شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

وزارة بلمختار تتخبط في اختلالات جسيمة على مستوى الحكامة

أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة تتعلق بفتح الترشح لمناصب ثلاث أكاديميات هي البيضاء ومراكش وأكادير، واستثناء تسعة أكاديميات أخرى من هذا الإجراء، هذا بالرغم من أن الأكاديميات الجديدة تخضع لتقسيم ترابي جديد، لكون الوزارة ستعتمد «الأسلوب» نفسه الذي اعتمدته وزارة الداخلية بخصوص الولاة، والمتمثل في اعتماد حركية في صفوف تسعة مديري أكاديميات، دون فتح الترشحيات من جديد، وفي الوقت نفسه عمدت الوزارة إلى تنظيم مقابلات شفوية مع حوالي 290 مرشحا لشغل مناصب نواب الوزارة في النيابات التي تم الإعلان عنها في وقت سابق.
هذه العملية لم تمر دون تسجيل ملاحظات، تهم أولا غموض المعايير التي اعتمدتها الوزارة في تنقيل مديري أكاديميات وإعفاء آخرين، وثانيا غموض المعايير التي جرى اعتمادها للإعلان عن شغور نيابات واستثناء أخرى، دون حتى أن يتم إخبار المسؤولين عليها حاليا عن مصيرهم، إن كانوا سيستفيدون من تنقيل أو إعفاء، ثالثا حول الآلية التي اعتمدتها الوزارة في انتقاء النواب الجدد، لكون النصف ساعة التي خصصت لكل مرشح غير كافية للاقتناع بكفاءة مرشح أو عدم كفاءته.

حكامة لا علاقة لها بالحكامة
ينتظر 16 مدير أكاديمية، بين رسمي ومكلف، نتائج الحركية التي ستقوم بها وزارة التربية الوطنية في صفوفهم، ليتم تعيينهم بالأكاديميات الجديدة التي تستجيب للتقسيم الجهوي الجديد، والذي تم بموجبه تقليص الأكاديميات من 16 إلى 12. وذلك بعد أن وجهت الوزارة مذكرات داخلية إلى هؤلاء، تطلب منهم اختيار الأكاديميات التي يرغبون في تسييرها في المرحلة المقبلة، والتي ستتميز بتنزيل مقتضيات الجهوية المتقدمة تعليميا. وفي السياق نفسه أخرجت الوزارة مذكرة تهم فتح الترشح لشغل منصب ثلاث أكاديميات. لذلك من المرتقب أن يتم تحديد 9 أسماء من الموجودة حاليا، سيستفيدون من التنقيل، ليضاف إليهم ثلاثة آخرون بعد نهاية المقابلات التي سيتم تنظيمها.
هذه العملية لم تمر دون نقاش يهم شكل الحكامة الذي تنوي الوزارة تطبيقه، خاصة في المرحلة القادمة التي ستتميز بكونها بداية تنفيذ الجهوية المتقدمة وكذا تنفيذ الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
من الناحية القانونية، يبدو أن وزارة التربية الوطنية اختارت عدم اللجوء لمسطرة التعيينات الجديدة كما تحددها القوانين التنظيمية الخاصة بهذه العملية، وما تتضمنه من شروط للترشح ودراسة ملفات الترشح وإجراء المقابلات مع المرشحين، وكذا مسار اقتراح الأسماء لرئيس الحكومة وعمل هذا الأخير على عرض الاسم الذي يراه مناسبا على مجلس الحكومة. وهذا يطرح مشكلة قانونية حقيقية، لكونها قررت أن تقتصر العملية على تنقيل البعض وتثبيت آخرين من ضمن الطاقم الحالي. مع أن الذين سيتم الاحتفاظ بهم إما سيجري تعيينهم في أكاديميات لم يقدموا بصددها أي مشروع، واستثناء أكاديمية طنجة- أصيلة من المناصب الشاغرة معناه أنها ستمنح لمدير أكاديمية لا يعرفها، لأنه لم يقدم مشروعا يهم هذه الجهة. أما الذين سيتم الاحتفاظ بهم في مناصبهم الحالية، فالتقسيم الجهوي الجديد أضاف لمناطق نفوذهم أقاليم وعمالات، بل وجهات بأكملها، لم يقدموا بخصوصها أي مشروع، الأمر الذي يطرح المشكلة ذاتها.
فالمديرون الحاليون، الذين نالوا ثقة الوزارة والحكومة سنة 2013، بناء على مرسوم رقم 2.12.412 الصادر في 24 من ذي القعدة 1433 (11 أكتوبر 2012)، بتطبيق أحكام المادتين 4 و5 من القانون التنظيمي رقم 02.12، يستفيدون من فترة خمس سنوات كمدة لتوليهم مسؤولياتهم، لكن التقسيم الجديد ينزع عنهم هذا الامتياز. فالتعيينات التي حصل عليها هؤلاء تمت بناء على ما اعتبر مشاريع تربوية وتدبيرية قاموا بها في الجهات التي تم تعيينهم فيها، وبالتالي فالتعيينات التي سيستفيد منها هؤلاء، سواء الذين ستنضاف عمالات وأقاليم جديدة لنفوذهم، أو الذين سيجري نقلهم كليا لجهات جديدة، لن تحترم هذا الإجراء.
المسألة واضحة الآن، وهي أن الوزارة ماتزال تعتمد معايير غير واضحة تماما على الرغم من أنها تسمي ذلك الحكامة، فالذين سيتم إعفاؤهم، لابد للوزارة من أن تقدم توضيحا بخصوص ذلك، والعمل على تطبيق إجراءات المحاسبة القانونية في حق الفاسدين منهم أو المقصرين في أداء واجباتهم، والمنتظر هو أن تفتح الوزارة أبواب الترشح في كل الأكاديميات بدون استنثاء، وتعتمد معايير انتقاء أكثر وضوحا، وفي الوقت نفسه تعتمد لجان مقابلة محايدين، تتكون من كفاءات متخصصة لا تنتمي للوزارة ولم تتلوث أياديها بالفساد والمحسوبية والزبونية المستشرية فيها. بدل أن تحتفظ بأشخاص كانوا موضوع تقارير رسمية، سواء من طرف لجان التقصي الداخلية للمفتشية العامة أو من طرف مفتشية وزارة المالية. وأسماؤهم معروفة جدا.
على صعيد آخر، أفرجت الوزارة على لائحة المرشحين المقبولين لاجتياز المقابلات الانتقائية لشغل منصب نائب إقليمي، وهي العملية التي انطلقت الثلاثاء- الأربعاء 1 و2 دجنبر، وضمن اللائحة 290 مترشحة ومترشحا، منهم نواب قدامى سبق لهم أن عملوا في المناصب نفسها في نيابات أخرى، غير التي تقدموا لها، ومترشحون يقدمون ترشحهم لأول مرة.
وتكونت لجان المقابلة من رؤساء أقسام تابعين لمختلف المديريات، وخاصة مديرية الموارد البشرية. وأهم الملاحظات التي تم تسجيلها في هذا الصدد هو مدى استقلالية هذه اللجان في التقارير التي ستنجزها عن كل مرشح، وكذا مدى جدية متخذي القرار في اعتمادها، وأيضا في مدى كفاية نصف ساعة التي جرى تحديدها لكل مرشح للحكم على كفاءة النواب الذين سيتكفلون بتنزيل الإصلاح لأرض الواقع وإدخاله للمؤسسات التعليمية.

