وزارات مسكونة
هناك وزارات تبدو كما لو كانت مسكونة وبحاجة إلى «التفوسيخ» لكي تطرد عنها النحس الذي يستوطنها.
وإذا كانت بعض الوزارات مسكونة بشياطين التبذير الذين يوحي بعضهم إلى وزرائها اقتناء الشوكولاته من المال العام، فإن البعض الآخر مسكون بشياطين «العكوسات»، إذ بمجرد ما يضع داخلها مدير ديوان الوزير قدميه حتى يغادرها مسرعا.
إحدى هذه الوزارات هي وزارة الشوباني «مول الحوار الوطني».
وإلى حدود اليوم تداول خمسة رؤساء على رئاسة ديوان الحبيب شوباني خلال سنتين، بانتظار تعيين سادس خلال الأسابيع المقبلة. هكذا سيستحق الوزير لقب «بوستة» عن جدارة واستحقاق.
وكان أول الرؤساء الذين مروا من ديوان الوزير الشوباني هو أستاذ القانون الدستوري الذي ورثه الشوباني عن ديوان إدريس لشكر قبل أن ينقلب عليه شوباني بعدما اكتسب خبرته في التعامل مع ملفات الوزارة.
بعد ذهابه استدعى الشوباني مهندسا متقاعدا كان يقدمه كخبير دولي في المالية، بينما كان تخصصه مرتبطا بالطاقة والمعادن. لكن وبما أن ديوان الوزير «مسكون» فسرعان ما سيتم التخلي عن المهندس لفائدة المرأة القوية، سمية بنحلدون، التي يتذكر الجميع كيف أوقفت القطار ذات يوم.
غير أن رفض بنسودة الخازن العام للمملكة التأشير لها للاستفادة من تعويضات منصبها بسبب استفادتها من المغادرة الطوعية، فضلا عن تعويضات البرلمان وقرار تعيينها وزيرة منتدبة في البحث العلمي، عجل برحيلها من الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، تاركة المكان للبرلماني السابق عن البيضاء والرئيس الحالي لفريق مستشاري العدالة والتنمية بمجلس البيضاء والمكلف بلجنة المجتمع المدني.
لكن الرجل بدوره لم يعمر طويلا، حيث رفض بنسودة التأشير على ملفه بمبرر استفادته بدوره من المغادرة الطوعية وتعويضات تقاعد المقعد البرلماني.
المسكين الشوباني وأمام لعنة منصب رئيس الديوان التي ترافقه استدعى موظفا ألحقه أخيرا بوزارته غير إنه ما زال لم يحصل بعد على قرار التعيين. وكل المطلعين على «كوابيس»، عفوا كواليس وزارة الشوباني يتحدثون عن إمكانية تخلي الوزير عن الرئيس الخامس لفائدة رئيس سادس هو مدير الموارد البشرية السابق الذي قدم بعد حوالي ثمانية أشهر استقالته من منصب مدير الموارد المالية والنظم المعلوماتية والدراسات.
المطلعون على شؤون الوزارة يعرفون أن سبب استقالة المدير الجديد مرده إلى الحرب الطاحنة بينه وبين الكاتب العام الذي يبدو أن أيام شغله للمنصب الثاني في الوزارة باتت معدودة، حيث أصبح مهمشا من طرف الوزير الشوباني الذي أطلق بالمقابل يد فاطمة الزهراء بنحساين، مديرة المجتمع، بعدما كلفها بتدبير مديرية الشؤون المالية والموارد البشرية، مما جعل منها الكاتبة العامة الحقيقية.
وفاطمة بنحساين ليست سوى الكاتبة العامة السابقة لمنتدى الزهراء الذراع النسائي لحركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية.
المديرة بنحساين لا تحتفظ بعلاقات جيدة مع الكاتب العام مثلها في ذلك مثل المدير المستقيل والسبب أن الكاتب العام قدم استفسارا قانونيا حول غياب غير مشروع للمديرة قبل شهرين، وهو ما اعتبرته السيدة المديرة إهانة لتعلن الحرب على الكاتب العام.
الاستفسار التأديبي حول الغياب وجه كذلك لرئيس مصلحة التواصل الذي «تدبرت» له زوجته البرلمانية أمينة ماء العينين منصبا في وزارة الشوباني، هذا الأخير يستعد لترقيته إلى رئيس قسم حكامة المجتمع المدني بعد أقل من سنة واحدة على التحاقه بوزارة العلاقات قادما إليها من ثانوية من تزنيت.
استفسارات الكاتب العام مست كذلك رئيس قسم بمديرية المجتمع المدني، عضو المجلس الوطني للبيجيدي الذي جاء به شوباني من وزارة العدل والحريات، حيث كان يشغل منصب نائب ابن جامع المعتصم، رئيس ديوان رئيس الحكومة، على نقابة الاتحاد الوطني فرع قطاع العدل.
غير أن الكاتب العام لم يستطع الذهاب كثيرا في استفساراته لقادة العدالة والتنمية في الوزارة، حيث تم التراجع عن ذلك بسبب الضغوطات التي مورست عليه.
