شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

واشنطن والنزاع الأوكراني

 

 

سميح صعب

 

 

سبقت واشنطن الأوروبيين للحوار مع موسكو، لإيجاد مخرج للحرب الروسية الأوكرانية. وهذا مؤشر آخر إلى أن الذهاب إلى التصعيد في بداية الحرب، ومعاودة الاتصالات السياسية والجلوس وجها لوجه مع الروس، قراران أمريكيان بامتياز، وأن أوروبا كانت إما عاجزة أو لا تملك الجرأة، على شق مقاربة مستقلة عن الولايات المتحدة.

صحيح أن الاتصالات بين الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني، من جهة، والرئيس الروسي، من جهة أخرى، لم تنقطع، لكن التواصل المباشر كان معدوما بالمطلق. والآن، يجلس مسؤولو الاستخبارات الأمريكية والروسية في أنقرة والقاهرة، بحثا عن سبل خفض التصعيد النووي وطرق باب الدبلوماسية، وسيلة لوقف النزاع، الذي يستنزف أوروبا قبل أمريكا.

الاتصالات الأمريكية الروسية انعكست تراجعا في تلويح الزعماء الروس بالسلاح النووي، رغم استمرار تراجعهم في الميدان وخسارتهم مدينة خيرسون، التي كانت من بين المناطق التي ضمتها روسيا، في شتنبر الماضي.

ومع عدم إنكار الجهد الذي بذله الرئيس التركي، لإقناع بوتين بالعودة إلى التزام اتفاق الحبوب وتجديده لأربعة أشهر، فإن الاتصالات الأمريكية الروسية كانت عاملا مهما في حمل الكرملين على المضي في الاتفاق، وكمؤشر إلى أن موسكو منفتحة على تسوية سلمية للنزاع.

ولم تحل عضوية تركيا بحلف شمال الأطلسي دون انخراط أردوغان في حملة الدبلوماسية الإيجابية، ولا يزال يأمل إقناع موسكو وكييف بمعاودة المفاوضات التي كانتا قد شرعتا بها على الأراضي التركية، بحثا عن تسوية تفاوضية، مع العلم أن أنقرة مزود رئيسي لأوكرانيا بمسيرات من طراز «بيرقدار»، التي لعبت دورا حاسما في قلب موازين الميدان لمصلحة القوات الأوكرانية.

وهذا الأمر يدركه الروس تمام الإدراك، ومع ذلك كانوا منفتحين على المبادرات التركية، وعقد بوتين وأردوغان لقاءات عدة منذ بداية الحرب. ولتركيا رأي متمايز عن بقية أعضاء حلف شمال الأطلسي. وأردوغان لم ينضم إلى العقوبات الأمريكية والأوروبية، لكنه لم يؤيد الغزو الروسي وندد به، على غرار تنديده بقرار ضم القرم عام 2014، وضم لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، في شتنبر الماضي.

واليوم، تظهر واشنطن تناغما مع الجهود التركية أكثر مما تبديه أوروبا، التي كان الأجدر بقادتها عدم الذهاب بعيدا في مسار عزل روسيا. وعندما أصر الرئيس الأوكراني على أن الصاروخ الذي سقط على شرق بولندا، الأسبوع قبل الماضي، أطلقته روسيا، أتاه الجواب بالنفي من الرئيس الأمريكي، قبل أن ينضم الأوروبيون لاحقا إلى المواقف الداعية لعدم التسرع في الاستنتاجات.

يعيش الأوروبيون وكأنهم يحملون عقدة ذنب حيال أوكرانيا، ما يجعلهم يتفادون أي مواقف يشتم منها تقصير في تقديم الدعم العسكري والمادي والمعنوي لكييف، مع أن أوروبا التي وصلت إلى حافة الركود الاقتصادي، وتشهد تضخما غير مسبوق وتتخبط بحثا عن حلول لأزمة الطاقة، كان يجدر بقادتها أن يكونوا أكثر جرأة في الانخراط بالجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الحرب.

وعندما يكون الهدف التوصل إلى تسوية ما، يتعين ممارسة الضغوط على طرفي النزاع وليس على طرف واحد، لأن أي طرف من طرفي النزاع لا يملك الحقيقة كاملة. الوقوف الأوروبي إلى جانب أوكرانيا، عسكريا وماديا، كان يجب أن يشكل مدخلا للحديث مع زيلينسكي عن ضرورة الحوار. هذا ما يفعله المسؤولون الأمريكيون الذين يبدو أنهم يتبنون الآن استراتيجية تقوم على استمرار ضخ المساعدات لأوكرانيا، مع الانفتاح على إعادة التواصل مع روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى