هل هي العصور الوسطى المظلمة؟ (1)
بقلم: خالص جلبي
هل نعيش عام 2020 أم 1441 ميلادية؟ هل نحن أيام المماليك البرجية في عصر سعيد جقمق وخوش قدم، أم عصر النت و«كوفيد- 19»؟
المواطن العربي اليوم يستخدم التليفون الجوال، ويسكن عمارة شاهقة، ولربما ركب سيارة فارهة، والجندي العربي يقاتل بالصواريخ، والجراح العربي يجري جراحة معقدة، وفي بعض البلدان العربية بلغ عدد الجامعات كما كبيرا، مما يوحي بأن العالم العربي بخير، ولكن التفحص العميق للمشكلة يحمل أخبارا غير سارة؛ فلم تتطور الخدمات إلا باتجاه عملقة أجهزة الأمن، والثروة القومية بددت في شراء أسلحة ميتة، كما رأينا في براميل بشار في بلاد الشام وضد من استخدمت. وكل شيء في البنية التحتية لا يعمل، والنمو يتراجع في معظم بلدان العالم العربي، مع انفجار سكاني مخيف ومستقبل مظلم للشباب.
نحن دخلنا عصر المحطات الفضائية، ولكن من الباب الخلفي لنكرس أصنام قريش بما يحسدنا عليه أبو لهب ويغبطنا أبو جهل في مراتب اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وفي بعض المحطات لا تطل سوى ثلاثة رموز، في مركب أقانيم من عقيدة تثليث جديدة.
لربما كانت الحياة السياسية قبل نصف قرن أفضل حالا، فاقتلعت أول جذور الديمقراطية والمساواة الاجتماعية والتعددية السياسية، وتراجعت الخصوبة الثقافية لحساب الفكر الإيديولوجي، في مصادرة خانقة للعقل، وتأميم الفكر حتى إشعار آخر، بل ويتم نبش كتب لمفكرين تتم هرطقتهم، بعد مرور ربع قرن على كتابتها.
وفي الوقت الذي يتأهب العالم لاستعمار المريخ في القرن 21، ما زال عندنا من يؤمن بأن الأرض لا تدور. بل وجاءني من شخصيات وأطباء من جدة، من يعتقدون بحرص وحرارة أن الأرض لا تزيد عن سطح مستدير مثل صحن (الكسكس المغربي)، ويحاول البعض السفر إلى الحائط النهائي لحواف الصحن الرائع. ويكفي أن القرآن قال عنها في سورة الغاشية: «وإلى الأرض كيف سطحت»، أفليس هذا أكبر برهان؟ وهو ما يذكرني بالمنشور الذي قرأته لمفتي السعودية السابق (بن باز)، عن تكفير من يقول بدوران الأرض وحركتها وتكويرها.
وفي الوقت الذي يخطط الآخرون لألف سنة قادمة في استيطان المجرة، ما زلنا نحن على الأرض في بعض المناطق نتناقش حول قيادة المرأة للسيارة (كانت واستبدلت بحركة دورانية حاليا بـ180 درجة، من فتح البارات والخمارات والمراقص ونوادي القمار). وفي الوقت الذي يحاسب الفرد على قتل شجرة في بريطانيا، فإن عندنا من يفكر ويخطط لحملة تطهير عرقي لبعض الشجر وتدمير الغطاء النباتي بحجة الحساسية، في بيئة تئن من الرمال والجفاف، كمن يتبع وصفة مشعوذ بمعالجة الحساسية بقطع الأنف، والعطاس باقتلاع الرئة (وهو ما رأيته عيانا من قطع 16 شجرة حول مدرسة في منطقة القصيم بالسعودية)، شاهدا على وعي بيئي متخلف مدمر.
نحن إذا نتقدم إلى الوراء، ويمشي أحدنا مكبا على وجهه، هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم؟
إن حظنا سيئ أننا ولدنا في هذا العصر، وننتسب إلى ثقافة تحتضر، ولسان محاصر بثلاث وعشرين بوابة مراقبة، وكل هذا الوصف المرعب هو النصف السهل في المشكلة، فالمريض لا يختلف حول علته جاهلان، ولكن اجتماع كل جهلاء القرية لا يقربهم من الصحة إلا بعدا، كما فعل أطباء صلاح الدين الأيوبي الذي أصيب بالتهاب كبد وتعرض للجفاف والاصفرار، فعالجوه بالفصادة فقضوا عليه.
العقول هاجرت، والأموال طارت على أجنحة إلكترونية، والاستبداد ازداد رسوخا، والديكتاتوريات أصبحت أشجارا باسقة مدت ظلالا من الرعب على شعوب بأكملها، وضربت جذورها أميالا في التربة النفسية، وانقلب الفرد إلى كائن مسخ يتقن الكذب والتمثيل بأفضل من القرود!
الإذاعات نفخت ألوهية الحكام فصارت أكبر من أصنام قريش. المواطن العربي لا يرى المشاكل، بل يصطدم بها اصطداما، كما ينطح الأعمى الجدار فيجرح رأسه ولا يتعلم من خطئه، بما لا تفعله الأميبا؛ فيسرع إلى الحلول الجاهزة والسريعة لمشاكل في حجم الجبال تعس من قرون، ويعمد إلى شراء آلة لا يحسن استخدامها، ويعجز عن صيانتها، ولا يفكر في تطويرها .
ضرب المفكر علي شريعتي المثل عن استعمال الآلة بين الشرق والغرب، أنها عند الشرقي تخرب بعد فترة قصيرة من استعمالها، ويبقى يستعملها محدودة الوظيفة قرنا من الزمن بدون فكرة إصلاحها، وتبقى تؤدي وظيفتها عند الأوربي حتى بعد إحالتها للمتحف. هذا المنظر رأيته أنا شخصيا في مصاعد قديمة تعمل بألمانيا ومدينة مونتريال بكندا.
جاء في قصة كليلة ودمنة أن مجموعة من اللصوص أرادوا السطو على منزل، وشعر رب المنزل بحركتهم فهدته زوجته إلى حيلة أن يتحدث عن ثروته الطائلة التي جمعها بالسرقة، فإذا دخل البيوت نزلها على ظهر شعاع من ضوء القمر. كل ما يحتاجه ترديد سبع مرات كلمة: شولم.. شولم!
سمع رئيس العصابة الحديث السري بين الرجل وزوجته، فقال هذا هو الحل! فلما هم أن ينزل من السطح بالطريقة نفسها دقت عنقه. نحن نريد معالجة أمورنا بالصعود على أشعة ضوء القمر.