إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
تعيش جل دول العالم على إيقاع أزمة صحية، بسبب تفشي وباء كورونا، ومعه بدأت تتشكل معالم نظام عالمي جديد، وكذلك على المستوى الوطني، ستحدث عدة تغييرات ما بعد هذه الأزمة، لأنها ستفرض على الدولة وعلى مختلف الفاعلين في كافة المجالات وضع سياسات عمومية جديدة وتحديد الأولويات أثناء وضع المخططات الاستراتيجية، وتوجيه الإمكانيات والمجهودات نحو الاستثمار في القطاعات الاجتماعية وتوفير بنية صحية قوية لمواجهة التحديات المستقبلية، فضلا عن تعزيز الصناعة الوطنية وضمان الأمن الدوائي والغذائي للمغاربة.
تعامل المغرب مع أزمة وباء فيروس كورونا بكل اهتمام وجدية وتكاتف، حيث اتخذت المملكة خطوات هامة في هذا الشأن ولاقت استحسانا وتفاعلا إيجابيا من كل فئات المجتمع المغربي بل وصل صداها إلى دول الجوار، بعدما اتسم الحزم المغربي في التعامل مع الأزمة بتدخل أعلى سلطة في البلاد، حيث أعطى الملك محمد السادس توجيهاته لمؤسسات الدولة لمتابعة وباستمرار تطورات الوباء العالمي، مؤكدا على حرصه على التأكد من تنفيذ مختلف الخطوات والإجراءات الحاسمة المتخذة بهذا الصدد، خاصة في ما يتعلق بإغلاق حدود البلاد، والتوقيف المرحلي للدراسة وإلغاء كافة أشكال التجمعات والتظاهرات، كما تابع جاهزية المستشفيات لاستقبال وعلاج الإصابات المحتملة، وتوفر الأسواق الوطنية على المواد الغذائية والاستهلاكية الكافية. ومنح التتبع الملكي لخطة مواجهة الأزمة الزخم للمؤسسات الدستورية من أجل تخصيص دعم مباشر للفئات الاجتماعية الهشة والأسر غير القادرة، والإعفاء من أداء فواتير الماء والكهرباء، وإجراءات مواكبة ومتابعة التعليم عن بعد، والعناية بالأشخاص بدون مأوى والمشردين وأطفال الشوارع، ومساعدة المشاريع الصغيرة على تجاوز تأثيرات الأزمة بما يسهم في الحفاظ على مناصب الشغل التي توفرها، بالإضافة إلى منح تسهيلات للمقاولات والتعويضات للأجراء المتوقفين عن العمل.
الحماية الصحية والاجتماعية
أصبح النهوض بالقطاع الصحي يفرض نفسه على واضعي السياسات العمومية مستقبلا، وذلك بعد تسجيل العديد من الاختلالات المتراكمة على مدى سنوات، بالإضافة إلى الثغرات والنقائص المسجلة على مستوى تنفيذ قوانين صادق عليها البرلمان لتوسيع الحماية الاجتماعية لتشمل جل الفئات المهنية، والاختلالات التي يعرفها نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود بسبب ضعف التمويل وفشل المقاربة المتبعة في تغطية نفقات العلاج بالنسبة لـ 12 مليون مواطن مستفيد حامل لبطاقة «راميد» ومعاناتهم في ولوج العلاج وتدهور جودة الخدمات الصحية بشكل ملفت للنظر، وقلة الموارد البشرية وسوء توزيعها، وارتفاع حجم العمل بالنسبة للطواقم الطبية تحت الضغط النفسي والشعور بالإحباط، حيث لا يتوفر المغرب إلا على 2.6 طبيب لكل 10 آلاف شخص، مقابل 12 طبيبا في الجزائر وتونس و137 في إسبانيا، بينما 51 بالمائة من المصاريف الطبية تتم تغطيتها من طرف الأسر، مقابل 21 في المائة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وحسب تقرير أنجزته الشبكة المغربية للحق في الصحة، فإن حوالي نصف السكان النشيطين (46 بالمائة) لا يتمتعون بالتغطية الصحية، فضلا عن قلة الأدوية والمستلزمات الطبية وتقادم التجهيزات وتلاشيها وأعطابها المتكررة بسبب ارتفاع الطلب عليها وغياب الصيانة وضعف الحكامة، وأن 16 في المائة فقط من المسنين لهم تقاعد و13 في المائة فقط لهم تأمين صحي، لذلك تظل نسبة التغطية الصحية الشاملة لا تتجاوز 46 في المائة من السكان، كما أن أكثر من 54 بالمائة من الإنفاق الكلي على الرعاية والخدمات الصحية هو إنفاق ذاتي مصدره من جيوب الأفراد والأسر، إضافة إلى بروز ظاهرة خطيرة تتعلق بفقدان أدوية أساسية وضرورية للحياة مما يتهدد حياة المرضى، كما يظل معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة والأمهات الحوامل أعلى المعدلات في العالم.
إصلاح الرعاية الصحية
أهاب الملك محمد السادس بالحكومة إلى الإسراع بإصدار النصوص التشريعية والتنظيمية والتطبيقية، الخاصة بإصلاح الرعاية الصحية الأولية، ومواصلة توسيع التأمين الإجباري على المرض، مع إعطاء مسؤولية أكبر للمستوى الترابي. وقال الملك، في رسالة وجهها للمشاركين في فعاليات تخليد اليوم العالمي للصحة برسم 2019 المنظم بالرباط، تحت شعار «الرعاية الصحية الأولية.. الطريق نحو التغطية الصحية الشاملة»، «نهيب بالحكومة إلى الإسراع بإصدار النصوص التشريعية والتنظيمية والتطبيقية، الخاصة بإصلاح الرعاية الصحية الأولية، ومواصلة توسيع التأمين الإجباري على المرض، بما يتيح تعزيز الولوج إلى خدمات صحية عن قرب، ذات جودة عالية، وبكلفة معقولة، مع إعطاء مسؤولية أكبر للمستوى الترابي، في إطار الجهوية الموسعة واللاتمركز الإداري». وأبرز الملك، في الرسالة، أن المغرب خطا خطوات واسعة في إرساء نظم التغطية الصحية الأساسية، بحيث دخلت التغطية الصحية الإجبارية حيز التنفيذ سنة 2005، كما تم تعميم نظام المساعدة الطبية أو ما يسمى «راميد» سنة 2012.
وذكر الملك، في هذا الصدد، باتخاذ مجموعة من الإجراءات في مجال توسيع الاستفادة من أنظمة التأمين عن المرض، لتشمل طلبة التعليم العالي في القطاعين العام والتكوين المهني، والمهاجرين وكذلك أمهات وآباء الأشخاص المؤمنين. كما انخرط المغرب، يضيف الملك في الرسالة، في إجراءات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين، والعمال المستقلين، والأشخاص غير الأجراء، بهدف تكميل مشروع التغطية الصحية الشاملة وتحقيق الولوج العادل للعلاجات، كما ينص عليه دستور المملكة المغربية.
وأشاد الملك، أيضا، بدعم منظمة الصحة العالمية المتواصل لجهود المغرب الرامية للنهوض بالمنظومة الصحية الوطنية، وتجويد الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، ومحاربة الأمراض، مبرزا الأهمية البالغة التي تكتسيها خدمات الرعاية الصحية الأساسية لكونها نهجا يشمل كل مكونات المجتمع، ويتمحور حول احتياجات وأولويات الأفراد والأسر والمجتمعات، ويهتم بصحتهم، بجوانبها البدنية والنفسية والاجتماعية، الشاملة والمترابطة، إرشادا ووقاية وعلاجا، وإعادة تأهيل.
وأضاف الملك أن الرعاية الصحية الأولية تكتسي أهمية بالغة في اتجاه تحقيق التغطية الصحية الشاملة، باعتبارها تتجاوب مع التحول الكبير الذي يجتاح العالم، ويتحدى المنظومات الصحية، وكيفية تمويل الرعاية الصحية، عن طريق اعتماد آليات تعاضدية وتضامنية لمواجهة المخاطر والنفقات الصحية المتزايدة. وأوضح الملك أن الرعاية الصحية الأولية ترتكز على الالتزام بالعدالة الاجتماعية، والمساواة في الولوج إلى الخدمات الصحية، وعلى الاعتراف بالحق الأساسي في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، كما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونص على ذلك دستور المنظمة العالمية للصحة الصادر في 1948. وفي هذا الصدد، أشارت الرسالة الملكية إلى أنه «إذا كان توفير الموارد المالية والبشرية الصحية الملائمة، ضروريا لتوفير الرعاية الصحية الأولية، فإن من الواجب التعامل بمنهجية مع المحددات الأوسع للصحة، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية، والبيئية والسلوكية»، مبرزة أن ذلك يقتضي بلورة وإقرار سياسات وإجراءات قطاعية وبين – قطاعية، تأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل مجتمعة، في إطار المسؤولية المشتركة بين كافة المتدخلين في الشأن الصحي.
من جهة أخرى، اعتبر الملك أن تحقيق التغطية الصحية الشاملة ليس أمرا بعيد المنال، كما أنه ليس حكرا على الدول المتقدمة، فقد أكدت تجارب عديدة، وبشكل ملموس، أنه يمكن بلوغ هذا الهدف، كيفما كان مستوى نمو الدول.
وفي هذا الشأن، أكد الملك أن الوفاء بهذا الالتزام يتطلب توافر بعض الشروط الأساسية في النظام الصحي، من بينها نهج سياسة دوائية بناءة تروم توفير الأدوية الأساسية، التي تعتمد عليها البرامج الصحية العمومية ذات الأولوية، وتشجيع التصنيع المحلي للأدوية الجنيسة، والمستلزمات الطبية ذات الجودة، من أجل تحقيق السيادة الدوائية. وبموازاة ذلك، أشار الملك إلى أنه يتعين تعزيز الحماية المالية للأفراد والأسر لتحقيق هذا المبتغى، حتى لا يضطر المواطنون، لاسيما ذوو الدخل المحدود، إلى تسديد معظم تكاليف علاجاتهم من مواردهم الذاتية. كما ينبغي، يضيف الملك، تضافر الجهود بين البلدان، لضمان نجاعة أكبر في تحقيق غايات الهدف الثالث من بين أهداف التنمية المستدامة، أي ضمان الحياة الصحية وتشجيع الرفاه للجميع من كل الأعمار في أفق 2030، والذي التزم به المغرب كباقي أعضاء المجتمع الدولي. وذكر الملك أيضا أن للتغطية الصحية الشاملة أولويات تجب مراعاتها، من بينها الرصد الوبائي والتصدي للأوبئة العابرة للحدود، وتعزيز المنظومات الصحية، والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتلبية احتياجات وتوقعات السكان، في ما يخص صحتهم وتكاليفها. وأوضح الملك أن التغطية الصحية الشاملة «ليست رهينة التمويل فقط، ولا تقتصر على مجهودات قطاع الصحة وحده، بل يجب اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بضمان المساواة والإنصاف، في الولوج إلى الخدمات الصحية، وتحقيق التنمية المستدامة، والإدماج والتماسك الاجتماعيين».
تصحيح الاختلالات
أنجزت وزارة الاقتصاد والمالية تقريرا يتضمن معطيات صادمة حول اختلالات خطيرة يعرفها قطاع الصحة، رغم الإمكانيات المادية الضخمة التي ترصدها الدولة لهذا القطاع، ومن بين هذه الاختلالات تدهور وضعية المستشفيات والمراكز الصحية، وتعثر مشاريع بناء وتأهيل المراكز الاستشفائية الجامعية الممولة من منحة دول مجلس التعاون الخليجي، وإتلاف حوالي 20 في المائة من الأدوية المخصصة للمستشفيات.
وجاء تقرير الوزارة بناء على التعليمات الملكية الواردة في خطاب العرش لسنة 2018، حيث دعا الملك محمد السادس إلى تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية «RAMED»، بموازاة مع إعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الوطنية للصحة، التي تعرف تفاوتات صارخة، وضعفا في التدبير. وفي هذا الإطار، ومن أجل وضع خارطة طريق للإصلاح الشامل للمنظومة الصحية الحالية، تشكلت ثلاث لجان تقنية بوزارة المالية مهمتها إنجاز دراسة حول الحكامة، الموارد البشرية ونظام المساعدة الطبية «راميد».
وأشار التقرير إلى أن الدولة خصصت ميزانية كبيرة لدعم القطاع الصحي، حيث ارتفع حجم الميزانية القطاعية لوزارة الصحة، من أجل توفير البنية التحتية الاستشفائية وتحسين العرض الصحي لفائدة المواطنين، وتم تخصيص مبلغ يناهز 168 مليار درهم ما بين سنتي 2002 و2018، بمعدل سنوي يناهز 10,5 مليارات درهم، كما عملت على رفع الاعتمادات المرصودة للوزارة في مشروع قانون المالية لسنة 2019، بحيث وصلت إلى 16,33 مليار درهم مقابل 14,79 مليار درهم خلال السنة الماضية، أي بزيادة 10,41 في المائة، وكذلك الاعتمادات المخصصة لنظام المساعدة الطبية «راميد»، والتي تبلغ قيمتها 9 مليارات درهم سنويا منذ سنة 2007، بالإضافة إلى الهبة الممنوحة من طرف دول مجلس التعاون الخليجي من أجل بناء المستشفيات الجامعية، وتبلغ قيمتها 8 ملايير درهم، وينضاف كل هذا إلى المجهود الذي بذلته الدولة من أجل تحسين البنيات الأساسية للمستشفيات، من خلال تخصيص اعتمادات مالية بمبلغ مليار درهم سنويا ابتداء من سنة 2016. وأبرز التقرير أن هذا المجهود مكن المغرب من التوفر حاليا على 148 مستشفى من بينها خمس مستشفيات جامعية، و2890 مركزا صحيا.
