يونس جنوحي
رغم الاعتقاد السائد عندنا أننا أكثر الشعوب ممارسة لرياضة الهجرة غير النظامية، إلا أن هناك شعوبا أخرى تفوقت علينا في هذه الرياضة «الأكثر شعبية».
وتبقى أغرب حالة فرار جماعي، في إطار الهجرة، من نصيب فريق رياضي حل في ألمانيا العام الماضي، وفر لاعبو الفريق جميعا ولم يشاركوا في بطولة لرياضة كرة اليد، واتضح لاحقا أنهم مجرد فريق وهمي، زور مديره أوراق الاعتماد وأدلى بها إلى سفارة ألمانيا وانطلت الحيلة على موظفي السفارة ومنحوا فعلا التأشيرات لأعضاء الفريق والطاقم البالغ عددهم حوالي عشرين فردا. وعندما حل الفريق في مطار فرانكفورت الدولي، تفرق أفراده ولم يظهر لهم أثر أبدا، ولم يكتشف الألمان الحيلة إلا بعد أن اختفى الفريق ولم يظهر له أثر في الأماكن المخصصة للفرق المُشاركة.
ظهرت حالات مماثلة في كل من إريتريا ودول من أمريكا للاتينية، حاول بعض مواطنيها الهجرة بطريقة مشابهة، عبر المشاركة في لقاءات وتظاهرات دولية، واتخاذها وسيلة للهجرة.
ورغم الاحتياطات التي يتشدد الاتحاد الأوروبي في تطبيقها، إلا أن هذه الحالات تُسجل سنويا.
في الولايات المتحدة الأمريكية، سُجل ازدياد في أعداد المهاجرين غير النظاميين، ويتابع موظفو المنظمات الإنسانية خيوط وصول آلاف المهاجرين سنويا إلى الأراضي الأمريكية، ويُصدمون في كل عام عند معرفة تفاصيل الطريقة التي يعبر بها هؤلاء الحدود بمساعدة عصابات من دول أمريكا اللاتينية، متخصصة في تهريب البشر عبر الزوارق ومشيا على الأقدام في رحلات وسط الصحراء لآلاف الكيلومترات، وتستمر أشهرا كاملة في سبيل تحقيق «الحُلم الأمريكي».
وإذا كان الفريق «الوهمي» قد خلق الحدث فعلا في ألمانيا، فإن هناك فريقا حقيقيا، بلاعبين محترفين فعلا وناد موجود على أرض الواقع، اختفوا جميعهم بمجرد وصولهم إلى ألمانيا للمشاركة في بطولة للمصارعة. وبدل أن يتصارع هؤلاء اللاعبون على الحلبة مع خصوم من مختلف الجنسيات، هربوا من المعسكر المخصص للمشاركين، وفضلوا أن يُصارعوا الحياة في مدن ألمانيا وملاجئها في انتظار أن يحصلوا على فرصتهم الحقيقية للاندماج في المجتمع الألماني.
وهناك حالة مشابهة لفريق جزائري، يتكون من لاعبين اثنين فقط، حلا في ألمانيا العام الماضي للمشاركة في البطولة ذاتها، وهربا بدورهما ولم يظهر لهما أثر ليتضح لاحقا أنهما فرا من المعسكر التدريبي في انتظار انطلاق البطولة.
والمثير أن خبر فرار المُصارعين الجزائريين الذي سارعت صحف جزائرية إلى نشره في شتنبر الماضي، تزامن مع خبر آخر يتعلق بفرار أعضاء فريق جزائري لكرة اليد، لأقل من 21 سنة، بمجرد وصولهم إلى ألمانيا للمشاركة في بطولة لكرة اليد، بادرت الصحافة الألمانية هذه المرة، إلى نشره وخلف صدمة كبيرة لدى متابعي البطولة. لكن الصحف التي نشرت الخبر عادت إلى تصحيحه، وكشفت أن الأمر يتعلق بفرار لاعبين فقط من أعضاء الفريق وليس أعضاء الفريق جميعا.
لهذا السبب تفضل إدارة بعض الفرق الرياضية حجز جوازات سفر اللاعبين ومراقبتهم مراقبة لصيقة لضمان عدم فرارهم من المعسكرات التدريبية أو فنادق الإقامة، إلى حين انتهاء البطولة.
ليس الرياضيون وحدهم من مارسوا هذه «الرياضة»، بل السياسيون أيضا لم يترددوا في «الهروب» من قلب مؤتمرات في أوروبا وأمريكا، ولم يعودوا إلى بلدانهم بعد المشاركة، وفضلوا البقاء وملاحقة الحلم الأوروبي أو «الأمريكي». وهناك فعلا قصص أغرب من الخيال لحالات فرار تجعل من يقرؤها يعتقد أننا نحن أبناء دول «الجنوب» ننتظر فقط فرصة إقلاع الطائرة لكي نُمزق تذكرة العودة.
وليست جميع قصص «الهروب» تنتهي بهذه الطريقة، فقد اتضح أخيرا، أن مُرشحين ليبيين للهجرة غير الشرعية، قد ماتوا بشكل مأساوي في عرض البحر بعد أن دفعت عائلاتهم مبالغ تكفي لفتح مشروع محترم في بلادهم، مقابل وصولهم إلى السواحل الإيطالية. بقيت العائلات تنتظر مكالمة من رقم مجهول في إيطاليا يؤكد وصول الأبناء، ولم يظهر أثر لا للزورق ولا لمن كانوا على متنه، لكن الصحافة الإيطالية تحدثت عن وجبة دسمة لأسماك البحر المتوسط، وعن نداء استغاثة لم تستجب له البواخر القريبة إلا بعد أن فات الأوان.