عدم مراعاة تقييمات المجلس الأعلى للتربية والتكوين
سجلت الهيئة الوطنية للتقييم في التقرير الذي خصته لثلاث عشرة سنة من تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، عدة ملاحظات تهم الحكامة في قطاع التعليم، وهي الملاحظات التي لم يراعها متخذو القرار في وزارة التربية الوطنية، في هذه المرحلة الحاسمة من تطبيق الجهوية المتقدمة وكذا الرؤية الاستراتيجية، ومنها أن القطاعات الوزارية المختلفة لم تقم على الصعيد المركزي بالتغييرات التنظيمية الكفيلة بتعزيز دينامية العلاقات التي تربطها بالمصالح المركزية الأخرى، وبالكيانات اللامركزية وغير الممركزة، حيث تم اختزال، أو تجديد البنيات الوظيفية التي كانت موجودة قبل الإصلاح، دون أن يكون لذلك تأثير حقيقي على القيم والأنظمة والمنهجيات. ولهذا، استمرت سلسلة اتخاذ القرار التي تربط الإدارة المركزية بالمستويات اللامركزية تشتغل كما كانت من قبل.
وهكذا، بقيت الهيئات المركزية، حسب تقرير الهيئة ذاته، هي صاحبة العديد من القرارات، لأن نقل صلاحياتها واختصاصاتها للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كان يتوقف على إجراءات مرافقة لم تتخذ.
وضعت وزارة التربية الوطنية سنة 2004، بدعم من التعاون الكندي، إطارا استراتيجيا لتنمية النظام التربوي، إلا أن ذلك الإطار لم يترجم إلى برنامج إجرائي شامل من شأنه أن يعبئ جميع الفاعلين. وجاء البرنامج الاستعجالي لمعالجة هذا الوضع، جزئيا، غير أنه لم يجدد بدوره.
إن رهانات الحكامة لم تعالج كما كان ذلك ضروريا، على طول سلسلة العلاقات التي تربط مكونات النظام ببعضها، وتهيكل كل واحد منها. يجب مساءلة آليات الشفافية، وآليات اتخاذ القرار، والحكامة والقيادة، والتقاسم وتبادل الإجراءات، ومراجعتها بغية الوصول إلى تدبير فعال وناجع.
إن التغييرات المتكررة التي مست القطاعات الثلاثة (التربية الوطنية، والتعليم العالي والتكوين المهني)، بسبب التعديلات الحكومية والوزارية المتتالية، أضرت بالاستمرارية الضرورية لمراكمة المكتسبات التنظيمية والإدارية والبيداغوجية. وأثر ذلك سلبا على التسيير الجيد للنظام التربوي، وحال دون استمراره في النمو بطريقة ملائمة، خاصة عندما تحدث تلك التغييرات ارتباكا في العمليات البيداغوجية، دون أن تأتي بابتكارات إيجابية تخص سير المؤسسات المدرسية والجامعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى