هَدَرَ يَهْدِرُ.. «هضرا»
فجأة، تحول عبد الله البقالي، البرلماني ومدير تحرير جريدة حزب الاستقلال، من «معارض» لا يعجبه كل شيء في هذه الحكومة إلى ناطق باسمها. كان هذا في افتتاحية وقعها باسمه، على هامش الهجوم غير اللائق الذي قام به بنكيران على وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار. حيث «اجتهد» في تبرير هذا التصرف الأرعن، ووصفه بكونه «يدخل ضمن اختصاصاته». لكن لم يقل لنا لماذا على رئيس الحكومة أن ينقل نقاشا يتم عادة داخل المجلس الحكومي إلى جلسة برلمانية يتم تصويرها بالمباشر في القنوات العمومية؟ ولم يقل لنا أيضا لم عليه هو نفسه، أي البقالي، أن يقحم المجلس الأعلى للتربية والتكوين بهذا الشكل المتعسف، في نقاش سياسوي محض، مع أن حزبه ونقابته كانا من الموافقين على ما تضمنته رؤية هذا المجلس بخصوص لغات التدريس؟ وما على السي عبد الله، إلا العودة للرافعة الثالثة عشرة من الرؤية الاستراتيجية التي لقيت دعما واضحا من طرف الملك في خطاب العرش لسنة 2015. ليتأكد أن مذكرة تدريس بعض المواد العلمية باللغة الفرنسية ما هي إلا تطبيق أولي وحرفي لما جاء فيها.
لا نريد أن نذكر «الأخ» بكون حزبه هو المسؤول التاريخي عن مشكلة لغات التدريس. فالمغاربة يعرفون جيدا من يقف وراء مسلسل التعريب سيء الذكر، والذي قسم المغاربة إلى محظوظين يعيدون إنتاج غنى آباءهم لكونهم يتعلمون باللغات الحية في المدارس الخاصة، ومدارس البعثات الأجنبية. و«غير محظوظين» يجترون آفات البطالة والفقر لكونهم تعلموا بلغة واحدة. ولكن نسائله فقط لماذا لم يذكر صمت «أخيه» بنكيران عن قرار «أخيه» الآخر محمد الوفا والذي كان وراء إرجاع ما بات يعرف الآن بالباكلوريا الفرنسية قبل ثلاث سنوات؟
لقد كنا ننتظر من هذا الصحفي البرلماني أن يكون مصدرا لتنوير الرأي العام بحقيقة هذه المشكلة البنيوية التي تعيق إصلاح المدرسة العمومية المغربية، سيما وأنه هو أيضا من «المكتوين» بفشل المدرسة العمومية لكونه يدرس أبناءه في مدارس خاصة مرتفعة التكلفة. وأن يقول لقرائه، إن وجدوا طبعا، لما على المغاربة أن يدفعوا ثمن فشل مدرسة؟ لما عليهم أن يدفعوا ثمن التعليم مرتين؛ ثمن المدارس الخاصة وثمن مدرسة عمومية تجتر الكوارث؟ لقد كنا ننتظر منه أن يدعم مؤسسة دستورية، أثبتت حتى الآن أنها تتجاوب مع الرسائل المتضمنة في الخطابات الملكية، في الوقت الذي تواصل فيه هذه الحكومة التي يدافع عنها، تغليب السياسوية والحزبية الضيقة في مقاربتها لملف التعليم. وإلا هل للسي البقالي أن يقول لنا ماذا يعني تعيين أربعة وزراء في قطاع يفترض أن يكون متخذ القرار فيه واحدا؟ ماذا يعني تعيين أستاذة للتعليم الثانوي في وزارة التعليم العالي وتعيين عميد كلية في وزارة التربية الوطنية؟ هل هذه السوريالية لا تدخل ضمن صلاحيات رئيس الحكومة؟
إنه من المؤسف أن ينضم السي البقالي لزمرة «المصابين» بحمى المؤامرة. والذين يصممون على رفض كل دعاوى إيجاد الجسور المفقودة بين تعليم مدرسي معرب وتعليم عال مفرنس، باسم «حماية اللغة العربية». لكون «اشتداد» الحمى عليهم يمنعهم من الاعتراف بأن العزف على وتر الهوية يمنع تطوير التعليم بالمغرب، وأن الاستمرار في تجاهل هذه الحقيقة يدخل فقط في نطاق معاني فعل «هَدَرَ» ومشتقاته.