وسجل التقرير كذلك اختلالات في صرف الهبة المالية التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي لوزارة الصحة، والتي تقدر قيمتها بـ 8 ملايير درهم، كانت مخصصة لبناء مستشفيات جامعية بطنجة وأكادير وإعادة بناء مستشفى جامعي بالرباط ابن سينا. وكشف التقرير وجود تعثر كبير في هذه المشاريع، حيث تسير الأشغال ببطء شديد بكل من المستشفى الجامعي بمدينة طنجة وكذلك المستشفى الجامعي بمدينة أكادير، فيما لم تبدأ الأشغال بالمستشفى الجامعي الجديد بالرباط. وأكد التقرير أنه لحدود هذه السنة لم تصرف الوزارة سوى 1,2 مليار درهم، وبالنسبة لبرنامج تأهيل البنيات التحتية الاستشفائية، الذي يكلف مليار درهم كل سنة ابتداء من 2016، لاحظ التقرير أن هناك تعثرا كبيرا في تنفيذ البرنامج، كما أن المراكز الصحية لا تستفيد من هذا البرنامج.
وعلى مستوى تدبير الأدوية، أوضح التقرير أن الدولة خصصت ميزانية مهمة لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث رصدت لذلك مبلغا ماليا يقارب ملياري درهم سنويا، من خلال الصندوق الخاص بالصيدلية المركزية. وأكد التقرير أن تزويد المؤسسات الصحية بالأدوية لازال يثير الكثير من الانشغال، بسبب ضعف الحكامة في تدبير هذا القطاع الحيوي، الأمر الذي ينعكس سلبا على المرضى الموجه لهم هذا الدواء. ومن مظاهر سوء تدبير هذا القطاع، تضمن التقرير معلومات خطيرة، تتعلق بنسبة ضياع الأدوية بعد انتهاء مدة صلاحيتها، بنسبة تقارب 20 بالمائة تسجل على مستوى سلسلة التموين بالأدوية، بالإضافة إلى عدة اختلالات مسجلة على مستوى دورة التموين (عقد الصفقات، التخزين، النقل …)، وتأخيرات مهمة مسجلة في مجال عقد صفقات شراء الأدوية، حيث إنه عند وصول الأدوية إلى المستشفى تكون طلباته الأصلية متجاوزة.
وتطرق التقرير، أيضا، إلى الاختلالات التي يعرفها نظام المساعدة الطبية «راميد»، الذي تم تعميمه على جل مناطق المغرب منذ سنة 2012، ولإنجاح ذلك عبأت الدولة ما يزيد عن 9 مليارات درهم إضافية لقطاع الصحة، ورغم هذه المجهودات المالية يعيش نظام «راميد» عدة صعوبات تتجلى في تعميم النظام دون الاستفادة وتقييم التجربة الرائدة التي تمت على مستوى جهة بني ملال، بالإضافة إلى النقص الحاصل على مستوى المستشفيات نتيجة التأخيرات الحاصلة في إنجاز المراكز الاستشفائية الجامعية وبرنامج تأهيل المستشفيات وإشكاليات الموارد البشرية، فضلا عن مشكل تحديد الفئات المستفيدة، حيث يفتح المجال لاستفادة فئات من السكان تمكنها الاستفادة من التغطية الصحية الإجبارية دون أن تتوفر فيها شروط الفقر والهشاشة.
ضمان الأمن الغذائي أولوية الأولويات
أبانت الأزمة الصحية التي يعرفها العالم بسبب تفشي وباء كورونا، عن أهمية ضمان الأمن الغذائي للمواطنين، خاصة بعد توقف العديد من القطاعات الاقتصادية. ومنذ بداية الأزمة بالمغرب، وإعلان حالة الطوارئ الصحية، أكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن إنتاج الخضروات يغطي حاجيات السوق الوطنية إلى غاية دجنبر 2020، وأنها تقوم بتتبع يومي وصارم لوضعية الإنتاج وتموين السوق على الصعيد الوطني.
الجيل الأخضر 20-30
قبل هذه الأزمة، أطلق المغرب استراتيجية جديدة للتنمية الفلاحية «الجيل الأخضر 2020-2030»، وتنبني هذه الرؤية الجديدة للقطاع الفلاحي بالمملكة على ركيزتين أساسيتين، تتعلق الأولى بالعناية بالعنصر البشري، تفعيلا للتعليمات الملكية الرامية إلى تهيئة الظروف الكفيلة بانبثاق جيل جديد من الطبقة الوسطى الفلاحية، بينما تتمثل الثانية في مواصلة دينامية التنمية الفلاحية عبر تحفيز التنمية البشرية والاجتماعية، وتطمح هذه الرؤية، في أفق سنة 2030، إلى تمكين ما بين 350 ألف و400 ألف أسرة من ولوج الطبقة الوسطى الفلاحية، وتوفير فرص عمل لـ350 ألف شاب وتكوين 150 ألفا آخرين في الخدمات الفلاحية وشبه الفلاحية.
وتروم هذه الاستراتيجية تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها في إطار مخطط المغرب الأخضر، وذلك من خلال اعتماد رؤية جديدة ووضع إمكانيات حديثة في خدمة القطاع الفلاحي. وتعتمد الاستراتيجية على دعامتين أساسيتين تتألفان من أربعة محاور تخص العنصر البشري ومواصلة دينامية التنمية الفلاحية، وتستهدف تهيئة الظروف الكفيلة بانبثاق جيل جديد من الطبقة الوسطى الفلاحية من خلال تحسين دخل الأسر الناشطة في القطاع الفلاحي وتمكينها من الحماية الاجتماعية من خلال تحفيزات دقيقة وموجهة للرفع من الدخل، وكذلك من خلال توسيع المساحة المستهدفة بالتأمين الفلاحي لحماية المزارع من مخاطر الكوارث، في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم اليوم.
ومن بين أهداف الاستراتيجية تطوير السلاسل الفلاحية بهدف مضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي والصادرات عن طريق المحافظة على المجهود الاستثماري، وترشيد الإعانات الخاصة بفعالية السلسلة، ودعم تنافسية الصادرات المغربية، وكذلك تسريع وتثمين تحويل المنتوجات الفلاحية وتسريع وتطوير وتأهيل بعض السلاسل التي تتوفر على مؤهلات عالية مثل سلسلة المنتوجات البيولوجية وسلسلة النباتات العطرية والطبية، وتسعى الاستراتيجية إلى تحسين ظروف تسويق وتوزيع المنتوجات الفلاحية من خلال عصرنة 12 سوق جملة للخضر والفواكه، وتأهيل الأسواق الأسبوعية، وتشجيع الابتكار لملاءمة الإنتاج لحاجيات المستهلكين، وتكثيف المراقبة الصحية بهدف تحسين جودة المنتوجات وتطوير عادل للقيمة بين المنتجين والموزعين وحماية المستهلك.
وتبنى قطاع الفلاحة بوزارة الفلاحة والصيد البحري مخطط المغرب الأخضر، كاستراتيجية متكاملة ومندمجة لتنمية القطاع الفلاحي، تهدف بالخصوص إلى إعطاء القطاع الفلاحي دينامية متطورة متوازنة مع مراعاة الخصوصيات، وتثمين الإمكانات واستثمار هوامش التطور، ومواجهة الرهانات المعاصرة مع الحفاظ على التوازنات السوسيواقتصادية، ومواكبة التحولات العميقة التي يعرفها قطاع الصناعات الغذائية على المستوى العلمي، وتتمحور هذه الاستراتيجية الطموحة حول مقاربة شمولية وإدماجية لكل الفاعلين بمختلف توجهاتهم في القطاع الفلاحي، وقد ارتكزت الاستراتيجية على دعامتين أساسيتين هما الفلاحة العصرية والفلاحة التضامنية، وتهدف دعامة الفلاحة العصرية إلى تنمية فلاحة متكاملة، تستجيب لمتطلبات السوق، وذلك من خلال انخراط القطاع الخاص في استثمارات جديدة ومنصفة، في حين أن دعامة الفلاحة التضامنية تسطر لمقاربة ترمي بالأساس إلى محاربة الفقر في العالم القروي، عبر تحسين دخل الفلاحين الصغار.
أهداف مخطط المغرب الأخضر
يعتبر مخطط المغرب الأخضر من أبرز أدوات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر وضمان الأمن الغذائي، خاصة أن القطاع الفلاحي يعد أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني، كونه يمثل 19 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، ويشغل 40 بالمائة من السكان النشيطين، كما يعد مصدر دخل لـ80 بالمائة من السكان القرويين، ويساهم سنويا بنسبة 11 بالمائة من القيمة الإجمالية للصادرات.
ونظرا للأهمية القصوى التي يحظى بها هذا القطاع، باعتباره دعامة أساسية للتنمية القروية، وبهدف استغلال كل المؤهلات الفلاحية الوطنية، تم إطلاق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008 تحت إشراف الملك محمد السادس، وكان يهدف إلى تعبئة ما يقارب 150 مليار درهم كاستثمار إجمالي في أفق سنة 2020، مع مضاعفة القيمة المضافة للقطاع بـ2.5 في المائة، وتتلخص تحديات هذا المخطط في التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر والأمن الغذائي، مع الأخذ بعين الاعتبار التدبير المستدام للموارد الطبيعية.
وتهدف الإجراءات الأفقية في إطار مخطط المغرب الأخضر إلى تحسين الظروف الإطار لمواكبة تنمية السلاسل النباتية والحيوانية في المناطق الهشة وتحسين دخل الفلاحين، وفي هذا الإطار، تم اعتماد نظام التجميع الفلاحي كحل أساسي للإشكالية العقارية للفلاحة الصغرى، وإعطاء انطلاقة عمليات كبرى لتعبئة مياه السقي لفائدة صغار الفلاحين، وإصدار قانون التنظيمات البيمهنية الذي ينظم مجالات تدخل كل الفاعلين على مستوى سلاسل الإنتاج ويمكن من الإدماج الفعلي لصغار الفلاحين، وكذا إبرام عقود البرامج بين الدولة والتنظيمات البيمهنية، ووضع آليات تمكن صغار الفلاحين من الولوج إلى الأسواق.
ولعبت استراتيجية مخطط المغرب الأخضر دورا كبيرا في الرفع من قيمة القطاع الفلاحي والقروي في المغرب منذ إعطاء انطلاقتها، حيث سجل الناتج الداخلي الخام للقطاع الفلاحي نموا سنويا بلغ 5,25 بالمائة، إذ تجاوز بذلك 107 مليارات درهم كمعدل سنوي ما بين 2008 و2019، وهو ما يعادل زيادة قدرها 57 بالمائة مقارنة بالمعدل السنوي المسجل بين 2000 و2008، وارتفع الاستثمار في القطاع الفلاحي بين سنة 2008 و2019 من 5,4 مليارات درهم إلى حوالي 11 مليار درهم، وساهم المخطط طيلة 10 سنوات الماضية في خلق 48 مليون يوم عمل، ما ساهم بشكل كبير في الحد من البطالة بالعالم القروي، من خلال خلق فرص الشغل بالأنشطة الفلاحية والتقليص من معدل الفقر.
إدريس بنيعقوب محلل سياسي : الأزمة الصحية تفرض توسيع مساحات تدخل الدولة كفاعل محفز وشريك
- أول سؤال يتبادر أمامنا هو كيف كانت جاهزية الدولة لمواجهة أزمة وباء كورونا؟
الإجابة عن هذا السؤال يحتاج بداية إلى وضع منهجية صارمة، في تقييم وتشخيص للمعطيات المرتبطة بالاختلالات التي أحدثتها الأزمة، في السير العادي لمرافق الدولة ولوظائفها وأيضا لسير قنوات الإنتاج والاستهلاك المعاشي والقيمي داخل المجتمع. هذه المنهجية تقتضي طرح الأسئلة الصحيحة الجيدة. أسئلة متنوعة عامة حول القدرة على الضبط العمومي للوقائع والتموقع السليم تجاهها بصفة عامة وعلى الاستجابة لأسئلة الأزمة وأيضا على اختيارات ردود الفعل وترتيب أولوياتها. ثم أسئلة خاصة فرعية من قبل التساؤل عن الفعالية القطاعية لتحديد الفراغات ومن تم ملؤها بما يتعين من فعل عمومي. السؤال الأساسي الذي يعتبر الجواب عنه منطلقا لسلامة كل البناء من مبادرات لمحاصرة آثار الأزمة، هو كيف كان تموقع الدولة تجاه أزمة كورونا؟ وعلى ما يبدو فإن الدولة في المغرب تموقعت بشكل مناسب إزاء الوباء وآثاره إن على مستوى توقيت اتخاذ قرارات الطوارئ أو على مستوى بناء قرارت واختيارات تدبير الوضعية. لكن هل كان المجتمع والدولة مستعدين للأزمة من وجهة نظر وسائل وإمكانات وموارد؟ الجواب الإداري كان حاضرا بتشكيل هيئات يقظة وتتبع لإدارة الأزمة وباتخاذ سلة متجانسة من الحلول بواسطة قرارات إدارية رسمية متعددة القطاعات، لكن ما مدى فاعلية القرار الإداري لتدبير الوضع، مما يفترض تدخل المختصين في مجالات عدة اقتصادية مالية اجتماعيه مقاولاتية وغيرها، لفحص ملاءمة المخرجات مع ما يقتضيه السياق المأزوم؟ أيضا بإمكاننا طرح أسئلة منهجية أخرى، هل كان المرفق العمومي، المعني مباشرة بالوضع جاهزا للرد والتصدي لمختلف إحراجات الوباء؟ هل كان الاقتصاد مهيكلا بشكل سليم يمنع الحاجة عن المجتمع أم كانت هناك هشاشة شكلت عقدا لموارد الخزينة العامة؟ إلى أي حد يمكن للمجتمع اجتماعيا واقتصاديا أن يصمد أمام تراجع المداخيل و ثقافيا أمام الإجباربة المفاجئة والمستعجلة للانضباط والتنظيم العام؟ هل فعلا تؤكد هذه الأزمة فشل خطط التنمية السابقة ونحتاج إلى نموذج تنموي متوازن ومهيكل وصارم؟ هل ساهمت علاقات المغرب الدولية ومراكز علاقاته التقليدية في عوامل تهدئة الأزمة، وهل تغيرت مراكز وخريطة الأصدقاء والحلفاء والخصوم والمنافسين، وهل يتعين إعادة بناء سياستنا الخارجية وفق قواعد جديدة؟ ماهو دور الجامعة المغربية في الرد على الأزمة، وهل كانت جاهزة لذلك كمؤسسة عمومية؟ هل نتوفر على مؤسسات عمومية رسمية اجتماعية تابعة للدولة، تكمل دور الدولة الاجتماعي أثناء الكوارث والطوارئ كمؤسسات بنوك الغذاء ومؤسسات الإسعاف والإغاثة والتطوع؟ هل نتوفر على مجتمع مدني مهيكل وقوي؟ كيف كان دور الإعلام الرسمي والخاص؟ أيضا نطرح سؤال تمركز الثروة وإلى أي حد عبر الذين راكموا الثروة وفق الاختيارات الاقتصادية السابقة، عن دورهم المواطن وإلى أي حد سيساهمون بعد الأزمة في نزع فتيل توتراتها الاقتصادية والاجتماعية وهل نحن بحاجة إلى خلق بورجوازية مغربية حقيقية مواطنة تعي مركزها الاجتماعي ودورها التاريخي لتجديد بناء مغرب ما بعد الوباء كما فعلت البورجوازية في أوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية؟ - هذه كلها أسئلة مهمة لاشك، لكن كيف تنظرون إلى أولويات السياسات العمومية للمرحلة المقبلة ما بعد كورونا انطلاقا من الوضع الحالي؟
في الحقيقة لست مختصا في دراسة وتحليل السياسات العمومية والقطاعية، لكن يمكنني أن أجيب من وجهة نظر سياسية، في محاولة طرح بعض عناصر بناء أولويات المرحلة المقبلة، وأيضا في مقاربة شكل وظائف الدولة الجديدة بعد مرور الأزمة. لا شك أن الدولة تخلت حاليا عن جزء من عقيدتها الاقتصادية بفعل الأزمة، خصوصا في تدبير وضعية المقاولات وفي التدخل المباشر والتسلسلي في إنتاج حاجيات السياق وفي ضبط إيقاع حركة السوق، بالإضافة إلى مزيد من التدخل الاجتماعي المكلف. إذن نحن أمام وضع عطل مقتضيات دستورية مضمنة في الفصل 77 من دستور المملكة الذي يفرض التوازن المالي وفق مقاربة ماكرو اقتصادية. وللأمانة كنت كتبت مقالا السنة الماضية عن النموذج التنموي، أشرت فيه إلى ضرورة تعديل هذا الفصل لأنه يقيدنا في نموذج تنموي واحد ولايسمح لنا باختيارات متنوعة، خصوصا إذا فكرنا في إدخال جرعات من المدرسة الكينيزية في تدبير الاقتصاد بهدف اجتماعي. إذن السياق الحالي عطل عقيدة الدولة الاقتصادية، وأحدث خللا موازناتيا مع أنه لا يمكن أن ننكر أن بنيات الاقتصاد المغربي في شقه المهيكل وتنوعه ساهمت بشكل كبير في التصدي للأزمة ولآثارها، لكنها في نفس الوقت كشفت بشكل كبير عن هوامش كبيرة غير مؤطرة وغير مستقرة. من وجهة سياسية لتحديد الأولويات أظهرت الأزمة الحاجة إلى مركزية الدولة كضابط اقتصادي واجتماعي لإدارة الطوارئ وقد يكون دورا تستدعي الظروف على المدى المتوسط استمراره، بتوسيع مساحات تدخل الدولة كفاعل محفز وشريك لاستعادة الاقتصاد والقطاع الخاص عافيته. أحد الرهانات المستقبلية التي يمكن أن تقوي الدولة وتحقق بعض المكاسب الاقتصادية والاجتماعية هي محاربة الفساد والمفسدين ومصادرة الأموال التي اكتسبت بطرق غير شرعية مع إعطاء مساحة جديدة للقضاء في هذا الباب. - هناك قطاعات تضررت جراء هذه الأزمة، ومعها الاقتصاد الوطني برمته، كيف يمكن معالجة هذا الوضع؟
أيضا هناك قطاعات أبانت عن صمود حقيقي، لكنها تحتاج إلى مزيد من الدعم مستقبلا كقطاع الفلاحة والصناعة الغذائية والصناعة الصيدلانية مثلا، غير أن قطاعات أخرى لم تواكب بالسرعة المطلوبة الأزمة كقطاع الأبناك والتأمينات وتحتاج إلى إعادة تحديد لأدوارها ووظائفها في تمويل الاقتصاد خصوصا القطاعات المتضررة وعلى رأسها السياحة والمقاولات الصغرى والمتوسطة. التعليم أيضا يحتاج إلى نظر خصوصا على مستويات الاختيارات الكبرى. نعم التكوين المهني مهم لكن لا ينبغي أن نغفل الجامعة ودورها وضرورة تشجيع البحث العلمي. الأزمة أظهرت أننا ونحن نحارب الوباء نبذل جهدا مضاعفا وإضافيا مكلفا في محاربة نوع من الجهل واللاوعي الناتج عن انعدام التمدرس أو عن الفقر مما طرح أسئلة التأطير والتربية على منظومة القيم. لاحظنا أيضا سلوكات متكررة ومتعددة غير متضامنة مع البلد ومع المواطنين مهتمة فقط بالبحث عن الربح والاتجار في الأزمة وبالتالي عشنا تناقضا يعبر عنا، ما بين القيم الجماعية ومابين فردانية متوحشة ناتجة عن الخلل في وظيفة الدولة ومؤسسات الوساطة، خلل في خلق توازن ما بين فئات المجتمع وما بين الفرد والجماعة. - في هذه المسألة هل يعتبر التعليم مسؤولا عن هذه السلوكات؟
لا طبعا، فالسياق العام بالقيم التي فرضت فيه مسؤول أيضا، خصوصا الصورة التي يقدمها عدد من المسؤولين الرسميين والسياسيين عن مفهوم المواطنة بجعلها مشاريع مدرة للدخل المادي.
لكن التعليم هو أهم حلقة في صناعة مواطن صالح. نحن بحاجة إلى تعليم يشتغل أكثر على منظومة القيم وعلى التربية أكثر من على حفظ المعارف. تعليم يخلق الرغبة في الإنجاز، تعليم يجعل الإنسان وليس السوق أو التجاري في عمق برامجه وأهدافه. تبين في الأزمة أن دور رجل التعليم محوري وأساسي. أقول رجل التعليم وليس المدرسة بمعنى أنه كان حلقة وصل إنسانية عميقة لنشر المعرفة والقيم معبرا عنها بالتضامن والتضحية وإبداع طوق التواصل. لذلك يجب إعادة النظر في أولويات التعليم فنحن نحتاج إلى معلم مربي له قدرة على التواصل تتوفر لديه إمكانات ذلك، لأن كورونا كشفت أن التعليم هو المدرس وأن المدرسة قد تتحول إلى كائن متخيل ليس بالضرورة واقعا ملموسا. التعليم عن بعد أبان قيمة التواصل الاجتماعي وقيمة القيم في تلقين المعرفة. أيضا الإعلام يعد أحد العناصر المهمة في محاربة الجهل واللاوعي ويساهم في خلق الإحساس بالمسؤولية الجماعية وفي نقل مناهج التصدي الفردي والجماعي للأزمات. ولاحظنا كيف أن إعلامنا السمعي البصري العمومي لم يكن مواكبا للأزمة بالشكل المطلوب على غرار التجارب الغربية، ولم يكن منتجا حقيقيا لسلوكات جديدة بل كان هو أيضا مجرد مستهلك لمنتجات خارجية، وهذا راجع إلى ما راكمه من بيروقراطية إدارية في معالجة الخبر، غير منسجمة مع تطورات الفضاء الإعلامي المنفتح والجاهز للتصدي للأزمات وإدارة الوعي الجماعي المشترك بالقضية.
إخراج السجل الاجتماعي ومنظومة برامج الدعم
تأخر إخراج القانون رقم 72.18 يتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، لأزيد من سنة، بعد المصادقة عليه في مجلس الحكومة في بداية سنة 2019، لم تتم إحالته على مجلس المستشارين إلا في بداية شهر مارس الماضي، حيث شرعت لجنة الداخلية في مناقشته، وتزامن ذلك مع بداية الأزمة الصحية، حيث اضطرت اللجنة إلى تأجيل المسطرة التشريعية للمصادقة عليه.
منظومة وطنية متكاملة
يهدف هذا القانون إلى إرساء منظومة وطنية متكاملة ومندمجة لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية تستند على معايير دقيقة وموضوعية وتعتمد على التكنولوجيات الحديثة لتوفيرها، كما يهدف إلى إحداث آليات لتعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي، من خلال وضع تصور موحد لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف وشفاف، وتجاوز الإشكاليات التقنية التي تعيق إيصال الاستفادة الفعلية من هذه البرامج إلى الفئات التي تستحقها فعليا، بالإضافة إلى ضمان التنسيق والالتقائية في برامج الدعم الاجتماعي قصد الرفع من فعاليتها ونجاعتها.
وتقوم هذه المنظومة على أربعة مرتكزات أساسية، أولها إحداث السجل الوطني للسكان، ويهدف هذا السجل إلى توفير المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بالمغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء، بالإضافة إلى توفير هذه المعطيات من أجل تيسير الولوج إلى الخدمات التي تقدمها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية والخاصة. ويفتح باب التقييد في هذا السجل للمواطنين المغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي، وتكلل عملية التقييد به بمنح معرف مدني واجتماعي رقمي يمكن من التحقق من صدقية المعطيات الشخصية المدلى بها من قبل الأشخاص الراغبين في التقييد في السجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.
أما المرتكز الثاني فيتمثل في إحداث السجل الاجتماعي الموحد، الذي يعتبر بمثابة مسجل رقمي يتم في إطاره تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، وذلك بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة. كما يهدف إلى معالجة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية للأسر بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء. وسيشكل هذا السجل المنطلق الوحيد للولوج لكافة برامج الدعم الاجتماعي من خلال تحديد مدى قابلية الاستفادة منها، عبر اعتماد معايير دقيقة وموضوعية تتم وفق عملية تنقيط مبنية على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المتوفرة، وباستعمال التكنولوجيات الحديثة.
ويشترط مشروع هذا القانون للتقييد في السجل الاجتماعي الموحد أن يكون كل فرد منتم إلى الأسرة الراغبة في الاستفادة من الدعم الاجتماعي، قد سبق له التقييد في السجل الوطني للسكان.
ويتمثل المرتكز الثالث لهذه المنظومة في ضمان حماية المعطيات الشخصية للأشخاص المقيدين في السجلات، حيث نص مشروع هذا القانون، في هذا الصدد، على ضرورة التقيد بأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي في ما يخص معالجة هذه المعطيات واستغلالها في مختلف تطبيقات المنظومة الوطنية لتسجيل الأسر والأفراد، وذلك بإلزام الوكالة بالحرص على معالجة المعطيات المضمنة بسجلاتها بطريقة نزيهة ومشروعة، والقيام بتجميعها لأجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في مشروع هذا القانون.
