هيلين.. زوجة عبد الرحمن اليوسفي التي يخشى السياسيون مذكراتها
حسن البصري
منذ أن استقال من السياسة، واختار المغادرة الطوعية في مسكنه بمدينة كان الفرنسية، أصبحت زوجته ماري هيلين اليوسفي مستشارته وممرضته وسكرتيرته الخاصة، بعيدا عن صخب الحياة السياسية المغربية، لذا ما إن أعلنت عن انشغالها بكتابة مذكراتها حتى أصيب كثير من الفاعلين السياسيين بنوبة إسهال، سيما أمام الصمت المخيف لرفيقة درب اليوسفي.
تعتبر هيلين العلبة السوداء للقيادي الاتحادي والوزير الأول الذي قاد تجربة التناوب التوافقي سنة 1998، لذا كانت تصر على تسميته بالعم عبد الرحمن، وهي التسمية التي أطلقها عليه الملك الحسن الثاني حين قدمه لأول مرة لولي عهده الملك الحالي للبلاد محمد السادس.
حتى في تنقلاته، حين كان مسؤولا حكوميا، فإن هيلين تظل حاضرة في الجناح المخصص لزوجها، تحرص على منحه جرعات الدواء في وقتها وتعينه على اختيار ملابسه، بذوق رفيع وهي القادمة من عمق الحضارة اليونانية رغم جنسيتها الفرنسية، ورغم تقدمها في السن إذ تفوق التسعة عقود من الزمن. لكن الآية تنقلب ويتحول عبد الرحمن إلى ممرض رئيسي للزوجة سيما بعد أن تعرضت لكسر في إحدى قدميها جعله يرافقها طيلة فترة العلاج والنقاهة مؤجلا كل الالتزامات.
يقول قيادي شبابي اتحادي كان محسوبا على تيار اليوسفي في صراعه مع اليازغي، إن زوجة عبد الرحمن كانت أسعد الناس بعد سماع خبر إنهاء مهام زوجها من طرف الملك محمد السادس، علما أن اليوسفي، «كان ينوي التخلي عن منصبه لقيادي اتحادي آخر لا يصلح للمرحلة».
تقول هيلين إن عبد الرحمن ندم أشد الندم لعدم اتخاذه قرار الاستقالة مباشرة بعد تعيين إدريس جطو وزيرا أول للحكومة رغم حصول حزب اليوسفي على أغلبية في الانتخابات، رغم ذلك لا تفضل هيلين الظهور إلى جانب زوجها في لقاءاته الصحفية حتى تلك التي تجرى بمقر سكناه.
ولأنهما لم يرزقا بأبناء، فإن عبد الرحمن وهيلين يعوضان هذا الخصاص الوجداني بزيارة أصدقاء العائلة في كان ونيس، ويدمنان على القراءة والأسفار، علما أن الزوجة اليونانية الأصول رافقته في كثير من رحلاته إلى عدد كبير من دول المعمور كالهند والصين والأردن وباكستان والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج ودول جنوب الصحراء.
رفضت هيلين مقترحا تقدم به الملك الراحل الحسن الثاني لعبد الرحمن وزيره الأول يقضي بمنحه فيلا بحي الأمراء بالسويسي، وظلت تقطن رفقة زوجها في شقة مكتراة في العاصمة الرباط، تتكون من غرفتين ولا تتجاوز مساحتها سبعين مترا، بأحد أزقة حي أكدال، كان الحزب يدفع ثمن إيجارها المحدد في 2000 درهم، بل إنها دفعته لاستئجار غرفة في فندق سندس بشارع ابن سينا باشر فيها مفاوضات تشكيل الحكومة، وأحيانا يقيم في بيت أحمد لحليمي أمين سره.
لكن أصعب الأيام هي التي قضتها هيلين مع زوجها في المنفى حين كان ممنوعا من دخول المغرب، قبل أن تنفرج الأزمة وترافقه على متن الباخرة سنة 1981 إلى بلاده حيث التقى بوالدته بعد طول هجران.
وعلى الرغم من المغادرة الطوعية للعمل السياسي، إلا أن هيلين التي ترد على المكالمات الهاتفية كانت سعيدة بتلقي مكالمة من ملك البلاد محمد السادس أثناء احتفال زوجها عبد الرحمن بعيد ميلاده التسعين في الرابع من مارس من العام الماضي، «قام الملك بالتفاتة جميلة شملتني أنا والأصدقاء الذين احتفلوا معي بالمناسبة» يقول اليوسفي في حوار صحفي. فيما كشفت زوجته عن وجود مشاورات بين القصر وزوجها إذ «كلفه الملك بمهمات خارجية عدة في إطار ملف الصحراء، ولكن منذ قرار اعتزال العمل السياسي احترم سيدي محمد رغبته، وكانت المرة الأخيرة التي طلب رأيه فيها لدى تشكيل الحكومة الحالية التي يقودها عبد الإله بنكيران في سنة 2011».
يكسر هيلين وعبد الرحمن روتين حياة الاعتزال، ويستغلان فرصة السكن في مدينة كان عاصمة السينما، لحضور مهرجانها السنوي، لكن في «صفوف العامة وليس على البساط الأحمر بين النجوم»، تقول هيلين.