هل هي فعلا وزارة واحدة؟
المصطفى مورادي
بالرغم من توحيد القطاعات الثلاثة للتربية والتكوين في وزارة واحدة ماتزال ثمار هذا القرار الحكومي لم تينع بعد، ولعل الانطلاقة الرسمية للإطار الوطني للإشهاد أولى خطوات تجسير التربية الوطنية من جهة والتكوين المهني في الجهة المقابلة. لكن بخصوص علاقة التربية الوطنية بالتعليم العالي، فالقطاعان تفصل بينهما سنوات ضوئية، ليس فقط لكون المسؤولين الحكوميين أمزازي والصمدي يقدمان نفسيهما كـ«أساتذة جامعات»، وهو نوع من التعالي المهني الفارغ، ولكن لكون الحصول على الباكلوريا هو الحد الذي تنتهي عنده التربية الوطنية ليبدأ التعليم العالي دون امتدادات أو جسور مؤسساتية. وأكبر دليل على ذلك الطريقة التي تبرمج بها مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود امتحانات الولوج إليها..، حيث الكثير من الهدر والاستنزاف المالي والصحي والنفسي لآلاف التلاميذ على مدى أسابيع طويلة.
هكذا فأكثر الناس تعاسة وإجهادا وتذمرا هذه الأيام، هم آباء وأمهات التلاميذ الحاصلين على الباكلوريا هذه السنة. أسابيع وهم يعيشون في الطرقات وينامون في السيارات من أجل تمكين أبنائهم من اجتياز مباريات مختلف المدارس والكليات. فتجد تلميذا من فاس يجتاز امتحان ولوج كلية الصيدلة في الرباط وسيكون عليه أن ينتقل في اليوم نفسه إلى وجدة لاجتياز امتحان كلية الطب، ثم السفر في اليوم نفسه لاجتياز امتحان ولوج مدرسة عليا في طنجة في الصباح الموالي، وفي اليوم الموالي سيكون عليه التواجد صباحا في كلية طب الأسنان بالرباط. فوصل الأمر بمئات التلاميذ إلى قطع مسافات بآلاف الكيلومترات شرقا وغربا، وجنوبا وشمالا، فقط لأن وزارة تسمى «التربية الوطنية والتعليم العالي» ماتزال تشتغل بمنطق القرون الوسطى، بدون أي تنسيق أو آلية مؤسساتية منظمة تمكن المرشحين من اجتياز هذه الامتحانات في مؤسسات تعليمية في المدن التي يقطنونها. إذن، في الوقت الذي يطالب العارفون بتوحيد مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر داخل نظام جامعي موحد وقوي، ها هي وزارات كثيرة تتدخل في القطاع، وكل مؤسسة «تتلغي بلغاها»، بل وحتى المؤسسات التي يدعي أمزازي بأنه يشرف عليها، هي نفسها، وباسم «الاستقلالية كذا» تمعن في تكريس فوضى البرمجة لامتحاناتها، مخلفة إجهادا مكلفا ماليا ونفسيا وصحيا لمئات الشباب.
الوجه المضحك المبكي هو أن تجد نفس مواضيع الامتحانات يتم وضعها في كلية في فاس وفي الرباط، ومراكش وأكادير والدار البيضاء، مع اختلافات شكلية تماما، لكونها كلها تخضع لنفس دفاتر التحملات وتخضع لنفس النظام البيداغوجي، ومع ذلك تجد أنها كلها منغلقة على نفسها، ويضطر المرشحون للتنقل الشخصي بين المدن قاطعين آلاف الكيلومترات، مع أن القليل من الذكاء في التدبير كاف لحل هذه المعضلة، ومنها مثلا تشكيل لجنة وزارية تضع توصيفا موحدا للكفايات والمهارات والمعارف التي تراهن عليها كل كلية أو مدرسة، ويتم اعتماد هذا التوصيف في امتحان واحد يجتازه مثلا كل من يريد ولوج كليات طب الأسنان أو كليات الصيدلة أو مدارس الهندسة، وينتج عن هذا وضع لائحة واحدة مرتبة بالاستحقاق، وتوضع منهجية معينة في توزيع الناجحين بناء على النقط التي منحت لهم على هذه المؤسسات. فالمدارس العليا للأساتذة، مثلا، وبالرغم من أن تكويناتها هي مجرد إجازات مهنية، وتخضع لنفس الوزارة وتتبنى نفس دفاتر التحملات، فإن لكل منها امتحانا خاصا ويوما خاصا، ويضطر المرشحون للتنقل من طنجة إلى العيون مع أن هناك دوما إمكانية لوضع امتحان واحد يتم اجتيازه في مؤسسات تعليمية بكل المدن، ويتم تجميع النتائج وتوزيع الناجحين بناء على ثنائية العرض والطلب تماما مثلما يحدث في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين..، حيث هناك مباراة واحدة ويتم اجتيازها في مؤسسة تتواجد بنفس مدينة المرشح، وعند ظهور النتائج النهائية، يُوزَّع الناجحون بناء على الطاقة الاستيعابية والبنية البشرية للمؤسسات المعنية.
هكذا يظهر بوضوح أن منظومة التربية والتكوين لم تستفد قط من أسلوب توحيد القطاعات الثلاثة في وزارة واحدة يرأسها وزير واحد. فالأكاديميات معزولة عن الجامعات وهذه معزولة عن المكاتب الجهوية للتكوين المهني ومؤسساته. والاستقلالية هي استقلالية عن القطاعات الأخرى وليس عن تدخلات الوزير. واللاتمركز هو شعار المرحلة، لكنه ما يزال تعارضه جهات نافذة في هذه القطاعات الثلاثة.