شوف تشوف

الرأي

وجع التراب

حسن البصري
دخل القانون المتعلق بحل وتصفية مكتب التسويق والتصدير حيز التنفيذ بنشره بالجريدة الرسمية، وذلك بعد مصادقة البرلمان على القانون، وذلك تفعيلا لتوصية صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، الذي أنجز تقريرا صادما حول المكتب، رصد من خلاله وجود اختلالات مالية وإدارية خطيرة، كما أنجزت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق شكلها مجلس المستشارين، خلال ولايته السابقة، تقريرا مماثلا قرر المجلس إحالته على القضاء. وحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات وتقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق، هناك الملايير من السنتيمات ما زالت في ذمة عدد من الفلاحين الكبار، ضمنهم وزراء سابقون وبرلمانيون وقياديون بأحزاب سياسية.
لحسن الحظ أن التقرير الأسود لم يتحدث عن المال المسكوب على الكرة منذ تأسيس مكتب التسويق والتصدير سنة 1965، خاصة حين تحول إلى صندوق أسود للدولة، يكفي أن نتوقف عند اعترافات اللاعب الدولي المغربي السابق الحسين كبود الملقب بـ»الزاز» في خرجاته الإعلامية، حين كشف عن تعيينه من طرف أحمد الدليمي مديرا لفرع مكتب التسويق والتصدير بطانطان، في مهمة ظاهرها تسويق المنتجات المغربية وباطنها تصدير المعلومات للدليمي خاصة من طانطان، بل إن «الزاز» وصل إلى تندوف بهذه الصفة.
حمل كثير من لاعبي الدار البيضاء قميص فريق «لوسيوه» كما كان متعارفا عليه، وبللوه بالعرق مقابل تشغيلهم في هذه المؤسسة التي منحت كبار اللاعبين وظائف صغيرة ومكنت كبار المزارعين من قروض بتسهيلات سخية.
لكن أهل الكرة القدامى لا يعرفون إلا الوجه الآخر لمكتب التسويق والتصدير، الوجه الكروي الذي حوله إلى مؤسسة داعمة للوداد الرياضي، في زمن لم يكن فيه ذكر للمحتضنين والمستشهرين. لقد كان المكتب سباقا لإنشاء فريق لكرة القدم انطلق من البطولة المهنية وانتهى في القسم الثاني قبل أن ينسحب في هدوء بعد أن «صدره» المسؤولون إلى دهاليز النسيان وتخلصوا من تكلفته.
عين عبد الرزاق مكوار مديرا عاما لمكتب التسويق والتصدير في نهاية الستينات، بتزكية من صديقه بن سالم الصميلي الذي كان مديرا لكومناف ومديرا للجمارك ووزيرا للتجارة والصيد البحري، هذا الأخير اقترح على الوداديين اسم مكوار لرئاسة الوداد فاستجابوا لمقترحه، وتحقق في عهد عبد الرزاق ما لم يتحقق للفريق في عهد سابقيه. وبفضل مكتب التسويق والتصدير تمكن عبد الرزاق مكوار من إقناع فلاحين إسبان نافذين في كاطالونيا بالمساهمة في دعم استضافة الوداد للبارصا سنة 1974، وبعد أسبوعين حضرت «البضاعة» من برشلونة معززة بأسطورة الكرة العالمية كرويف.
قام مكتب التصدير والتسويق بتشغيل العديد من لاعبي الوداد منهم الأشباح والأحياء، منهم من كان يحضر في نهاية الشهر لتلقي راتبه ومنهم من كان يأتي لأخذ حصته من الطماطم والحوامض، ومنهم من كان يقضي ساعات عمله بين الميناء والمكتب، قضى القدميري والزهر والهجامي وعمر وجوماد وغيرهم من لاعبي الفريق أيامهم بين الملاعب المعشوشبة وضيعات الطماطم، بين المشجعين والفلاحين، وقبل مكوار كان عبد الوهاب العراقي يوظف اللاعبين بمكالمة من الرباط.
أغلق مكتب التسويق والتصدير أبوابه وظلت مكاتب أخرى تسوق وتصدر الأوهام للشعب، قبل أن تعلن استقالتها وتنفض يدها من وجع التراب، وتمسح عرق الفلاحين واللاعبين على حد سواء.
كثير من المغاربة يمارسون تقصي الحقائق بشكل استخباراتي دون الحاجة إلى لجن وقرارات تعيين، لاسيما هواة «الإحضي أي» الذين يتقصون الحقيقة وما وراءها، فيرسلونها إلى من يهمه الأمر مرفوقة بعبارة «عاجل». فيما يفضل آخرون التقصي دون الحاجة إلى حقائق ما دامت الحقيقة نسبية.
ولأنه تمرس في قطاع الاستيراد والتصدير فإن عبد الرزاق مكوار سينال حصته من التصدير حين عين سفيرا للمغرب في لاهاي، لمواكبة ملف الصحراء عن قرب، في هذه المدينة الهولندية التي توجد بها محكمة العدل الدولية، زرع مكوار عشرات الفزاعات وعاد بفوز مستحق أداء ونتيجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى