هل يقتفي بنموسى أثر وهبي ويفرض الجرعة الثالثة على الشغيلة التعليمية؟
المصطفى مورادي
أمرت وزارة التربية الوطنية رؤساء مصالحها الجهوية والإقليمية بإجراء إحصاء دقيق يهم عدد الجرعات التي أخذها كل موظف، مع التركيز على الموظفين الذين لم يتلقوا الجرعة الثالثة، وذلك بالتزامن مع تشديد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في لقاءات تواصلية مع النقابات، على ضرورة المناعة الجماعية للعودة للحياة الطبيعية.
الأجر مقابل اللقاح
الإحصاء الذي قامت به الوزارة على صعيد الإدارات والمؤسسات التعليمية جدد المخاوف لدى العديد من الموظفين من لجوء الوزارة، على غرار وزارة العدل، إلى فرض جواز التلقيح أو شهادة الإعفاء كشرط لولوج المرافق التعليمية.
لا حديث في كل الإدارات والمؤسسات التعليمية إلا عن خلفيات الإحصاء الذي أمر به وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، حيث وجهت لمديري المؤسسات ورؤساء المصالح استمارات يتعين عليهم ملؤها، يتم فيها وضع أسماء الموظفين العاملين تحت إمرتهم، وتحديد عدد الجرعات التي تلقوها. هذا الإحصاء الذي تم الانتهاء منه قبل أيام، جعل كثيرين يربطون بين هذه العملية ومبادرة اتخذها عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، الذي سيشرع ابتداء من هذا الأسبوع في فرض الأجر مقابل اللقاح في مختلف المحاكم والإدارات التابعة له. والسؤال الذي يطرحه كثيرون في قطاع التعليم هو هل سيتم اللجوء إلى الإجراء نفسه في هذا القطاع، الذي يشتغل فيه أكثر من ثلث موظفي القطاع العام بالمغرب.
وأكدت مصادر مسؤولة من داخل وزارة التربية الوطنية أن فرض اللقاح كشرط لولوج المرافق التعليمية هو قرار في يد الحكومة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم اتخاذه على مستوى القطاع، وأن تطبيق قاعدة الأجر مقابل اللقاح يحتاج لأرضية قانونية في حال عزمت الوزارة على تطبيقه، لأن النظام الأساسي لموظفي القطاع يحدد بدقة الحالات التي يتم فيها اللجوء للاقتطاعات أو لتوقيف الأجرة.
وأكدت المصادر نفسها أن الرهان الأكبر في المرحلة الحالية هو استعادة الزخم التواصلي الذي حدث في القطاع في مرحلة تلقي الجرعتين الأولى والثانية، عندما تجاوز عدد المستفيدين من الجرعتين حاجز 80 في المئة. وهو رقم جعل القطاع في مقدمة القطاعات العامة التي حققت حينها ما يسمى المناعة الجماعية. والوزارة بدأت في ربط الاتصال عبر رؤساء الإدارات ومديري المؤسسات التعليمية مع الموظفين الذين لم يتلقوا الجرعة الثالثة قصد التقدم لأقرب مركز تلقيح، وذلك في أفق تحقيق المناعة الجماعية مرة أخرى، وبالتالي ضمان نجاح العديد من المحطات الحاسمة في السنة الدراسية الحالية، وعلى رأسها الامتحانات الإشهادية التي يأمل بنموسى أن تتم في ظروف عادية كما كان قبل الجائحة، أي دون اللجوء لمراكز رياضية وثقافية وتحويلها لمراكز امتحانات.
ودخل خبراء على خط هذا الجدل المتعلق بإمكانية فرض التلقيح بالجرعة الثالثة في قطاع التعليم، حيث استبعد البعض منهم إمكانية إقدام بنموسى على الخطوة التي اتخذها وزير العدل لكون العملية التعليمية تتدخل فيها أطراف كثيرة. فحسب هؤلاء، فقسم واحد مكون من أربعين تلميذا يدرسهم أستاذ واحد يعني أن أربعين أسرة ينبغي أن تكون جزءا من المناعة الجماعية، وأن تلقي هذا الأستاذ للجرعة الثالثة لا يضمن بالضرورة عدم إغلاق المؤسسة التعليمية التي يشتغل فيها بسبب تسجيل إصابات في صفوف بعض التلاميذ كما حصل في مئات المؤسسات في الأسابيع الأخيرة، والتي تم فيها إغلاق العديد من المؤسسات بالرغم من أن الأغلبية العظمى من الموظفين تلقوا ثلاث جرعات.
التعويل على النقابات في العملية التحسيسية
كان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، دعا المركزيات النقابية إلى «مواكبة الجهود المبذولة من خلال تحسيس الطبقة الشغيلة بأهمية استكمال مسار التلقيح، خصوصا بالجرعة الثالثة المعززة». وشدد أخنوش، خلال اجتماع مع المركزيات النقابية، الأربعاء، على أهمية دور النقابات في «عملية التحسيس بضرورة انخراط الموظفين والمستخدمين في استكمال مسار التلقيح ضد فيروس كورونا». كما شدد أخنوش على «أهمية استكمال مسار التلقيح بالجرعة الثالثة المعززة لاستئناف كافة الأنشطة الاقتصادية بوتيرة عادية بغية مواصلة النهوض بالتنمية وتحقيق الانتعاش الاقتصادي».
وردا على الطرح الحكومي، عبرت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم عن رفضها المطلق لإجبارية التلقيح والاقتطاع التعسفي من أجور الشغيلة، مشددة على أن ذلك يعد «مسا خطيرا بالقيم الدستورية والحقوقية».
واعتبرت النقابة، في بيان توصلت الجريدة بنُسخة منه، الجمعة، أن «أي قرار من شأنه منع الشغيلة التعليمية من ولوج مقرات عملها، أو أي محاولة للمساس بأجور الشغيلة التعليمية الهزيلة، قرار مجحف يستهدف المدرسة العمومية بشكل عام، ويضرب كل المكتسبات التي حققتها بلادنا في مواجهة الجائحة، ويبخس دور الشغيلة التعليمية في ذلك بأداء واجبها بإخلاص وتفان في عز الأزمة». وأكدت الهيئة على رفضها المطلق لكل مساس بحرية المواطنين في تلقي اللقاح من عدمه، أو إجبارية جواز التلقيح، لما في ذلك من مس خطير بالقيم الدستورية والحقوقية.
وانتقدت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم «فرض إجبارية توفر الموظفين على جواز التلقيح لولوج مقرات عملهم، مع التهديد بالاقتطاع من الأجر»، معتبرة ذلك قرارا «يضرب في الصميم حقوق وحريات المواطنين، ويتنافى مع القيم الدستورية والحقوقية المتعارف عليها».
هذا الجدل يعني أن تحقيق «الأمن الصحي» من فيروس كورونا في قطاع التعليم لا يمر بالضرورة عبر تلقي الموظفين للجرعة الثالثة، بل بتحقق مناعة جماعية شاملة لكل المواطنين. ففي الوقت الذي تراهن فيه الحكومة على تلقي الجرعة الثالثة كشرط للعودة للحياة الطبيعية والشروع في إزالة المخلفات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، نجد أن وزارة التربية الوطنية تراهن على العملية نفسها لنجاح السنة الدراسية، ذلك لأنه بدون تلقيح للتلاميذ والأسر أيضا سيدفع الوزارة إلى القيام بإجراءات استثنائية لتنظيم الامتحانات الإشهادية، وخاصة امتحانات الباكلوريا التي تعتبر في المغرب مسألة سيادية.