أصبحت طريقة استعداء مواطني بعض الدول الأوروبية والغربية للمسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم مكشوفة. إذ يكفي أن يخرج معتوه لكي يحرق نسخا من القرآن في ساحة عامة حتى يغضب المسلمون ويخرجوا عن طوعهم ويرتكبوا حماقات يستعملها المتطرفون اليمينيون ضدهم لتبرير همجيتهم وعدم تقبلهم للرأي الآخر.
وما يحدث اليوم في السويد من حرق المصحف يعيد إلى الأذهان مشاهد مماثلة وقعت في السابق وانتهت بأحداث عنف تم إلصاقها بالمسلمين والإسلام منها براء.
فالغاية من إطلاق هذه الحملة المنظمة لتمزيق وإحراق القرآن هي استفزاز مشاعر المسلمين لدفعهم نحو الخروج إلى الشوارع وإحراق السفارات ورايات الدول الغربية وتصوير ذلك كله ونقله عبر نشرات الأخبار إلى المواطن الغربي لإخافته، حتى إذا ما قرر الغرب وحلفاؤه ضرب دولة مسلمة أو احتلالها فإن الرأي العام الغربي يكون مهيأ لقبول ذلك، لأنه في نهاية المطاف اعتداء على همج وقتلة ومتخلفين لا يفهمون سوى لغة النار والحديد.
فالحرب التي يخوضها الغرب المسيحي ضد الإسلام ليست حربا ظاهرة بل هي حرب سرية تتخذ طابعا خفيا وتستهدف حرق القرآن في قلوب المسلمين وليس حرقه في الساحات العامة.
وعملية الإحراق الممنهجة للقرآن في قلوب المسلمين تبدأ بإصرار الغرب على حذف بعض الآيات القرآنية من البرامج التعليمية في الدول الإسلامية، والوقوف خلف دعوات ترجمة القرآن إلى اللهجات المحلية لنزع القداسة عنه وتمييع معانيه وتشجيع جهات إعلامية ومدنية على التشكيك في آياته وحقيقة تنزيله والمطالبة بمراجعته.
هذه هي المؤامرة الحقيقية التي تستهدف القرآن. وهدفها الأساسي هو القرآن الذي في قلوب المسلمين وليس القرآن الذي في رفوف مكتباتهم.
وللأسف، فإن المسلمين يفعلون كل ما بوسعهم لحماية القرآن المطبوع في الأوراق وينسون أن الدفاع الحقيقي عن القرآن هو ترسيخ معانيه في معاملاتهم اليومية وإعطاء المثل للآخرين في العدل والإخاء والمساواة والسلام والمحبة.
وإنه لمن المثير للانتباه أن الجماهير الهائجة التي تخرج في كل مرة تحتج على إحراق القرآن في بلدانها تعطي أسوأ الأمثلة في تدبير شؤونها.
وهكذا، فالذين ظهر فيهم دين الرحمة أصبحوا هم أصحاب أكثر القلوب قسوة في العالم، والذين ظهر فيهم نبي السلام أصبحوا هم أكثر الشعوب نزوعا نحو التقاتل ونهش بعضهم البعض.
إن سبب كل هذا التخلف الذي ترفل فيه أغلب بلدان المسلمين هو البعد عن المعاني العميقة للقرآن. فالعمل والصدق والأمانة والقول اللين وحسن الجوار واحترام الآخر والقبول باختلافه والصبر على أذاه، كلها قيم تزدريها الأمة الإسلامية في مقابل تشجيع قيم الغدر والخيانة واضطهاد الناس وتكميم الأفواه وكبح الحريات.
قبل أن نطالب الآخرين باحترام رسول الإسلام وكتاب الله علينا، كمسلمين، أن نقدم المثال في احترام قرآننا ونبينا. وأفضل طريقة للتعبير عن هذا الاحترام هي استحضار قيم الإسلام السمحة في معاملاتنا، فالدين المعاملة.
وعندما نغير سلوكنا، فإن نظرة الآخر إلينا ستتغير. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
المسلمون عليهم أن لا يكونوا أقل ذكاء من اليهود الذين حصنوا دينهم وعرقهم من السخرية بقوانين موجبة للسجن. ولذلك على المسلمين أن يستعملوا نفوذهم داخل البرلمانات والحكومات الغربية لكي يسنوا قوانين تحمي مقدسات ملياري مسلم من العبث والسخرية.
كما عليهم أن يستعملوا قوتهم كأسواق تجارية لكي يقاطعوا بضائع ومنتجات الدول التي تتساهل مع المسيئين لمقدسات المسلمين وتقدم لهم الدعم لكي يرتكبوا جرائمهم تحت غطاء حرية التعبير. وهي الحرية التي تقف عاجزة عن السخرية من مقدسات اليهود مثلا، لأنهم يعرفون أن المغامرة بالقيام بذلك ستجعلهم تحت رحمة المتابعات القضائية والتعويضات الثقيلة.