ورابع مرتكزات المنظومة هو إحداث الوكالة الوطنية للسجلات، حيث أحدث مشروع هذا القانون مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي من أجل تدبير السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد. كما تتولى الوكالة مهمة السهر على ضمان حماية المعطيات الرقمية وسلامة المنظومة المعلوماتية المتعلقة بالمسجلين فيهما.
الوكالة الوطنية للسجلات
تتولى الوكالة أيضا مهمة منح معرف مدني واجتماعي رقمي للأشخاص المقيدين بالسجل الوطني للسكان، بالإضافة إلى تقديم خدمات التحقق من صدقية المعطيات المضمنة بالسجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، ومنح الاعتماد للهيئات الوسيطة في هذا المجال، والعمل على مراقبتها.
وألزم مشروع هذا القانون الوكالة بمعالجة المعطيات المدنية والاجتماعية الرقمية التي يتم تدبيرها من قبل الوكالة، وفق دفتر للمساطر تضعه لهذا الغرض يتم التقيد في إعداده وتحديد مضامينه بأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، ومن أجل اضطلاع الوكالة بالمهام المخولة لها، نص مشروع هذا القانون على أن يديرها مجلس إدارة يتمتع بجميع السلط والاختصاصات اللازمة لتدبير الوكالة ويسيرها مدير عام يتم تعيينه وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
وسيكون السجل الاجتماعي عبارة عن قاعدة مركزية للبيانات الديمغرافية والبيوميترية الخاصة بكافة المغاربة، سيتم الاعتماد عليه للاستفادة من البرامج الاجتماعية والخدمات الإدارية، ويهدف إلى تجميع وحفظ البيانات الخاصة، وكذا التحقق من صدقية المعطيات من خلال اعتماد معرف رقمي مدني واجتماعي يمنح لكافة السكان على مستوى التراب الوطني، بمن فيهم القاصرون والمواليد الجدد فضلا عن الأجانب المقيمين بالمغرب.
ويحظى هذا المشروع بتمويل من البنك الدولي بقرض تبلغ قيمته 100 مليون دولار (حوالي 100 مليار سنتيم)، وكلفت الحكومة مكتب دراسات بريطانيا للإشراف على إعداد السجل.
فيروس كورونا يفرض تطوير البحث العلمي والتكنولوجي
بالتزامن مع الحرب التي تخوضها جميع دول المعمور لمواجهة كائن مجهري، هناك حرب أخرى تدور رحاها داخل المختبرات العلمية في سباق نحو إيجاد دواء فعال لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، وهذا يظهر حاجة بلادنا، بالإضافة إلى تطوير المستشفيات وتجهيزها، كذلك إلى النهوض بالبحث العلمي، والرفع من ميزانيته وتوفير كل الوسائل اللوجستيكية والبشرية لذلك داخل الجامعات والمعاهد والمراكز العليا للبحث، ولم لا إلزام المختبرات الصيدلانية والشركات الكبرى، التي تراكم أرباحا خيالية، بتخصيص جزء من استثماراتها لتمويل البحث العلمي.
دعم هزيل لا يتجاوز 0.7 بالمائة
كل الدول تشجع على البحث العلمي وتخصص لذلك ميزانيات باهظة، لكون البحوث العلمية تعتبر مقياسا لتقدم هذه الدول ونموها الاجتماعي والاقتصادي، فالدول التي تعرف كيف تطبق نتائج الأبحاث العلمية التي تقوم بها جامعاتها، نجدها دائما تحتل مكانة الصدارة في مجالات علمية عديدة، لكن في المغرب، نجد أن الحكومة ترصد دعما هزيلا لتشجيع البحث العلمي، وهناك مؤشرات تدل على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي، ووجود مشاكل حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع، ولذلك لا يمكن المساهمة في خلق تنمية حقيقية تجيب عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية دون بلورة سياسة للنهوض بوضعية البحث العلمي وتطويره.
وهناك أزمة أخرى تتخبط فيها الجامعات المغربية، وهي مواضيع البحث، التي ما زال جلها بعيدا عن مواكبة تطورات العصر، لذلك حان الوقت لتوجيه البحوث الجامعية نحو المواضيع العلمية، والاهتمام أكثر بالبحوث التي تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني وتطوير الصناعات والابتكار التقني والاختراعات التكنولوجية.
ويساهم المغرب بـ0.15 بالمائة من مجموع البحوث العلمية في العالم، مشيرا إلى أن معدل إنفاق المغرب على البحث العلمي لا يتجاوز 0.7 بالمائة من إجمالي ناتجه المحلي، وهي ميزانية ضعيفة جدا بمقياس المعايير الدولية، إذ تعتبر معايير المنظمات الدولية مثل البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة أن نسبة الإنفاق المثالي هي التي تكون أكثر من 2 بالمائة، وتكون جيدة إذا كانت من 2 إلى 1.6 بالمائة، ومن 1.6 إلى 1 بالمائة تكون حرجة، ودون ذلك ضعيفة جدا.
وقد احتل المغرب المرتبة 74 من أصل 129 دولة في مؤشر الابتكار العالمي، الصادر في تقرير المعرفة العربي الثالث لعام 2019، الذي تعده بدعم ورعاية مشتركة من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم والمكتب الإقليمي للدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هذا المركز يوضح بأن المغرب ما زال ينقصه الكثير في مجال الابتكار، وقد احتل المغرب كذلك، المرتبة 104 من حيث جودة التعليم من 137 دولة، وفقا للتقرير العالمي المفصل حول «جودة التعليم» لعام 2017، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
«كوفيد- 19» يحرك البحث العلمي
وعيا منها بالدور الهام الذي تضطلع به في مجال النهوض بالبحث العلمي، خاصة في ميدان الصحة، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، عبر قطاعها المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني (CNRST)، عن وضع برنامج لدعم البحث العلمي والتكنولوجي في المجالات ذات الصلة بوباء فيروس كورونا «كوفيد- 19»، وخصص له غلاف مالي يبلغ عشرة ملايين درهم، ويهدف هذا البرنامج على المدى البعيد إلى تعبئة فرق البحث المغربية للعمل على خلق بيئة بحث متعددة التخصصات قادرة على إيجاد الحلول والمساهمة في تدبير الأزمات الوبائية، وعلى المدى القريب لإنجاز مشاريع بحثية ذات علاقة بالمجالات المرتبطة بجائحة كورونا المستجد «كوفيد- 19».
وتعتبر الوزارة أنه يتعين على مشاريع الأبحاث أن تكون قادرة على فهم الوضع الحالي وتحليله على الصعيدين الجهوي والوطني، سيما على المستوى العلمي والطبي، الذي يتضمن علم الفيروسات، علم المناعة، الرعاية الصحية، علم الأوبئة، النمذجة الرياضية، الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، البيئة،…إلخ، والمستوى التكنولوجي، وخاصة في مجال تصميم المعدات الطبية، وغيرها من الأجهزة المفيدة وإنتاجها، وكذلك على المستوى الاقتصادي في الجانب المتعلق بتأثير الوباء على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، بما في ذلك اختلال سلاسل الإنتاج والتوازن الاقتصادي والبطالة وتدبير الوباء بهندسة متعددة الأبعاد، وكيفيات الإقلاع الاقتصادي…إلخ.
وأوضحت الوزارة في بلاغ لها أنه يرجى أن تجيب مختلف الأبحاث عن التساؤلات المتعلقة بالوباء، وخاصة تلك التي تهم تدبير الفترة الانتقالية والإجراءات الواجب اتخاذها بعد انحسار الوباء واختفائه، وكذا الإجراءات الواجب اتخاذها في حال استمراره، مشيرة إلى أنها اعتمدت تنظيما من شأنه مشاركة الجامعات ومؤسسات البحث في أقطاب جهوية.
ثلاث أسئلة محمد زين الدين أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني –المحمدية : «أزمة «كورونا» كرست عودة الدولة الحارسة»
- هل ساهمت أزمة «كورونا» في رسم ملامح سياسة جديدة للدولة؟ لعل أول الملاحظات التي يجب تسجيلها على ضوء التغيرات الأخيرة المرتبطة بأزمة انتشار وباء «كورونا»، هي عودة ما يصطلح عليه في العلوم السياسية بالدولة الحارسة، حيث إن الدولة أصبحت حاضرة بشكل قوي في عدد من المجالات، والقول هنا إن الدولة أصبحت حاضرة بقوة، فهذا لا يعني أنها من قبل كانت غائبة، بل إن دورها وتدخلها تعزز بشكل كبير في عدد من المجالات خلال هذه الأزمة، ومن القطاعات الأساسية التي برز فيها هذا التدخل، نجد قطاع الصحة بشكل أساسي، على اعتبار أن هذا القطاع هو الموجود في الواجهة الأمامية للمعركة ضد «كورونا»، وبالتالي فمن المنتظر بعد الأزمة، إعادة تشكيل وظائف الدولة وهذا التشكيل سيصب في اتجاه إعادة تدخل الدولة بشكل أساسي في القطاعات الحيوية التي هي الصحة والتعليم والأمن، وهذه كلها قطاعات أساسية إلى جانب قطاع الاقتصاد، وتحديث الإدارة، وقد بدا من الضروري تقوية هذه القطاعات لكونها أساسية بالنسبة للدولة، وقد تكون جائحة «كورونا» مناسبة في ما بعد من أجل الوصول إلى سياسة ناجعة والتقائية تحقق النجاعة والاستباقية، والفاعلية وعنصر التوقع، بالإضافة إلى الحكامة، وهي نقطة أساسية فالعالم ما بعد «كورونا» لن يكون هو العالم قبلها، على اعتبار أن بعض عناصر التغير بدأت تتضح، حيث برز بقوة مفهوم الحمائية، وبدا أن الشعار الذي يرفع بقوة في هذه الظرفية هو شعار « دولتي أولا»، وقد بدا أن الرهان الحالي هو تجاوز الركود الاقتصادي الذي تسببت فيه هذه الجائحة، والتركيز على الاستثمارات الوطنية بدل الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية. وأتوقع أن نسجل بعد «كورونا» مرحلة تكون فيها الأولوية للدولة، حيث سيكون من أولى الأولويات تقوية النسيج الاقتصادي الوطني، وما يستوجب هذا الأمر من ضرورة دعم المقاولات المغربية.
- ما هي القطاعات التي تتطلب تدخلا وحضورا قويا للدولة؟ أرى أنه من الضروري تسجيل الحضور بشكل قوي للدولة في الجانب الاجتماعي، لأنه مما لاحظت أنه خلال الأزمة الحالية برزت بقوة الحاجة لدعم الجانب الاجتماعي، والقطاعات التي في الواجهة وعلى رأسها قطاع الصحة والتعليم والأمن، خصوصا بعد تسجيل انتكاسة أو الحضور شبه الغائب للقطاع الخاص، وهذا الأمر برز بقوة في قطاع الصحة الخاص وأيضا قطاع التعليم الخصوصي، وأيضا في جانب من قطاع التعليم عموما، حيث إنه ليس هناك من خيار أمام المغرب سوى دعم البحث العلمي، وتعزيز دور المراكز البحثية، والرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي، إذ لا يعقل أن تكون لدينا نسب هزيلة لدعم البحث العلمي، فعلى الرغم من المبادرات الفردية التي أبانت على أن هناك مجهودا خلاقا لدى الشعب المغربي، لكن يبقى من الضروري تعزيز دور المؤسسات البحثية، وقد برز المجهود الفردي المغربي في مبادرات من قبيل صناعة الأقنعة الواقية وأجهزة التنفس الاصطناعي، وبالتالي فقد أصبح من الضروري تثمين الإمكان البشري الوطني، من خلال دعم قدرات مراكز البحث الوطني ومراكز التفكير بالإضافة إلى مراكز تدبير الأزمات.
- هل جعلت أزمة «كورونا» الرؤية واضحة أمام الدولة بخصوص دعم الفئات الهشة؟ إن أزمة «كورونا» فرصة من أجل تسريع الدولة في إخراج السجل الاجتماعي بعد انتهاء الأزمة، لأن إخراج هذا السجل بات ضرورة ملحة للغاية، واعتقد أن مرحلة تدبير الأزمة وما اتخذه المغرب من مبادرات غير مسبوقة من خلال دعم الفئات المستضعفة على أكثر من مستوى بمن فيهم المواطنون غير المسجلين في نظام المساعدة الاجتماعية (راميد)، أو حتى المسجلين، أو الأجراء الذين فقدوا وظائفهم، خصوصا أن هناك مؤشرا حول إغلاق حوالي 135 ألف مقاولة لأبوابها خلال هذه الأزمة، وبالتالي فإن هذه الأزمة شكلت فرصة واضحة أمام الدولة، من أجل تبيان الحاجيات الاجتماعية لهذه الفئة المعنية بالدعم، وبالتالي التوفر على نمط وسبيل من أجل تكوين قاعدة معطيات من الجانب الكمي والكيفي معا حول الدعم المباشر للفئات الهشة، وهي فرصة عملية للوقوف على الأرقام الحقيقية ومن خلال لجنة اليقظة الاقتصادية، التي قامت بتدبير العملية. وفي تقديري فإن لجنة إعداد النموذج التنموي مطالبة باستثمار هذه المعطيات.