هل ينجح كيري ولافروف في وقف إطلاق النار بسوريا؟
بعد مفاوضات ماراثونية استمرت 12 ساعة في غرفة اجتماعات مغلقة بأحد فنادق جنيف، تخللتها خلافات في وجهات النظر حول قضايا جوهرية، كادت أن تؤدي إلى انهيارها، توصل وزيرا خارجية الولايات المتحدة جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، إلى اتفاق يرسم ملامح خريطة طريق سياسية وعسكرية للهدنة، وتقليص أعمال العنف، وسفك الدماء في سورية.
الاتفاق لم يكن مفاجئا، وكان من المفترض أن يعلن قبل أسبوع أثناء لقاء الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين في الصين، لكن تحقيق قوات الجيش السوري تقدما في جبهات القتال في جنوب حلب استعادت بمقتضاه منطقة الكليات العسكرية وميدان الراموسة، دفع الجانب الروسي إلى التصلب، والاصرار على موقفه في الحصول على التزام أمريكي بإعلان الحرب على الجماعات «الجهادية».
هناك أربع نقاط رئيسية ترتكز إليها خريطة الطريقة الروسية- الأمريكية، وتحدد مصير الاتفاق سلبا أو إيجابيا، في حال الالتزام بها أو عدمه:
الأولى: وقف كل أعمال القصف الجوي، وأعمال القتال على الأرض من قبل جميع الأطراف، دون أي استثناء.
الثانية: السماح بوصول جميع الإمدادات الإنسانية إلى كل المناطق المحاصرة وغير المحاصرة في حلب خصوصا، وباقي المناطق السورية.
الثالثة: قيام الولايات المتحدة وروسيا بعمليات عسكرية مشتركة للقضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة المتشددة، مثل «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» والفصائل المتحالفة معهما، أو تعمل تحت لواءيهما.
الرابعة: استئناف العملية التفاوضية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وفق قرارات وتصورات صيغة جنيف.
هذا ليس الاتفاق الأول بين القوتين العظميين لوقف إطلاق النار في سورية، وربما لن يكون الأخير أيضا، وإلا لما استمرت الأزمة أكثر من خمس سنوات، لكن ما يميزه عن باقي الاتفاقات الأخرى وجود أرضية مشتركة، أبرزها الاتفاق على تحديد الجماعات «الإرهابية»، والاستعداد للعمل المشترك لمحاربتها على كل الجبهات، مضافا إلى ذلك مباركة تركيا له، واستعداد الحكومة السورية الالتزام به، حسب أقوال الوزير الروسي لافروف.
الطرف المتضرر الأكبر من الاتفاق هما أقوى تنظيمين مسلحين على الأرض السورية، وهما «الدولة الإسلامية» وحركة «فتح الشام»، «النصرة» سابقا، والدول الداعمة لهما ماليا وعسكريا، وهما المملكة العربية السعودية ودول قطر على وجه الخصوص، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
من الطبيعي والمتوقع أن يعارض هذان التنظيمين عمليا الاتفاق، ويعملان على مقاومته والحيلولة دون نجاحه، ولن يكون من المستبعد حدوث تنسيق سياسي وعسكري بينهما، أو حتى اندماجهما تحت قيادة موحدة.
الحكومة السورية لن تكون مرتاحة لهذا الاتفاق، واذا قبلته سيكون هذا القبول على مضض، لتجنب إغضاب الحليف الروسي الذي بات القوة الأعظم على الأرض السورية، وصاحب الفضل الأول في صمود النظام بتدخله العسكري في الأزمة، خاصة أن هذا الاتفاق جاء في وقت بدأت الكفة تميل لصالح الجيش السوري في جبهات القتال الرئيسية في حلب وريف دمشق.
مخاوف الحكومة السورية الأكبر تأتي من المرحلة اللاحقة، أي استئناف العملية السياسية التفاوضية، واحتمال توصل الراعيين الأمريكي والروسي إلى تفاهمات حول هيكلية الحكم السوري، وصلاحيات المرحلة الانتقالية، ومستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
بمعنى آخر، هناك خشية من حدوث مقايضة روسية- أمريكية سرية، تنص على موافقة أمريكا على اجتثاث تنظيمي «النصرة» و«الدولة الإسلامية»، استجابة للطلب الروسي، مقابل «مرونة» روسية في ما يتعلق بمستقبل الرئيس السوري.
صحيح أن روسيا، ورئيسها بوتين، تؤكد دائما أن الشعب السوري هو الجهة الوحيدة المخولة بتقرير مصير رئيسه، لكن كيري يريد أن يقدم «تنازلا ما» لحلفائه العرب، والمعارضة السورية «المعتدلة» التي يدعمها، لإقناعهم بالمشاركة في العملية السياسية ودعمها.
هذا الاتفاق الروسي- الأمريكي محاط بالكثير من الشكوك، علاوة على كم كبير من عدم الثقة من أطراف عديدة تجاهه، ويواجه صعوبات عديدة، أبرزها كيفية تسويقه لهذه الأطراف، وحجم فرص نجاحه وصموده على الأرض.
لافروف وزميله كيري أرادا أن يكون هذا الاتفاق «هدية» عيد الاضحى للسوريين والمسلمين عموما، يحقق هدنة لالتقاط الأنفاس، وتوقف نزيف الدماء، وتعيد الأمل في إمكانية الوصول إلى «حل سياسي» له صفة الديمومة.
ما يراه كيري ولافروف «هدية»، تراه الجماعات الإسلامية «الجهادية» مشروع دمار وتصفية دموية لها، من قبل القوتين العظميين، ومؤشرا لبدء الهجوم الشامل على الرقة والموصل في الشرق، وشرق حلب في الشمال، ودرعا في الجنوب.
من الصعب الإغراق في التفاؤل، وإطلاق أي تنبؤات بالنجاح أو الفشل، ومن الحكمة التريث والانتظار حتى يهدأ الغبار، وتظهر الحقائق، وتتضح المواقف.