وإذا حكمتم بين الناس(2/1)
كل من يتابع مجريات الحملة الانتخابية الفرنسية ويستمع لمرشحي الأحزاب المتنافسة يدافعون بشراسة عن برامجهم يشعر بالشفقة لحال سياسيينا.
أما حال القضاء فيدعو عندنا إلى الرثاء، ففي الوقت الذي يتحرك القضاء الفرنسي ويتفاعل مع ما تنشره الصحافة الفرنسية حول فضائح السياسيين، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن تقديم وزراء لاستقالتهم بتهمة استغلال النفوذ، كما وقع مع وزير الداخلية الفرنسي، أو عن متابعة مرشحين بتهمة تبديد المال العام كما وقع مع المرشحين فرانسوا فيون وماري لوبين، نرى كيف أن القضاء عندنا يجمد شكايات المظلومين قبل أن يحول أصحابها إلى متابعين.
وعندما نرى كيف يحكم القضاء في فاس ببراءة مغتصب طفلة رغم وجود أدلة مادية تدينه، وكيف يحكم القضاء في مراكش بعشرة أشهر فقط في حق مجرم مزق وجوه نسوة في الشارع العام بسكين إذ تطلب رتق الجروح الغائرة 24 غرزة، نفهم أن هناك تساهلا قضائيا مع المجرمين يقابله تشدد قضائي مع المشتكين.
وهكذا فبدل أن يأمر وزير العدل مصطفى الرميد بفتح تحقيق في الملف الذي أحالته عليه زميلته في الحزب والحكومة، جميلة المصلي، وزيرة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي بالنيابة، والمتعلق بتزوير نقط طلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، شرعت المحكمة الابتدائية بالرباط في محاكمة الأستاذة التي فضحت التزوير والتي تعمل في الكلية ذاتها، بتهمة تشهيرها بأساتذة، من خلال تقديمها تقريرا إلى عميد الكلية، يفضح عملية التزوير، التي يعاقب عليها القانون.
وصاحب الشكاية ليس سوى الأستاذ عبد الحميد بنخطاب، أستاذ القانون العام الذي حصل على دكتوراه تحت إشراف عبد الله ساعف، والذي تم تعيينه قبل أربع سنوات في جامعة محمد الخامس كلية الحقوق أكدال، بعدما كان في كلية الحقوق سيدي محمد بنعبد الله بفاس وجاء إلى الرباط بناء على تغيير المقاعد بينه وبين شقيق رئيس شعبة القانون بفاس.
الأستاذ المشتكي كان مهاجرا في هولندا وكان عضوا بالمجلس الوطني للأصالة والمعاصرة قبل أن ينقلب عليه بعدما فشل في الحصول على رئاسة الذراع الجامعي لأساتذة «البام»، وكان لديه ملف مع أستاذة في الرباط وتم طيه من طرف شعبة القانون العام، وهو مقرب من رئيس الشعبة الذي يصارع بدوره من أجل الحصول على عمادة كلية الحقوق بدل الحبيب الدقاق عضو المكتب السياسي للاتحاد الدستوري.
وقد بدأت القصة، كما نشرتها «الأخبار» في حينه، بعدما اكتشفت الأستاذة المعنية، تعديل نقطتي بحثين أنجزهما طالب وطالبة، بعد مراجعتها محضر نتائج الدورة الأولى للفصل السادس، لشعبة العلوم السياسية والقانون الدولي، تخصص فرنسي، وتبين لها أنه جرى تغيير نقطة الطالب من 0 إلى 14 وتحويل نقطة الطالبة من 0 إلى 13، لتسارع إلى وضع تقرير حول الموضوع، بمكتب عميد الكلية، وتطلب منه نتائجهما وتصحيحها، قبل حصولهما على شهادة الإجازة.
ولقد تفاعل العميد بشكل إيجابي مع طلبها، وبالفعل أوقف النتائج على الفور، وفتح تحقيقا في الموضوع، ما جعله يتأكد من كل ما ورد في التقرير الذي رفعته إليه الأستاذة، التي فضحت تزوير النقط، باعتبارها المشرفة على البحث، والذي تضمن أدلة تؤكد سرقة مجموعة من الوثائق المنشورة في الأنترنيت.
ومباشرة بعد ذلك، توجهت إلى رئيس جامعة محمد الخامس، ووضعت لديه طلب إحالة الملف على الجهات الإدارية والقضائية المختصة، من أجل فتح تحقيق قضائي فيه، ومعاقبة المسؤولين الذين يشتبه تورطهم في عملية التزوير والتلاعب في نقط الطلبة، ووضع حد لمثل هذه الممارسات.
لكن الغريب، والخطير في الوقت نفسه، هو اختفاء الملف بكل محتوياته، ومن بينها التقارير المرفقة به، من رئاسة الجامعة، ولم يصل المفتشية العامة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، قبل أن تحوم الشكوك حول تورط مسؤول بالشعبة المذكورة، وقيادي بارز في النقابة الوطنية للتعليم العالي، في ممارسة ضغوط على رئيس الجامعة، من أجل طي الملف، والتستر على الفضيحة التي تسببت في ضجة في الكلية والجامعة.
ولقد كانت جريدة «الأخبار»، سببا في فضح الملف، ونشر تفاصيله، ما دفع الوزيرة المصلي، إلى إحالته على وزير «العزل وما تبقى من حريات»، من أجل فتح تحقيق قضائي بشأنه.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد دخلت جمعيات على الخط، ووضعت شكايات في الموضوع ذاته، إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية في الرباط، إلا أنه لم يحرك ساكنا بخصوصها، على الرغم من مرور شهرين كاملين على ذلك، لكنه قرر متابعة الأستاذة، التي فضحت الملف، بدل إحالة المتورطين فيه على القضاء من أجل المحاكمة.
وطبعا، فالأساتذة الذين تضرروا مما أقدمت عليه، هم المسؤولون عن الشكاية، التي جرّت الأستاذة إلى المحاكمة، بتهمة التشهير، ومن بينهم عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والمستشار البرلماني بمجلس المستشارين، الذي كان من بين الأساتذة الموقعين لطلب ضدها، يروم فتح تحقيق في ما نشرته «الأخبار»، وضعوه لدى عميد الكلية، خصوصا أنه مسّ الوزير الداودي، الذي مكّن زوجته بثينة القروري من الانتقال، بعدما تدخل لدى خالد حمص، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ولدى محمد الراجي رئيس شعبة القانون العام في الكلية ذاتها، من أجل القيام بإجراءات تنقيل زوجته، من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، حيث كانت تعمل أستاذة إلى كلية سلا، مباشرة بعد فوزها بمقعد برلماني، ضمن اللائحة الوطنية لحزب العدالة والتنمية.
فالتنقيل كان موضوع موافقة مبدئية من قبل إدارة كلية سلا الجديدة، بعدما أقنع حامي الدين عميدها بالموافقة على طلب زوجته، فيما تكلف من جانبه باستكمال باقي الإجراءات، لدى وزارة التعليم العالي، خصوصا أن لحسن الداودي وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي السابق، وافق على طلب الانتقال قبل مغادرته الوزارة، وذلك لتشرع في مهامها لتأطير دروس الماستر بكلية سلا.
فكيف لحامي الدين ألا يدافع عنه، على الرغم من أنه قال للأستاذة في جمع عام إنه يرفض الحملة التي تعرضت لها، وإنه يساندها، إلى أن اكتشفت أن اسمه يوجد أيضا ضمن الأساتذة الذين وقّعوا على الطلب هو وبعض من استمالهم حزبه بالاستشارات المؤدى عنها، إضافة إلى من ساندوه عندما جرى توظيفه في الكلية، عبر الطريقة غير المشروعة، التي أصبحت على لسان الأساتذة والطلبة.