل في مجال السياسة مع من سبق لهم أن تلقوا تربية، و«كل من يريد تربية الراشدين إنما يريد أن يكون وصيّا عليهم ويصرفهم إذ ذاك عن أي نشاط سياسي»، فمن يدّعي من الساسة أنه مربّ لا يريد سوى تبرير ممارسته الإكراه دون استعمال القوة.. ولأن السياسيّ، بطبيعته، مسكون بنزوع صميميّ إلى التحكم، فإنه لكي تكون للأجيال الجديدة مكانة في النموذج المجتمعي الذي يستهدفه هذا السياسي، «يتوجب إبعاد الشيوخ عن الدولة»، لأن مقترحات عالم الراشدين هي مقترحات قديمة في نظر الأجيال الجديدة، مهْما بذلَ السياسي الشيخ جهدا للظهور بمظهر المجدد والتحديثي. والمشكلة هي أن الأجيال الجديدة تجد نفسها مضطرة إلى العيش في عالم قديم بالنسبة إليها، وما أشكال التمرد الذي يواجَه به الوضع القائم من طرف هذه الأجيال إلا محاولة يائسة لخلق عالم جديد يناسب عالمهم الجديد، وهي محاولة يائسة، لأن السياسي يعتبر التربية شأنا خاصا به، يتم من خلاله خلق ذهنيات تقبل الإكراه طواعية.
وفي السياق المغربي، إذا ما حاولنا استلهام فكرة حنا أرندت في تشريح مجموعة من العناصر التي تشكل بنيتنا التربوية، فإن في إمكاننا تجريب نظرة مختلفة عن واقعنا التربوي، بل وعن أدوارنا فيه، إذ إن الوعي بكوننا كراشدين لا نقدر على فهم زمن الأجيال التي ندرسها هو مدخل لإعادة ترتيب مجموعة من العلاقات الصارمة، وصرامتها لا تأتي من منطقها، بل من اعتقادنا بها لا غير، كالعلاقة بين المدرّس والمتعلم، والعلاقة بين المفتش والمدرس الجديد، والعلاقة بين الأستاذ المكون في مراكز تكوين المدرسين والطلبة الأساتذة..
قد تبدو هذه الفكرة غريبة، بل ومزعجة، بالنسبة إلى البعض ممن يعتقدون بانحدار التعليم والمستوى المعرفي والقيمي لمتعلمي اليوم، في مقابل سموّ تعليم ومتعلمي أمس، فهم معذورون على هذا لأنهم ينتمون إلى زمن يجعلهم اليوم يشعرون بالغرابة، ومن منا لا يشعر بذلك؟.. لكنْ، لماذا لا نفكر، على الأقل، في أن ننهج طريقة أخرى في النظر إلى الأجيال الجديدة بعيدا عن أحكام القيمة، فهُم، في كل غرابتهم بالنسبة إلينا، منتمون، متجذرون في زمنهم.
إن هذه الفكرة مغيبة تماما من طرف أغلب الفاعلين في مجال التربية لدينا، وخصوصا هؤلاء الذين يحتكّون بالمتعلمين يوميا ويقفون على حقيقة ساطعة وهي أنهم أمام أجيال جديدة خُلِقت لزمان غير زمانهم، وعدم قدرتنا على محاولة الفهم والإنصات إلى هذه الأجيال، وهي عملية صعبة وشاقة، نُعوّضها بأحكام جاهزة، تصنف المتعلمين لا بمعايير زمانهم بل بمعايير زماننا، نحن الراشدين، أو المحنكين.. ويصبح المتعلم «المثالي» في معاييرنا هو الذي يشبهنا ويتماهى مع طرائق تفكيرنا، بينما يتم قمع وممارسة شتى أنواع الإكراه على المتعلم الذي يختلف معنا، أي المتعلم الذي يعكس زمانه هو لا زماننا نحن، معتمدين في تبرير هذا على رزمة من أحكام القيمة التي لا تعكس إلا عدم قدرتنا على الفهم ودروبه الصعبة.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:
215
تعهد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإحداث 215 مؤسسة تعليمية جديدة و46 داخلية جديدة، وتوسيع المؤسسات التعليمية القائمة من خلال بناء 2200 حجرة جديدة، وتجهيز المؤسسات التعليمية المرتقبة للدخول المدرسي المقبل. كما سيتم التأهيل الجزئي أو الشامل لأزيد من 1700 مؤسسة تعليمية، وبلورة برنامج لتعميم المرافق الصحية وربط الوحدات التعليمية بالشبكة الخارجية للصرف الصحي، وكذا ربط 1246 مؤسسة تعليمية بشبكة الماء أو توفير صهاريج الماء الشروب، وربط 868 مؤسسة بشبكة الكهرباء أو توفير الطاقة الشمسية، فضلا عن توفير الأسوار والسياجات لأزيد من 1290 مؤسسة تعليمية.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
برنامج تيسير للدعم المالي المباشر للتلاميذ الفقراء يدخل مرحلة التدبير المفوض
تراهن عليه الحكومة لمحاربة الهدر المدرسي في المدارس القروية
عملت الحكومة قبل أيام على اعتماد التدبير المفوض للإشراف على برنامج تيسير بدءا من تسجيل التلاميذ المستحقين للدعم وصولا لصرف المنح للمستفيدين. اعتماد هذا الأسلوب سيعفي مسؤولي الوزارة من عمليات ورقية مكلفة ومجهدة، خصوصا وأن الوزارة هي التي كانت تصرفها بالتنسيق مع وزارة المالية. وتراهن الحكومة على الدعم المالي المباشر للتلاميذ لمحاربة الهدر المدرسي.
التدبير المفوض لتيسير
أعلنت الحكومة عبر وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أنه سيتم، ابتداء من الاثنين، الشروع في التسجيل ببرنامج «تيسير» برسم الموسم الدراسي 2023/2022 بالنسبة للتلميذات والتلاميذ الجدد الذين يتابعون دراستهم بالسلك الابتدائي بالوسط القروي والسلك الإعدادي بالوسطين القروي والحضري، والراغبين في الاستفادة منها. هذه العملية تأتي في إطار تنفيذ اتفاقية الشراكة المتعلقة بالتدبير المفوض لبرنامج تيسير للتحويلات المالية المشروطة إلى صندوق الإيداع والتدبير للاحتياط، المسير للصندوق الوطني للتقاعد والتأمين والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
وفي تفاصيل الخبر، فإن على آباء التلاميذ الجدد الذين يتابعون دراستهم بالسلك الابتدائي بالوسط القروي والسلك الإعدادي بالوسطين القروي والحضري، والراغبين في الاستفادة من برنامج تيسير، الشروع في التسجيل بالبرنامج برسم الموسم الدراسي 2023/2022 ابتداء من يوم الاثنين 21 نونبر 2022، بالنسبة للقاطنين بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، وهذه المرحلة تهم التجريب التقني لعملية التسجيل، قبل التعميم على باقي جهات المملكة يوم الاثنين 05 دجنبر الجاري.
محاربة الهدر المدرسي
الهدر المدرسي يشكل تحديا مقلقا للحكومة و331 ألف تلميذة وتلميذ غادروا حجرات الدراسة خِلَالَ الموسم الدراسي2020-2021، مَا يشكل نسبة 5.3 فِي المِائَةِ من مجموع التلاميذ، بارتفاع يقدر بـ0.3 فِي المِائَةِ مقارنة بالموسم الدراسي الماضي 2019–2020. وترتفع نسبة الهدر المدرسي بِالتَّعْلِيمِ الإعدادي حَيْث تصل نسبته إِلَى 9.7 فِي المائة، فِيمَا تبلغ نسبة الهدر المدرسي بِالتَّعْلِيمِ الثاني 7.4 فِي المِائَةِ وَفِي الابتدائي 2.9 فِي المِائَةِ.
رهان الحكومة على محاربة الهدر المدرسي يرتبط أيضا بمحاربة تزويج القاصرات، وَهِيَ ظاهرة مجتمعية تتضافر جهود الحكومة ومكونات المجتمع المغربي لمحاربتها والتصدي لَهَا.
وهو رهان تعتبره الحكومة من أولوياتها القصوى بالنظر إِلَى تأثيره السلبي عَلَى مستويات التنمية البشرية وَعَلَى المُسْتَوَى التربوي والاقتصادي.
وفي سياق متصل ستواصل الوزارة تنفيذ مشروع تعميم التَّعْلِيم الأولي بهدف الوصول إِلَى التعميم فِي أُفُقِ 2028. حيث أفضت جهود تعميم التَّعْلِيم الأولي إِلى ارتفاع نسبة التعميم من 45 فِي المِائَةِ خِلَالَ الموسم الدراسي 2017-2018، إِلَى 71 فِي المِائَةِ خِلَالَ الموسم الدراسي الجاري.