لعنة الوزارة «المسكونة» على عهد الشوباني لم تقتصر على رؤساء الديوان بل مست مناصب المسؤولية كذلك، حيث قدم مدير الموارد المالية استقالته وتبعه رئيس قسم الموارد المالية أحد أعضاء اللائحة الوطنية لشباب العدالة والتنمية في العيون.
وبما أن المشاكل لا تأتي إلا مجتمعة فقد سجلت حالة من التمرد داخل وزارة الشوباني بسبب ترشح موظفي الوزارة لشغل المناصب القيادية، خصوصا إذا عرفنا أن بعض المناصب ظلت شاغرة منذ سنتين بانتظار سعيد الحظ، كما هو الحال بالنسبة إلى رئيس قسم الدراسات.
وإذا كان بعض الوزراء يعانون مع دواوينهم «المسكونة» فإن بعض المسؤولين يرفضون أصلا الالتحاق بدواوينهم حتى ولو توصلوا بقرارات تعيينهم.
وأبرز مثال على هذا الوضع هو السيدة نجاة زروق التي لم تحضر مراسيم تنصيبها، بسبب مرض تملك شهادته، ولم تلتحق بعد بعمالة مقاطعات بنمسيك، بعد تعيينها على رأس الإدارة الترابية المذكورة، حيث يتولى الكاتب العام للعمالة مهامها إلى حدود الساعة.
وقد قرأ الجميع كيف صدر في حقها منع بولوج مقر وزارة الداخلية، وقد منعت من الدخول فعلا بعدما تقدمت بشهادة لتدلي بها لدى الإدارة المركزية للوزارة.
وقد غضبت السيدة العامل المعينة على رأس مقاطعات بنمسيك، خصوصا وهي ترى كيف تمت ترقية قائدة الى منصب عاملة على الحي الحسني، وكذا ترقية والية وتنصيبها على جهة الغرب الشراردة بني حسن.
والحادث رغم ظاهره الذي يبدو عابرا لكنه في العمق ينطوي على حمولات مهمة تكشف عن «آلة صناعة النخب» داخل العلبة السوداء لوزارة الداخلية وهي الآلة التي تطيح في رمشة عين بأطر مغربية وبالأخص نسائية تحظى باحترام وتقدير خبراء ومنظمات دولية.
ولعل ما حدث لنجاة زروق، الأزمورية التي عينها «بان كي مون» في اللجنة الأممية لخبراء الإدارة العمومية، يكشف عن التناقض السافر بين خطاب الحكومة في تعزيز مواقع النساء في مراكز القرار والسلوك الإداري السلطوي للداخلية في تقويض ومسح مسارات مهنية نسائية جديرة بالاحترام.
كما أن ما حدث يعري تخلي المجتمع المدني النسائي عن مؤازرة الدكتورة نجاة زروق التي عانت من مضايقات مهنية وتعرضها للتأديب المهني الصارم. خصوصا أن نجاة زروق ظلت تحتفظ بعلاقات وطيدة مع قياديات الحركة النسائية بالمغرب، وكانت تدعم مشاريع تكويناتهم وتشرف على دورات تدريبية عديدة للحركة النسائية، وهي التدريبات والعلاقات التي خلقت لها دوما صعوبات وتعقيدات داخل وزارة الداخلية على اعتبار الانتقادات الشديدة التي كانت تنهال على وزارة الداخلية من طرف المجتمع المدني النسائي في ملفات عديدة أهمها وأخطرها ملف «النساء السلاليات والأراضي السلالية»، والتي ساعدت فيه زروق النساء السلاليات على ربح معاركها ضد وزارة الداخلية.
وإذا كان بعض الوزراء لديهم مشاكل في العثور على المدير المناسب، فإن وزراء آخرين لا أحد يتحدث عنهم إذ لديهم مدراء ب»العرام».
وأشهر هؤلاء الوزراء هو وزير الهجرة أنيس بيرو، عاشق «الأرابيسك» المكناسي، والذي لديه خمسة مدراء ومفتش عام وسكرتير عام بالإضافة إلى الديوان، علما أن وزارته بكاملها لا تتوفر سوى على سبعين موظفا. حتى أن الرجل لديه مديرية للهجرة اسمها «مديرية التواصل والنهوض بمبادرات المهاجرين». والمغاربة يقولون «اللي بغا ياكل شي عشبة كايدير ليها سمية»، وهذا بالضبط ما ينطبق على تسمية هذه المديرية.
والكارثة ليست فقط في عدد المدراء الذين يوجدون في خدمة «السيك بيرو»، بل في مقر الوزارة الزجاجي بشارع فرنسا بأكدال الذي يكتريه سعادته بثلاثين مليون سنتيم في الشهر. أي أن 360 مليونا في السنة تذهب من ميزانية الوزارة فقط في كراء المقر.
هذا طبعا دون أن نتحدث عن دور المهاجر الثلاث التي توجد في الخارج والتي تعتبر مصاريفها كلها مصاريف خاوية.
إذا كان على بعض الوزراء أن يبخروا دواوينهم لكي يطردوا عنها النحس فإن البعض الآخر مطالب بأن يبخر نفسه لكي يطرد عنه العجرفة والكبر، حرصا على المال العام من تبذير على الفخفخة الفارغة.