طنجة: محمد أبطاش
شغلت التسربات الأخيرة لعصارة النفايات في المطرح العمومي لمدينة طنجة الجديد، بال الرأي العام المحلي للبوغاز خلال الأيام الماضية، حيث كان الجميع يعقد الآمال على إبعاد قنبلة موقوتة تسببت في أمراض تنفسية للمئات من المواطنين كما أضحت مهددة للمدينة بأكملها، حيث إن الكل لم يضع في الحسبان حدوث تسربات بمكان الفرز الجديد في مراحله التجريبية، إذ أن العصارة بدأت تتسرب لقرى سيُحكم عليها بالإعدام مستقبلا ومعها مساحات شاسعة غابوية، هذا المطرح الذي التهم 90 مليون درهم وكانت الجماعة تعتبره إنجازا، قبل أن يعود العداد للصفر منذ نهاية الأسبوع الماضي، لتصبح بذلك جماعة طنجة المشرفة على المشروع تواجه مقصلة الداخلية، وهو السؤال الذي حملته الجريدة لعمدة المدينة محمد البشير العبدلاوي للإجابة عنه إلا أنه اعتذر.
ألمان وإسبان
عدد من الأطراف الذين استمعت لهم «الأخبار» وعلى دراية بملف هذا المطرح يؤكدون أن هذه الفضيحة كان الجميع يترقبها بفعل وجود عشوائية في عملية تدبير مثل هذه الملفات، و»لفهم أكثر للموضوع فإنه يتوجب العودة إلى تاريخ سنة 2009»، يقول عبد الواحب الحسني، مستشار جماعي بالمجلس بطنجة، «حين تقدمت شركتان إسبانية وألمانية بدراسات هندسية متكاملة لمحاولة فك الحصار عن البوغاز، وإبعاد هذه القنبلة الموقوتة عنه، إلا أن الحسابات السياسية سرعان ما تسببت في إفشال المشروع الأجنبي والإتيان بمكاتب للدراسات مغربية وهاهي النتيجة اليوم».
الدراسات الأجنبية حول هذا الموضوع، كانت تلح على بناء حواجز لتجميع المياه الملوثة ومنع تسربها إلى الفرشة المائية، وتثبيت هضبة المطرح، وتقوية حواجزه وتأهيل مداخله. وتهم المرحلة الأولى، التي اعتبرتها دراسة أنجزتها المؤسسة الألمانية للتعاون التقني ملحة، ببناء حاجز لتجميع المياه الملوثة يساهم أيضا في تثبيت الهضبة ومنع انزلاقها، وبالتالي الرفع من قدرات استغلال المطرح في انتظار إيجاد حل جذري لإشكالية معالجة النفايات الصلبة بمدينة طنجة. وفي إطار بحثها عن تمويل لإنجاز هذا المشروع تمكنت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة وقتها في نسخة حزب الأصالة والمعاصرة، من التوقيع على اتفاقية تعاون مع نقابة بلديات جهة برشلونة باعتبار الطرفين هما عضوان في شبكة مدن البحر الأبيض المتوسط /ميد-سيتي/، وهي الاتفاقية التي صادق عليها أعضاء المجلس الجماعي لطنجة في دورته بالإجماع. وتقضي اتفاقية التعاون بين الطرفين بمساهمة الجانب الإسباني بصفة مباشرة بحوالي نصف الغلاف المالي المطلوب لإنجاز المرحلة الأولى من المشروع، والتي قد تتطلب ما يناهز 105 آلاف أورو وفق الدراسة التقنية الألمانية. ويهدف هذا المشروع، بشكل أساسي إلى تقليص الانعكاسات البيئية للمطرح العمومي على الوسط الطبيعي وتثبيت المنحدرات ومنع انزلاق النفايات. كما يروم المشروع الرفع من قدرة استقبال المطرح العمومي للنفايات تماشيا مع النمو الديموغرافي بمدينة طنجة، التي تعرف اتساعا كبيرا في رقعة النسيج الحضري، ومعدل هجرة مرتفع بالنظر إلى الدينامية الاقتصادية التي تعرفها المنطقة.
ورغم عدد من الاتفاقيات التي جرى توقيعها، وضياع ملايين في السفريات وإيواء الفرق المشاركة في إعداد الدراسة إلا أن جهات قامت بإفشال المشروع الأجنبي والبحث عن مكاتب لدراسات وطنية في ظروف غامضة.
تأجيلات وتأجيلات
قبيل انفجار هذه الفضيحة الجديدة في وجه جماعة طنجة، سبق أن عرف ملف المطرح العديد من التأجيلات، وكان آخرها حين طلب الوالي محمد امهيدية من كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن المكلفة بالتنمية المستدامة، ضرورة العمل على زيارة المطرح لإعداد دراسة جديدة تخص عملية الانتقال بشكل سلس لتفادي أية مخاطر من شأنها أن تهدد صحة ساكنة المدينة.
احتجاجات جمعوية
عرف ملف المطرح العمومي عدة احتجاجات من طرف جمعيات المجتمع المدني، فقد سبق أن نبهت تقارير سابقة لتكتل جمعيات طنجة الكبرى، أن فتح منطقة جديدة لطمر النفايات بالمطرح العشوائي الحالي بمقاطعة مغوغة كان نتيجة حتمية لتأخر فتح المطرح الجديد وأن الإغلاق النهائي للمطرح رهين بفتح وجاهزية المطرح الجديد، مضيفة أن هذا الأمر بات يجعل الجميع يعلن تضامنه مع ساكنة المدينة بسبب عشوائية التسيير. وأضافت هذه الجمعيات أن تأزم الوضعية المالية لجماعة طنجة تجعل من توفير الموارد المالية اللازمة لبناء مركز التحويل وتجهيزه أمرا مستحيلا على المستوى المنظور، مما يجعل من الساكنة المتضرر الأول من الأزمة، كما أكدت أن التعثر الذي سجل في وقت سابق حول حيازة العقار المخصص لاحتضان مركز التحويل بجماعة طنجة وعدم الشروع في بناء هذا الأخير، بسبب تأخر انعقاد لجنة التقييم المخول لها قانونا تحديد قيمة العقار الذي يخضع لمسطرة نزع الملكية، وكلها مسببات نتج عنها هذا الفشل الذريع للمجلس.
تسربات مفاجئة
التسربات الأخيرة التي حدثت على مستوى المطرح العمومي لطنجة، فاجأت الكل، وضمن هذا الخاص يؤكد مصدر على اطلاع جيد بمثل هذه الصفقات، أنه من نواحي تقنية صرفة، فإن الشركة الفائزة بالصفقة والمنجزة للدراسة، تواجه مشاكل في عدد من الأحواض التي تم إنشاؤها بطرق مغايرة لتلك التي تشتغل بها عدد من الدول، وباتت هذه الأحواض مهددة بالاختفاء في ظرف زمني لا يتعدى عام ونصف نظير أطنان من النفايات التي ينتظر أن تنقل إلى المطرح الجديد من مدينة طنجة، وهو الأمر الذي سينعكس سلبا على عمليات الفرز وتدوير النفايات. وهذا ما وقع الآن يقول مصدرنا.
المصدر نفسه يضيف أن بعض المعطيات الدقيقة من الشركة الفائزة بالصفقة، تشير إلى أنه تواجهها مشاكل عديدة ناهيك عن مشاكل أخرى مرتبطة بموقع المطرح العمومي الجديد، الذي يتواجد بدوار سكدلة التابع لجماعة المنزلة، وما مدى تأثيره على البيئة بالمنطقة والمرتبط أساسا بعمليات الطمر أمام مواجهة انجرافات للتربة المبللة على طول السنة تقريبا ما يهدد عددا من الأحواض في حال شهدت المنطقة تساقطات مطرية قياسية.